أعادت حادثة منطقة زقاق البلاط في العاصمة اللبنانية بيروت، مؤخراً، تسليط الضوء على خطورة المولدات الكهربائية التي تنتشر في الأحياء بطريقة عشوائية لا تتوافق مع الشروط والمعايير، ما يجعلها بمثابة قنابل موقوتة تُقلق السكان، وتبقيهم في حالة خوف من وقوع أي كارثة.
ونجت المنطقة في 27 يونيو/ حزيران الماضي من كارثة كادت تحلّ على السكان بعد انفجار مولد كهربائي طاول حريقه خزانين للمازوت و6 سيارات و3 شقق سكنية ومتجراً. وسيطر الدفاع المدني على الحريق الذي اقتصرت أضراره على الماديات.
في بداية الألفية الثالثة، وُثّق وجود أكثر من 370 ألف مولد كهربائي خاص في لبنان، بحسب دراسة أعدّها الباحث الاقتصادي والاجتماعي ميشال مرقص. وجرى استيراد 86 ألفاً و785 مولداً بين عامي 2001 و2005، وقارب العدد 457 ألف مولد حتى نهاية عام 2017، وقد ارتفع العدد حالياً بسبب زيادة التقنين.
تقول رانيا، وهي من سكان منطقة البوشرية في قضاء المتن (شرق بيروت)، لـ"العربي الجديد": "نعيش في حيّ مُزدحم بالمولدات العشوائية، واندلع حريق قبل أشهر كاد يتسبب بكارثة لولا سرعة تدخل عناصر الدفاع المدني. ونعاني أيضاً من أصوات المولدات المزعجة في الليل، وتصاعد الغبار الأسود الذي يخترق نوافذ المنزل يومياً، وأضراره الصحية المسببة للسرطان. وينتابنا خوف من احتمال أن يقع حادث في أية لحظة، وهو ما زاد بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020، لذا نعيش في قلق لا ينتهي، والمسؤولون غائبون عن السمع، بعدما أصبح أصحاب المولدات أقوى من الدولة".
يقول وزير البيئة، ناصر ياسين، لـ"العربي الجديد" إن "موضوع تنظيم المولدات هو عند البلديات والمحافظين والإدارات المحلية، وهناك مسؤوليات محددة لكل وزارة، منها الطاقة والمياه والاقتصاد، أما وزارة البيئة فمسؤولة عن وضع معايير إدارة التلوّث. وفي هذا المجال، هناك معايير جرى تجديدها والتي سنعلنها قريباً. ونحن نضع الشروط البيئية للانبعاثات، في حين يجب أن تنفذ البلديات مسؤولياتها".
ويشير إلى أن "معايير أكثر حداثة ستُعتمد على صعيد الشروط الفنية المطلوبة للانبعاثات الصناعية ومعالجة ملوّثات الهواء، وكذلك لتنظيم فلاتر المولدات كي تكون أكثر تطوراً، وتصل إلى حدّ إزالة الجزئيات الصغيرة المنبعثة من المولدات، إضافة إلى تحديد الشروط التي يجب أن تتوفر في مكان وجود المولدات، وصيانتها في شكل دائم".
وجود مولدات الأحياء غير شرعي وغير آمن والقطاع كله غير قانوني
ويشدد ياسين على أن وجود المولدات بين الأحياء "غير قانوني وغير منطقي وغير آمن، والقطاع كله غير شرعي، وفرضه سوء إدارة ملف الكهرباء المسؤول بدوره عن تلوّث الهواء بسبب استخدام مولدات ديزل، ما يعرّض حياة المواطنين لخطر". والمطلوب تطبيق حلول جذرية، بينها الاعتماد على مزيج للطاقة من مصادر الغاز والطاقة الشمسية والمتجددة، وتطبيق شركة كهرباء لبنان جزءاً منه، والثاني الناس الذين بدأ عدد منهم في تركيب طاقة شمسية، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية وارتفاع التقنين الكهربائي. أما المستقبل فيجب أن يكون للاستثمارات وخصخصة الكهرباء كي تصبح كل مصادر الطاقة متجددة".
في السياق، تقول النائبة نجاة صليبا لـ"العربي الجديد": "أصدرت وزارة البيئة تعميمين طالبا البلديات بمراقبة تدابير السلامة العامة في المدن والقرى، وهو ما يجب أن يكون أولوية للبلديات، لا سيما في فصل الصيف، حيث تزداد خطورة المولدات في حال كانت لا تتلاءم مع المعايير العالمية، ولا تخضع للصيانة الروتينية التي يجب أن يوفرها أيضاً أصحاب المولدات، خصوصاً للتأكد من عدم تسرّب المازوت".
وتلفت إلى أن "حجج البلديات بعدم امتلاك يد عاملة وأموال للاضطلاع بدورها في شكل مناسب تسقط أمام المخاطر المحدقة، واحتمال حصول كوارث، فسلامة المواطنين أولوية وأساس، وعلى البلديات أن تضطلع بدورها وتتأكد من حيازة أصحاب المولدات التراخيص اللازمة، واستيفاء مولداتهم معايير السلامة العامة".
وتتحدث صليبا عن "وجود حوالي 9 آلاف مولد في بيروت الإدارية فقط، وفق دراسة أعددناها سابقاً، في حين لا إحصاء رسمياً خاصاً بالبلدية، علماً أن عدداً من المولدات غير مرخص. وباعتبار أن خطر هذه المولدات يزداد في الصيف، يجب إخضاعها لكشف للتأكد من عدم وجود تسرّب للفيول أو المازوت، وتبريدها في شكل مناسب، فالحرارة ترتفع جداً في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، كما يجب إثبات أن هذه المولدات تعمل بطريقة فعّالة، ومثلاً إذا كان المولد كبيراً ويغذي منزلاً أو منزلين فقط فيعرّضه ذلك لحرارة أكثر".
وتشير إلى أن "قرار تغليف المولدات لمنع الضجيج يصعّب عملية التهوئة ويرفع الحرارة أكثر، لذا من الضروري أن تنفذ البلديات واجباتها، وتضطلع بدورها للتأكد من احترام أصحاب المولدات مواصفات السلامة العامة لتجنب احتمال حصول كوارث أكبر". وتقول صليبا إن "معظم المولدات عبارة عن قطع تُجمَع وتُركّب، وبالتالي ما المعايير المعتمدة لها، وهل تتوافق مع شروط ومواصفات السلامة العامة، وأين الرقابة عليها؟".
من جهته، يقول المستشار الإعلامي في الحركة البيئية اللبنانية، مصطفى رعد، لـ"العربي الجديد": "مولدات الكهرباء عبارة عن قنابل موقوتة موجودة بين المنازل، وهي معرّضة دائماً لخطر الانفجار، علماً أنه يمنع استخدام خزانات المازوت عالمياً لأنها سريعة الاشتعال، وتعتبر من المسببات الأولى لسرطان الرئة". ويشدد على أن "المولدات يجب أن تكون خارج الأحياء، ويخصص لها مجمع كامل تُتّبع فيه أعلى المعايير الكهربائية والأمنية والصحية، مع ضرورة تزويدها بفلاتر لمواجهة الملوّثات الكيميائية".
ينبغي وضع المولدات خارج الأحياء وأن تخضع لمعايير تقنية وصحية
ويلفت رعد إلى أن "خطورة المولدات تزداد في الصيف حتماً، لأن علبها من الحديد الذي يتعرّض لشمس حارقة. وهناك مشكلة في تبريد المولدات، علماً أن بعض أصحابها يتعمدون تركها مفتوحة للتهوئة، ما يؤثر في الناس، لا سيما الذين ينامون على الشرفات، وهم كُثر ربطاً بالأزمة الاقتصادية والكهربائية، وارتفاع فواتير المولدات، سواء على صعيد الضجيج أو تنشقهم لمادة النيتروجين الذي يحترق. ورغم أن التقنين وصل إلى 12 ساعة يومياً في البداية، عاد التشغيل إلى بين 16 و20 ساعة يومياً، ما يعني حرقاً أكبر للمازوت وانبعاثات كربونية أكثر تتسبب حتماً بتداعياته سرطانية على السكان، وتزيد الأمراض الصحية الصدرية والحساسية".
ويشير إلى أن "أسباباً كثيرة قد تؤدي إلى حصول حريق أو انفجار مولد، منها تشغيله فوق قدرته الاستيعابية، ونوعية الوقود المستخدم، وتكرار خلطه بالمياه في الفترة الأخيرة من أجل إطالة فترة الاشتعال، ما يؤثر في المحرك، وكذلك المس الكهربائي، ومشكلات ترتبط بالصيانة. غالبية من يديرون القطاع غير القانوني لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة. هناك العددي من الطرق لتفادي المخاطر، منها الطاقة الشمسية، علماً أن لبنان شهد منذ عام 2019 فورة في هذا المجال، وهناك الطاقة الهوائية، لكن كلفتها أعلى. يمكن أن يستبدل من يملك القدرة المالية اشتراك المولد بالطاقة الشمسية، لكن هذا الأمر يظل رهن مبادرات شخصية، في حين يجب أن يكون الحل مستداماً".
في المقابل، يقول صاحب مولد كهربائي في بيروت لـ"العربي الجديد" إن "المولدات في لبنان المرخصة تخضع للمعايير اللازمة، وتراقبها البلديات والجهات المعنية، فسلامة الناس تهمّنا، ونحن نسكن أيضاً بينهم والخطر الذي يتعرّضون له يشملنا أيضاً. لكن طبعاً هناك العديد من المولدات غير المرخصة، ومن مسؤولية السلطات أن تتابعها وتضع حدّاً لها، وهذه ليست مسؤوليتنا، فنحن نعمل قدر الإمكان لتأمين الكهرباء بينما يجب أن تنفذ الدولة هذا الدور، لكنها تخلّت فعلياً عن مسؤولياتها منذ سنين".
ويكتفي مصدر في وزارة الداخلية والبلديات بالقول لـ"العربي الجديد": "نولي أهمية كبيرة لملف المولدات الكهربائية، وطالبنا البلديات بأن تنفذ دورها في هذا الإطار، وتحصي المولدات وتتأكد من استيفائها الشروط ومعايير السلامة، لكن القطاع غير الرسمي لا يمكن ضبطه أو كشف المولدات غير المرخصة، فهذا يستلزم فريق عمل كبيراً وعدداً أكبر من المراقبين، وهو ما لا يتوفر لدينا. وزادت الصعوبات بعد الأزمة الاقتصادية".
وعام 2018، احتلّ لبنان المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا على صعيد عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وفق تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية كشف وجود 242 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني.
وكشف تقرير نشرته "غرينبيس" عام 2020 أن متوسط الوفيات المبكرة في لبنان نتيجة تلويث الوقود الأحفوري الهواء بلغ 2700 حالة عام 2018، أي بمعدل 4 وفيات لكل من 10 آلاف شخص، وهو بين أعلى المعدلات في المنطقة إلى جانب مصر. وإضافة إلى الفاتورة الصحية، كشف التقرير الكلفة الاقتصادية السنوية التي تتكبّدها الدولة اللبنانية نتيجة تلوث الهواء، والتي حددها بـ 1.4 مليار دولار، أي 2 في من إجمالي الناتج المحلي، وهو بين الأعلى في المنطقة إلى جانب مصر.