أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية في ليبيا أخيراً، أنها تعد لحفل توزيع صكوك خاصة بمنحة الزواج لذوي الإعاقة وأبناء مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ما أوحى بمحاولة الحكومة تفعيل نشاط صندوق دعم الزواج، في وقت يؤكد فيه مراقبون عدم رصدهم أي تقدم في نشاطات الصندوق، "ما يشير إلى فشل المبادرة".
وكان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة قد أعلن، مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، عن بدء صرف منحة زواج قيمتها 9 آلاف دولار لكل شاب وشابة يرغبان في الزواج "من دون أي شروط"، وأوضح أن الحكومة رصدت ميزانية لإنشاء الصندوق الذي هدف إلى تسهيل زواج 50 ألف شاب وشابة، "شرط تقديم ما يثبت حصوله".
حينها، أقبل شبان كثيرون على تسجيل أسمائهم في المنظومة الإلكترونية المخصصة للصندوق. وتزامن ذلك مع إقبال كبير على عقد القران تمهيداً للالتحاق بالمنظومة، ثم تراجعت الحكومة عن إعلانها عبر وضع قيود وشروط للراغبين في الحصول على المنحة، ما اعتبره الباحث الاجتماعي عبد العزيز الأوجلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "أول مؤشر للارتباك والفشل، ودليلاً واضحاً على أن الحكومة لم تبن قرارها على إحصاءات شاملة عن الشباب توفرها مصلحة الأحوال المدنية، وهي الجهة الأولى المعنية بتوثيق الزيجات في البلاد".
واشترطت الحكومة بلوغ الزوج سن الـ25 والزوجة الـ18، على خلفية رصد نشطاء زيجات لأطفال، بعضهن فتيات في سن الـ14، ما أثار جدلاً واسعاً في شأن عدم تقيد الحكومة بضوابط سن الزواج التي تنص عليها التشريعات، وتحدد سن زواج الفتاة بــ18 عاماً.
وانضم المجلس الأعلى للقضاء إلى المعترضين على عدم تشريع الحكومة إجراءات الحصول على المنحة بشكل جيد، وأبدى تخوفه، في بيان أصدره في نهاية العام الماضي، من أن يكون هدف المقبلين الجدد على الزواج الحصول فقط على المنحة المالية، وحذر بالتالي من أن تجلب المنحة نتائج عكسية، مثل "تكدس المحاكم بدعاوى طلاق".
واللافت أن مصلحة الأحوال المدنية واكبت حملة التسجيل في منظومة صندوق الزواج، في أشهرها الأولى، وأكدت تسجيل 118 عقد قران جديد لفتيات من مواليد عام 2006، و25 عقد قران لفتيات من مواليد عام 2007، وأن عدد القاصرات اللواتي عقدن قرانهن بلغ 940 حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
لكن ذلك لم يكن كافياً، بحسب الأوجلي، الذي يعتبر أن "مرور نحو عام على بدء توزيع المنحة على الشباب من دون أن تكشف الحكومة إحصاءات رسمية تؤكد ارتفاع عدد الزيجات، يوحي بأن الحكومة كانت تسعى منذ البداية إلى حشد دعاية شعبية لها من خلال المشاريع والقرارات، وهو ما تواصل فعله حالياً عبر إعلان تسجيل شبان جدد وتسليم صكوك دون الحديث عن تأثيرات المبادرة".
فعلياً، لم تعلن الحكومة عن عدد المستفيدين من المنحة، لكنها تحدثت في فبراير/ شباط الماضي، عن صرف أموال جديدة للمشروع، مرجحة تجاوز عدد المستفيدين 100 ألف شابة وشاب. لكن الأوجلي يشكك في هذا الرقم الذي "قد يشير إلى كارثة، باعتبار أن جزءاً كبيراً من الشبان يعانون من أزمة سكن، وأن تداعيات هذا القرار غير المدروس ستنفجر قريباً".
ويشير الأوجلي إلى أن "الحكومة يجب أن تستعد لمواكبة الزيجات الجديدة عبر حل أزمة السكن، وتوفير البيئة الاجتماعية المناسبة لتحصين الزيجات الجديدة"، ويسأل: "في ظل هذه الظروف الاقتصادية الخانقة كيف يمكن لمثل هذه الزيجات الجديدة أن تستمر؟".
وتناقلت منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع تدوينة نشرتها المحامية هنية الوافي، على "فيسبوك"، وأشارت فيها إلى أن محكمة في مدينة سبها (جنوب)، سجلت 15 حالة طلاق في يوم واحد، بعضها قبل الدخول.
ورغم أن لا علاقة مباشرة بين تزايد ظاهرة الطلاق ومنحة الزواج، يرى الأوجلي أن "السلطات يجب أن تلتفت للظاهرة، وتعيد النظر في مبادرة منحة الزواج وتوقفها حتى درس أسباب تزايد حالات الطلاق".
ويلفت صاحب صالة أفراح في العاصمة طرابلس يدعى أمجد القهواجي إلى أن مواسم الأفراح في البلاد تحصل عادة في فصل الصيف، ويقول لـ"العربي الجديد": "مظاهر الأفراح كما هي، ولم يلاحظ الشارع أي تزايد في عددها مرتبط بتسهيل الحكومة الزواج عبر هذه المنح التي لا أعتقد بأن حجمها يساعد الشباب في تجاوز كل العراقيل التي تقف أمام زواجهم".
أما عمار بن صالح، وهو شاب من منطقة القربولي، شرق طرابلس، فيتحدث لـ"العربي الجديد" عن تأخر تسليمه صك المنحة، رغم مرور 7 أشهر على تسجيله في المنظومة الإلكترونية، وتوفيره كل الوثائق المطلوبة، ويقول: "في كل مرة أراجع فيها فرع الصندوق في منطقتنا، يأتيني الرد بأن البنك المركزي لم يوفر بعد المخصصات المالية".
أيضاً، يقول إبراهيم النوصيري، من حي الأندلس بطرابلس، الذي زوج ابنته أخيراً، لـ"العربي الجديد": "يفرض الوضع أن نفكر في تزويج الشبان بمجهودنا، ثم يمكن أن تستفيد ابنتي وزوجها من المنحة عند صرفها، ولو تأخرت".
ويؤكد عضو هيئة التنسيق لمشروع الصندوق هيثم أبوستين صحة شكاوى المسجلين في منظومة صندوق الزواج من التأخر في صرف الصكوك، ويقول لـ"العربي الجديد": "جعلت فوضى الإجراءات والبيروقراطية العالية المنحة بلا فائدة، ولم تحدث أي فرق في حل الصعوبات التي تواجه زواج الشبان والشابات، واستمرار السلطات في إعلان صرف مزيد من المبالغ لدعم الصندوق بلا تحديد حجم المستفيدين بمثابة إقرار ضمني بفشل المبادرة".