يرسم عزيز هاشم، البالغ من العمر 14 عاماً على وجوه أطفال مدينة تعز، وسط اليمن، رسومات متعددة وبديعة تختلف من صغير إلى آخر، ويتفنّن في ذلك، على الرغم من إصابته بمرض السكري. وهو يزاول نشاطه هذا بشكل يومي، علماً أنّه يشكّل مصدر دخل بالنسبة إليه، فيستفيد من عائداته المتواضعة لتوفير مصاريفه الشخصية ومساعدة أسرته في نفقات المنزل.
ويهدف عزيز إلى إسعاد الأطفال ورسم ابتسامة على وجوههم وسط البؤس الذي خلّفته الأوضاع الراهنة، فيخفّف من وقعه على نفوس الصغار الذين تأثّروا بتداعيات الحرب والحصار المطبق على المدينة منذ عام 2015.
ويتوجّه عزيز، عصر كلّ يوم، نحو المتنزّه الوحيد في مدينة تعز، حاملاً معه حقيبة في داخلها أدواته التي يستخدمها في الرسم، ثمّ يختار زاوية معيّنة ليستقرّ فيها مع فرشاته وألوانه. ويرسم على وجوه زبائنه الصغار الذين يقصدون يومياً مع أهلهم "متنزّه التعاون" وسط المدينة، مظهراً براعته وموهبته ومعبّراً عن شغفه.
ويبدو أنّ أطفال اليمن يكبرون قبل أوانهم، فيزاول كثيرون أنشطة وأعمالاً، بما فيها ما هو شاق، ويُظهرون مهاراتهم وإبداعهم مجالات عديدة، من قبيل الرسم والغناء والإنشاد وغيرها من المواهب التي يستفيدون منها في مواجهة الحرب الدائرة للعام السابع على التوالي، وكسب المال الذي يستعينون به في توفير احتياجاتهم ومصاريفهم ومساعدة أسرهم على تحسين ظروفها المادية والمعيشية.
عزيز اليوم تلميذ في الصف الأول الثانوي، وهو يرسم على وجوه الأطفال مذ كان في الصف الثامن الأساسي. وتجتمع فيه روح الفنان والإنسان، إذ يصغي على الرغم من صغر سنّه إلى رغبات زبائنه وينفّذ الرسومات التي يطلبونها في مقابل بدلات رمزية. كذلك هو يراعي الأطفال المعوزين وأوضاعهم المادية المتردية، فيرسم على وجوههم من دون أيّ مقابل.
ويخصّص للفتيات رسومات تختلف في ألوانها وأشكالها ونوعها عن تلك التي يرسمها على وجوه الفتيان. ومن أبرز رسوماته الجواكر والنجوم والقلوب والفراشات والشخصيات المستوحاة من بعض المسلسلات والأفلام من قبيل سبايدرمان وباتمان وغيرهما.
وكانت بوادر موهبة عزيز التي لم يكتسبها من أحد في صغره، قد ظهرت من خلال رسومات على الورق، وهو في الصف الثالث الابتدائي، ثمّ راح ينمّي موهبته تلك، إلى أن شرع بالرسم على وجوه أطفال أسرته.
وبعد الانتهاء من مرحلة التعليم الأساسية، راودته فكرة العمل في خارج المنزل والرسم على وجوه الأطفال، في مسعى منه لنشر البهجة في أوساطهم حتى يستعيدوا ما سلبته الحرب منهم.
يقول عزيز لـ"العربي الجديد": "رسمت في صغري على الورق، ولمّا كبرت قليلاً رسمت على وجوه الأطفال، وقد شجّعني أبي وأمي وحفّزاني على تطوير موهبتي، وحثّاني على التقدّم في مجال الرسم حتى أحقّق حلمي".
وتختلف البدلات التي يتقاضاها عزيز من رسمة إلى أخرى، وتتدرّج قائمة أسعاره من 100 ريال يمني (10 سنتات من الدولار الأميركي) إلى 200 ريال (20 سنتاً)، ثمّ 300 ريال (30 سنتاً)، لتنتهي عند 500 ريال (نصف دولار تقريباً).
ويوصَف عزيز بأنّه فتى مسؤول تجاه أسرته التي يساعدها في مصاريفها، وكذلك تجاه عمله ومدرسته، ويحاول جاهداً تنظيم أوقاته والتوفيق بين كلّ مسؤولياته. ويبدأ نهار عزيز بتوجّهه صباحاً إلى المدرسة التي يعود منها عند الظهيرة، فيتناول وجبة الغداء ويذاكر قليلاً قبل أن يتوجّه في الساعة الثالثة من بعد الظهر إلى حيث يزاول الرسم. وفي المساء، يعود إلى منزله في حيّ الضربة وسط المدينة ويستكمل مذاكرة دروسه وكتابة واجباته.
ويحظى عزيز بإعجاب زبائنه، والطفل محمد عباس واحد منهم. فرسومات عزيز تروق محمد كثيراً، وتشعره بالبهجة، "فهي تمنحني ملامح الشخصيات الكرتونية الخارقة وغيرها"، بحسب ما يؤكد محمد لـ"العربي الجديد". كذلك، "نالت أعماله الفنية استحسان مواطنين وناشطين وإعلاميين راحوا يتداولون صوراً له ولأعماله على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لاقت رواجاً"، وفقاً للناشط سليم صالح لـ"العربي الجديد".