في 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت وزارة الصحة السودانية، أن طفلاً يبلغ عمره 4 سنوات من ولاية غرب دارفور تأكدت إصابته بشلل الأطفال من النوع الثاني.
وللسودان تاريخ طويل مع مرض شلل الأطفال المنتشر في العديد من الدول الأفريقية، لكن في عام 2009، أعلنت السلطات الصحية خلو البلاد من المرض بعد جهود تطعيم مكثفة وحملات توعية وإرشاد استمرت لسنوات بجهود محلية ودولية أشرفت عليها بشكل مباشر منظمتا الصحة العالمية و"يونيسف".
في عام 2020، اكتشفت 58 إصابة مصدرها دول جوار السودان، وترافق ذلك مع الانتشار العالمي لفيروس كورونا. ورغم المعوقات، تمكن السودان من تطعيم 8 ملايين طفل دون سن الخامسة ضد شلل الأطفال، وفي يناير/ كانون الثاني 2021، أعلنت منظمة الصحة العالمية مجدداً خلو السودان من المرض عقب تأكدها من نجاح حملات التطعيم.
وتقول وزارة الصحة السودانية إن "وجود طفل واحد مصاب يعرض عشرات الأطفال في جميع أنحاء البلاد للخطر بالنظر إلى الحركة السكانية المستمرة، سواء داخل البلاد أو عبر الحدود، فضلاً عن تفشي شلل الأطفال في عدة بلدان مجاورة، وانخفاض المناعة ضد النوع الثاني منه محلياً، ووجود مخاطر عالية لانتقال العدوى"، مؤكدة على "أهمية تعزيز أنظمة التطعيم الروتينية، ودعم الأنشطة التكميلية لحماية الأطفال من الأمراض التي يمكن الوقاية منها عبر اللقاحات".
وقررت الوزارة إعلان السودان "منطقة وباء" بالنسبة لشلل الأطفال وفقاً للوائح الصحية الدولية، كما أعلنت بدء حملة تلقيح تعويضية بالتعاون مع منظمات دولية ضد شلل الأطفال والحمى الصفراء، على أن تستهدف الحملة أكثر من مليون طفل، وتغطي ولايات دارفور، وغرب السودان، وسنار، وجنوب شرق، فضلاً عن العمل على تلقيح كل الأطفال والمواليد الذين فاتتهم جرعة اللقاح الروتيني.
يسترجع مدير إدارة التحصين في وزارة الصحة السودانية، الطبيب إسماعيل العدني، في حديث مع "العربي الجديد"، تاريخ مرض شلل الأطفال في البلاد، قائلاً إنه "منذ عام 2001، ظل السودان خالياً من مرض شلل الأطفال المستوطن، لكن في المقابل ظل عرضة للإصابات الوافدة. في 2004، اكتشفت 158 حالة وافدة، وتمت محاصرتها جميعاً، وفي 2005، ظهرت 4 إصابات في ولايتي الخرطوم وبورتسودان، وفي 2009، أُعلن السودان مجدداً خالياً من المرض، وتواصل ذلك حتى ظهوره من جديد في 2020، حينها سجلت 58 إصابة وافدة عبر الحدود، وقابلتها السلطات الصحية بالتنسيق مع الشركاء الدوليين بأنشطة وقائية متعددة، ما أبقى البلاد على وضعها كدولة خالية من المرض".
يضيف العدني: "الإصابة الجديدة المسجلة هي لطفل قادم من نيجيريا عبر الحدود مع تشاد، والسودان سيظل مصنفاً كدولة خالية من المرض لمدة 6 أشهر لاحقة، وبعد ذلك يُنظر إلى ما قام به من إجراءات للمكافحة والوقاية لتثبيت التصنيف أو تغييره. وزارة الصحة عقدت بمجرد اكتشاف الحالة اجتماعاً موسعاً مع الشركاء الدوليين، وأبلغتهم بتفاصيل الإصابة الجديدة كجزء من خطط الاستجابة السريعة، والتي تعقبها مراحل أخرى، من بينها زيادة نسب التطعيم الروتينية للأطفال تحت سن 5 سنوات، ومراجعة التقصي النشط عبر أخذ عينات من أشخاص أصحاء من أقارب المصاب الأخير، وعينات من مصادر المياه".
واستطرد أن "الوزارة نفذت حملة تطعيم جديدة استهدفت أكثر من مليون و400 ألف طفل، وهى حملة كانت معدة سلفاً، لكن تم تقديم موعدها بعد اكتشاف الإصابة الأخيرة، وبدأت الحملة يوم 29 ديسمبر الماضي، وشملت 7 ولايات، وستعقبها حملة ثانية تشمل جميع ولايات البلاد الـ18، وتستهدف نحو 9 ملايين طفل دون سن الخامسة، وتلك الحملات تأتي بالتنسيق والتزامن مع حملات مماثلة في الجارة تشاد".
ويضيف أن "الصعوبة الوحيدة القائمة التي تواجه حملات التطعيم ضد شلل الأطفال هى عدم توفر الاستقرار الأمني في بعض المناطق، ومن ذلك ما جرى خلال الأسابيع الماضية بمدينة زالنجي بولاية وسط دارفور، والتي لم تشملها حملة التطعيم بسبب الأوضاع الأمنية".
وحول مطالبة البعض بإغلاق الحدود مع بعض الدول التي يتفشى فيها شلل الأطفال، يؤكد مدير إدارة التحصين أن "وزارة الصحة عقدت اجتماعاً تنسيقياً مع عدد من دول الجوار، من بينها تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطي ومصر وإثيوبيا، وتم تبادل المعلومات وتنسيق الإجراءات المناسبة المطلوبة. إغلاق الحدود ليس حلاً عملياً لأن الشخص الذي يجتاز الحدود حاملاً الفيروس غالباً ما يكون قد تجاوز مرحلة العدوى، كما أنه ليس ثمة علاقة بين انتشار المرض وترويج إمكانية انهيار النظام الصحي، فشلل الأطفال مرض لا علاج له، والطريقة الوحيدة لمكافحته هى التطعيم، واللقاح متوفر، ويصل إلى الجميع، حتى في المناطق النائية، عبر مراكز التطعيم الثابتة والمتحركة المنتشرة في كل مكان".
بدوره، يشيد الطبيب هيثم مكاوي بجهود وزارة الصحة وشركائها الدوليين في مكافحة الأوبئة، ومنها شلل الأطفال، كما يشيد بدور المشتغلين في حملات التطعيم الذين ينقلون اللقاح إلى بعض المناطق على ظهور الدواب، لكنه شدد على ضرورة تجهيز التقارير الوبائية الدورية، وحذر من مخاطر عدم توفر الأجهزة والمستلزمات الطبية، والرواتب الضعيفة للكوادر الطبية، والتي تؤدي إلى الهجرة المستمرة للأطباء والمختصين، خاصة في مجال مكافحة الوبائيات.
ويضيف مكاوي لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الصحي السوداني كان متردياً في السابق، وزاد تراجعه خطوره بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لأن السلطة الانقلابية لا تعطي أي أولوية للقطاع الصحي"، كما انتقد الحملات الإعلامية الخاصة بالتوعية بمخاطر شلل الأطفال، مشيراً إلى أن "تلك الحملات لا تصل إلى الشرائح المستهدفة التي تهددها حالات شلل الأطفال القادمة من دول الجوار، وينبغي استخدام الأدوات المحلية في التوعية والإرشاد في تلك المناطق، فضلاً عن أهمية إقامة مراكز للعزل على الحدود بتمويل من الشركاء الدوليين".
وحسب منظمة الصحة العالمية، يضرب المرض الجهاز العصبي، وهو كفيل بإحداث شلل تام في غضون ساعات، كما أنه مرض شديد العدوى، ويمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق التلوث بالبراز، أو تناول طعام أو شراب ملوث بالفيروس، كما يمكن أن ينقله الذباب والرذاذ المتطاير عبر السعال، ومن أشهر أعراضه الحمى، والتهاب الحلق، والإسهال، وآلام العضلات.