طلب الرزق وسط ركام غزة

طلب الرزق وسط ركام غزة

22 يوليو 2021
لا بدّ له من الاستفادة من أيّ فرصة متاحة (محمد الحجار)
+ الخط -

 

يحلّ عيد الأضحى على الغزيين هذا العام، بعد أكثر من شهرَين على العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف القطاع المحاصر وخلّف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وغيرها. وقبيل العيد، رأى سكان حيّ الرمال وسط مدينة غزة أنفسهم وقد أقاموا بسطات بالقرب من المباني المدمّرة، إذ لا بدّ لهم من تأمين رزقهم. وكان الحيّ قد تحوّل إلى ركام، حتى سوقه الذي يُعَدّ من أكثر الأسواق حيوية، إذ يضمّ مئات المحلات التجارية والمنشآت، دمّره الاحتلال. وهؤلاء الفلسطينيون أرادوا تجاوز ما أصابهم في مايو/ أيار الماضي والاحتفال بالعيد والشعور ببهجة ما، ففي العيد الماضي، عيد الفطر، كان القصف الإسرائيلي هو سيّد الموقف فحرمهم كما سواهم من أبناء غزة من العيد.

سمير الحداد واحد من الذين دُمّرت محالهم في العدوان، وهو من أوائل المبادرين، إذ أقام بسطة أمام ركام برج الشروق وسط شارع عمر المختار في سوق الرمال. هو كان يملك محلاً لبيع الإكسسوارات الخاصة بالنساء، وقد تلقّى في البداية تعليقات سلبية وغير محفّزة، إذ رأى أصدقاء له أنّه من غير اللائق به أن يقوم بذلك. لكنّ الزبائن راحوا يقبلون على ما يعرضه من سلع.

الصورة
باعة فلسطينيون وسط ركام غزة 2 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

وبعد إزالة ردم برج الشروق ومباني أخرى مجاورة دمّرتها المقاتلات الإسرائيلية، توفّرت مساحة كبيرة مفتوحة وضع فيها غزيون بسطاتهم التي صارت مقصداً للمتسوقين. يقول الحداد لـ"العربي الجديد": "كنت آمل أن يكون موسم عيد الفطر مزدهراً، لا سيّما مع تقليص الإجراءات المتخذة لمكافحة فيروس كورونا الجديد في أواخر شهر رمضان. لكنّ العدوان قضى على تلك الآمال ودمّر كلّ شيء، فيما تراكمت عليّ ديون كثيرة لتجّار اشتريت منهم بضائع تضرر ثلثاها في القصف". يضيف الحداد: "قرّرت في موسم العيد هذا العمل عبر وضع بسطة على عربة متنقلة بالقرب من الدمار، حتى لا تصادر شرطة البلدية عربتي. وقد شجّع ذلك عشرات الباعة على وضع بسطات لهم بجواري"، ولا يخفي أنّه ينتظر "التعويض الذي يغطي دمار المحلّ حتى أسدّد ديوني".

الصورة
باعة فلسطينيون وسط ركام غزة 3 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

لكلّ واحد من الباعة في المكان قصّته، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الغزيون بعد تشديد الحصار الإسرائيلي عليهم بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، فهم وكذلك التجّار يعانون لتأمين البضائع والحاجيات الأساسية التي تُستورد من خارج قطاع غزة. فمنذ أكثر من شهرَين، لم تسمح سلطات الاحتلال بإدخال البضائع إليه إلا قبل أسبوع من عيد الأضحى، بذلك فإنّ البضائع المعروضة قديمة بمعظمها كما يشير الباعة.

الصورة
باعة فلسطينيون وسط ركام غزة 4 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

بالقرب من بسطة الحداد، وضع مصطفى عطايا بسطته لبيع ملابس خاصة بالشباب بأسعار تكاد تكون رمزية. وقد استطاع بيع كثير من تلك الملابس، إذ أتى الإقبال عليها كبيراً. ولا يخفي عطايا أنّه اشترى ملابس من ثلاثة تجّار خسروا فيها لأنّهم تعرّضوا إلى الإفلاس، علماً أنّ محل أحدهم دُمّر في حيّ الرمال. يضيف عطايا لـ"العربي الجديد" أنّه سُرّح من عمله في أحد مصانع المنتجات الغذائية في المنطقة الصناعية شرقي مدينة غزة بعد العدوان الأخير، وسط أزمة إغلاق المعابر. وهو لا يعلم متى يستطيع الالتحاق بعمله من جديد. ويشير عطايا إلى أنّ "أحداً لا يتوقّع أن يأتي في يوم ليبحث عن رزقه بالقرب من الركام"، مستذكراً أنّه عرف موقفاً مشابهاً بعض الشيء "عندما كنت أبيع ذات مرة المشروبات الباردة على الحدود الشرقية في عام 2018 في خلال مسيرات العودة". ويتابع: "نحن اعتدنا على البحث عن رزقنا في أماكن خطرة وأخرى غير لائقة بنظر كثيرين".

الصورة
باعة فلسطينيون وسط ركام غزة 5 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

وقد أحضر عطايا شقيقه فهد البالغ من العمر 15 عاماً ليبيع بالقرب منه إكسسوارات وألعاب أطفال، فيساعده في تأمين احتياجات المنزل. هو أراد شراء ملابس العيد لأشقائه الآخرين، إذ شعر بالأسى عندما حرم العدوان أشقاءه الصغار من الاحتفال بعيد الفطر. بالنسبة إليه، فإنّ "بهجة عيد الأضحى تأتي لتعوّض ما فوّته الناس في عيد الفطر الماضي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، عرض رائد حجاج ملابس أطفال في المكان نفسه، بعدما تعرّض إلى خسائر كبيرة إذ لم تُبَع البضائع التي كان يعرضها على بسطته في حيّ الشجاعية. ويقول لـ"العربي الجديد": "لذا أحاول اليوم تعويض الخسارة من خلال البيع هنا". وكما عطايا، اصطحب حجاج شقيقاً له ليساعده في البيع قبل أيام قليلة من عيد الأضحى. وهكذا راح يقضي وقته كله بالقرب من بسطته، فلا يعود إلى منزله إلى لساعات معدودة يستحمّ في خلالها ويبدّل ملابسه. ويخبر حجاج "العربي الجديد": "أعيش في منزل مستأجر ولديّ طفلة مريضة. وأنا أبيع الملابس على بسطة في سوق الشجاعية منذ 12 عاماً، بالتالي لا أملك خبرة أو صنعة أخرى أوفّر من خلالهما رزقي".

المساهمون