أعادت مجزرة المستشفى المعمداني في قطاع غزة ذكريات مؤلمة للعراقيين، في ظل المجازر العديدة التي شهدتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، لناحية الوحشية والبشاعة والمرارة والخسارة. وأبرزها مجزرة ملجأ العامرية وسوق الفلوجة الشعبي، ومجزرة عرس القائم في الأنبار، وحدثت نتيجة قصف للطيران الأميركي بدءاً من عام 1991 وحتى عام 2015.
وارتكب الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية في المستشفى المعمداني في غزة، أدت إلى استشهاد أكثر من 500 شخص، وأوقعت مئات الجرحى من النازحين والمرضى.
ورصدت "العربي الجديد" جانباً من آراء الشارع العراقي الذي كانت حكومته قد أعلنت الحداد، ووجهت موظفي ومنتسبي الدولة بوقفة تضامن، واتفقوا جميعهم على "دعم القضية الفلسطينية، ووصف ما يحدث في مدينة غزة بأنه جرائم ضد الإنسانية".
يستذكر أبو علاء (65 عاماً) وهو من حي الأعظمية في بغداد، الفواجع التي مرّت على العراقيين، ويقول لـ "العربي الجديد" إن "بغداد كانت قد شهدت بعضاً من هذه المجازر، ولا تزال الذكريات مليئة بالمشاهد المؤلمة عن قصف ملجأ العامرية في فبراير/ شباط عام 1991 بواسطة الطيران الحربي الأميركي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 400 مدني عراقي من نساء وأطفال". يتابع: "الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع أهالي غزة كما تعاملت أميركا مع العراقيين، وكأن التاريخ يعيد نفسه من دون أي رادع دولي لهذه الانتهاكات"، مبيناً أن "العراقيين يتابعون بحسرة وألم الأحداث التي تجري في غزة، ولا نملك غير المساندة بالتبرعات، والحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والدعاء لهم، في ظل مواقف دولية مخزية وتبريرات أكثر خزياً".
من جهتها، تشير المهندسة سلمى الخياط (43 عاماً) إلى أن "الولايات المتحدة كانت قد أجرمت بحق العراق، وأن مشاهد قصف المستشفيات والأبنية السكنية في غزة أحيت هذه الذكريات لدينا، وقبلها إيران التي قصفت بغداد لأكثر من مرة خلال الحرب العراقية الإيرانية، مستهدفة آنذاك منشآت مهمة، وأوقعت المئات من القتلى جرّاء ذلك". وتؤكد لـ "العربي الجديد" أن "ما يحدث في غزة شبيه إلى حد كبير بما حدث في العراق".
تضيف الخياط أن "المدينة القديمة في الموصل خلال فترة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تعرضت إلى مثل هذا التدمير من قبل طيران التحالف الدولي، بالإضافة إلى أحياء واسعة من الأنبار، ومدينة حلب السورية، وكأن المجرمين اتفقوا على اتباع الآليات نفسها. فما يزيد من إجرام هذه الأنظمة هو الصمت الدولي، بل المواقف المساندة أحياناً لهذه الجرائم".
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت الحداد ثلاثة أيام في عموم العراق "ترحماً على شهداء قصف الكيان الصهيوني على مستشفى في قطاع غزة"، بحسب بيان لها، داعية "العرب والدول الصديقة والعالم الحر، إلى تبنّي موقف موحّد عبر إصدار قرار عاجل وفوري من مجلس الأمن الدولي لوقف هذا العدوان القبيح السافر".
إلى ذلك، يوضح الصحافي العراقي أحمد عباس أن "قصف المستشفى المعمداني في قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، أعاد لأذهان عدد كبير من العراقيين الفواجع التي ارتكبتها القوات الأجنبية ضد الشعب العراقي، بدءاً من التسعينيات وحتى الآن". يتابع: "منذ مشاهدتي للجريمة التي ارتكبها الصهاينة في المستشفى المعمداني بغزة، تذكرت الغارات الأميركية أثناء حرب الخليج الثانية، وقد أدت إحدى الغارات الأميركية على ملجأ العامرية إلى مقتل مئات الأطفال والنساء".
ويلفت عباس إلى أن "قوات التحالف التي هاجمت ملجأ العامرية بررت القصف آنذاك بأنه كان يستهدف مراكز قيادية عراقية، لكن أثبتت الأحداث أن تدمير الملجأ كان متعمداً، وخصوصاً أن الطائرات الأميركية ظلت تحوم فوقه لمدة يومين، وما أشبه اليوم بالبارحة. فالكيان الصهيوني يتهم المقاومة الفلسطينية بقصف المستشفى المعمداني". ويشير إلى أن "القصف الهمجي على غزة ذكرني بانتهاكات القوات الأميركية التي دخلت العراق عام 2003، وقد قتلت مئات المدنيين العراقيين على حواجز التفتيش التي أقامتها في أعقاب غزو العراق".
أما العضو المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، فيؤكد أن "ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه إلا بكونه حرب إبادة ضد الفلسطينيين، من أجل السيطرة على غزة واحتلالها وضمها إلى الكيان الإسرائيلي، موضحاً لـ "العربي الجديد" أن "العراق تعرّض في أكثر من مرة إلى ضربات موجعة تشبه حادثة قصف المستشفى المعمداني، ولدينا ذاكرة لا تنسى هذه الآلام. ومثلما لم يقف المجتمع الدولي مع غزة، فإن العراق ظلّ وحيداً حين تعرض إلى القصف الأميركي وقتل المئات في بغداد والفلوجة والموصل والأنبار". ويتابع أن "موقف الشعب العراقي وحكومته مساند دون قيد أو شرط للقضية الفلسطينية".