"بات ملحّاً اليوم تدخّل السلطات لإنقاذ عشرات الواحات وآلاف أشجار النخيل التي تحتضر".. كلمات وجّهها علي آيت لحوس لمعالجة الوضع المقلق في محافظة زاكورة جنوب شرقي المغرب التي تشهد منذ أسابيع نقصاً حاداً في المياه.
آيت لحوس هو واحد من مئات المزارعين المتعطشين للمياه حقاً، في منطقة توصف بأنها "قطعة من العطش"، وسط الظروف الناتجة عن سنوات من الجفاف المرتبطة بتغيّرات المناخ، والذي حوّل حياة العديد من السكان إلى جحيم، ودفع ناشطين ومنظمات إلى دق ناقوس الخطر.
يقول آيت لحوس، لـ "العربي الجديد": "من البديهي أن تتضاعف معاناتنا مع ندرة المياه في الصيف، لكننا نواجه هذه السنة أزمة المياه الأكثر شدّة منذ عقود، ما أثّر في حياتنا، فمن دون ماء لا نستطيع فعل أي شيء".
فعلياً، تحوّل نقص المياه إلى كابوس لسكان جنوب شرقي المغرب في السنوات الثلاث الماضية، وشكل عامل غليان شعبي حتم تنظيم السكان احتجاجات عدة للفت انتباه المسؤولين، والمطالبة بإيجاد حلول جذرية للمشكلة. وتزامن ذلك مع تصنيف تقرير أصدره معهد الموارد العالمية في أغسطس/آب 2019، المغرب، بين البلدان التي تشهد "إجهاداً مائياً مرتفعاً"، جعله يحتل المركز 22 بين 164 بلداً، ما يعني أن الطلب على المياه يتجاوز الكميات المتوافرة.
وضع كارثي
يقول رئيس جمعية "أصدقاء البيئة" في زاكورة، جمال أقشباب، لـ "العربي الجديد ": "الوضع صعب ومقلق ويزداد سوءاً بالتأكيد خلال يوليو/تموز الجاري وأغسطس/آب المقبل، ما يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر، ومطالبة السلطات والجهات المعنية بقطاع المياه بضرورة التدخل بشكل عاجل لإيجاد الحلول التي تكفل تأمين مياه صالحة للشرب، وفتح تحقيق بشأن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه الواحات في منطقة درعة".
ويعزو أقشباب أزمة المياه التي لا سابق لها في زاكورة إلى "تدهور الموارد المائية السطحية والباطنية". ويشير إلى "تراجع مخزون المياه السطحية إلى 100 مليون متر مكعب في سد المنصور الذهبي (الأكبر في المنطقة)، ما يشكل نحو 20 في المائة فقط من سعته الفعلية. كما تدنت نسبة المياه الجوفية هذه السنة بسبب الاستنزاف الخطير لها، ما يجعل الناس في بحث دائم عن قطرة ماء في منطقة تموت من العطش".
ويربط أقشباب أسباب تفاقم أزمة المياه بالظروف الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية في محافظة زاكورة التي تشهد جفافاً "قاتلاً" منذ عام 2014، مع تراجع هطول الأمطار بشكل كبير، وصولاً إلى عدم تجاوزها 30 ميلليمتراً هذه السنة، والارتفاع الحاد في درجات الحرارة مقداره بين 2 إلى 2.5 درجة مئوية، وكذلك في نسبة التبخر وصولاً إلى ألفي ميلليمتراً، ما يؤثر على الواحات.
ويرى أن "مواجهة هذه الظروف الطبيعية تتطلب وضع الجهات المعنية بشؤون المياه استراتيجية ورؤية للتكيف مع التغيرات المناخية وندرة الماء، وهو ما لم يتحقق في مناطق الواحات، في ظل تطبيق استراتيجيات وسياسات عشوائية أوجدت وضعاً لا يحسد أحد عليه. والأمر يزداد تعقيداً في ظل الفراغ المؤسساتي السائد في المنطقة من جراء عدم وجود إدارة تابعة لوكالة الحوض المائي في زاكورة، ما يؤدي إلى تسيّب كبير في خطط حفر الآبار، وعدم احترام قوانينه".
البطيخ الأحمر وأمن المياه
ومن الأسباب التي فاقمت أزمة المياه في زاكورة استنزاف الموارد المائية بسبب زراعة البطيخ الأحمر، التي بدأت عبر مساحة ألفي هكتار عام 2008، وصولاً إلى 20 ألف هكتار عام 2017. ويلفت أقشباب إلى أن "دراسة أنجزتها وكالة الحوض المائي سابقاً، كشفت أن حجم موارد المياه التي تستهلك في زراعة البطيخ تتجاوز 12 مليون متر مكعب سنوياً. وهو حجم يكفي لتحقيق أمن مائي في المنطقة".
وهكذا يعتبر أقشباب أن استراتيجية تشجيع زراعة البطيخ الأحمر "كانت خاطئة بسبب انعكاساتها السلبية الكبيرة على كميات المياه المتوافرة والنادرة أصلاً". وأشار إلى "وجود فراغ مؤسساتي وغياب لإجراءات تفعيل القوانين، والتنسيق بين الجهات المعنية في شأن مياه منطقة الواحات، ما جعل الزراعة تستنزف 85 في المائة من المياه السطحية والباطنية، علماً أن نسبة كبيرة من المزارعين توجهوا نحو الزراعات غير المستدامة والمستنزفة للمياه".
ويطالب أقشباب بتدابير عاجلة توجد حلولاً ناجعة، أولها إصدار قرار يعتبر محافظة زاكورة منطقة منكوبة، ووضع نموذج تنموي جديد يرتكز على مبادئ التنمية المستدامة والاقتصاد المستدام والمندمج، وآخر زراعي يراعي الخصوصيات المناخية للمنطقة واحتياجاتها.
من جهته، يرى رئيس "مركز آفاق بيئية للإعلام والتنمية المستدامة"، محمد التفراوتي، أن "الشخصيات الفاعلة وأصحاب القرار يجب أن يوضعوا في صورة السيناريوهات المقلقة للمستقبل في حال مواصلة عدم حسم موضوع حظر زراعة البطيخ بالكامل في منطقة زاكورة". ويتابع: "يجب وقف الانحدار المهول في كميات المياه، وخلق فرصة للتعافي تلحظ إيجاد حلول بديلة للمزارعين الذين يبدو أنهم يشكلون جماعة للضغط تمنع التخلي عن زراعة منتج البطيخ المدر للربح".
ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن كل مناطق المغرب تشهد استنزافاً لموارد المياه، وانتهاكات طبيعية وبشرية تستهدف مساحاته واستهلاكه. والدليل على ذلك تراجع مخزون المياه في بحيرات جبال الأطلس، بسبب تزايد حفر مزارعي أشجار التفاح للآبار. كما تتدنى المساحات المائية في منطقة سوس ماسة التي تعتبر سلة غذاء المغرب، نتيجة اعتماد طرق غير ملائمة في الإنتاج الزراعي، وبسبب توالي سنوات الجفاف".
ويتابع: "رغم المساعي التي بذلت لمعالجة إشكالات المياه في المنطقة، خصوصاً عبر تنظيم زراعة البطيخ، لكن مظاهر التغيرات المناخية في المنطقة تبقى مؤثرة على صعيد شح المياه، وبينها الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وتفشي ظاهرة التصحّر، وتزايد ملوحة مياه التربة والضغط المتواصل على الموارد المائية".
ويرى أن المطلوب لمواجهة خطر نقص المياه وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية السلبية هو دمج عنصر تغير المناخ في مخططات موارد المياه في مختلف المناطق المصنفة بأنها هشة، واعتماد مقاربة تأخذ في الاعتبار التكيف مع تغير المناخ عبر ترشيد الطلب وتطوير العرض، والحفاظ على الموارد، وتنفيذ إصلاحات تنظيمية ومؤسساتية تعزز القدرات والوسائل والمهارات.
مرحلة الخطر
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو مؤسسة حكومية، حذر في تقرير أصدره في 26 سبتمبر/أيلول 2019، من خطر نفاد مخزون البلاد من المياه، خصوصاً تلك الجوفية العميقة. واعتبر أن الأمن المائي "أصبح أولوية بالنسبة إلى المغرب في السنوات المقبلة، ومن الضروري في مواجهة عدم الاستقرار الاجتماعي والتفاوت في فرص القطاعات، تقديم أجوبة سياسية مبتكرة وملهمة لحماية الموارد والحفاظ على مكتسباتها".
وتؤكد المعطيات الصادرة عن المؤسسة الحكومية أن "الوضع المائي في المغرب دخل مرحلة الخطر. فعندما تقل المياه المتوافرة إلى ألف متر مكعب للفرد سنوياً، يغدو الوضع بالغ الحساسية، علماً أن موارده المائية تقل حالياً عن 650 متراً مكعباً للفرد سنوياً، في حين أنها كانت 2500 متر مكعب عام 1960".
وكان العاهل المغربي محمد السادس دعا، في يونيو/حزيران 2018، الحكومة، إلى اتخاذ تدابير عاجلة عبر حفر آبار وبناء سدود ومحطات لتحلية المياه، وإرسال خزانات مياه إلى مناطق متضررة من ندرة المياه.
وأعقب ذلك إطلاق الحكومة في يناير/كانون الثاني 2020 البرنامج الوطني للتزود بمياه الشرب ومياه الري والذي يمتد حتى 2027، بكلفة 115 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار). ولحظت خطته بناء سدود جديدة وتحسين إدارة الطلب على المياه، وتعزيز إمدادات المياه الصالحة للشرب في الوسط القروي، وإعادة استعمال المياه التي تخضع للمعالجة في ري المساحات الخضراء، وتحسين التوعية بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استخدامها. كما رصدت الخطة ميزانية مقدارها 14.7 مليار درهم (حوالي 1.44 مليار دولار) لتزويد مياه الري، من أجل تغطية 510 آلاف هكتار يستفيد منها 160 ألف شخص.