صدرت نتائج امتحانات الشهادة الإعدادية في سورية للعام الحالي، وقبلها نتائج امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا)، وحلّ طلاب في محافظتي اللاذقية وطرطوس اللتين تمثلان الثقل الأساسي للحاضنة الموالية للنظام في الصدارة، ما أثار تساؤلات حول وجود شبهات فساد في العملية التعليمية في البلاد التي يقول متخصصون إنّها في تدهور مستمر.
وتصدّرت طرطوس قائمة المحافظات السورية لناحية عدد الطلاب الحاصلين على العلامة التامة، بمجموع بلغ 48 طالباً وطالبة، علماً أن سكان المحافظة يقلّ عددهم عن مليون نسمة من أصل نحو 11 مليون نسمة يعيشون في مناطق سيطرة النظام السوري، بالإضافة إلى أربعة ملايين في الشمال السوري تحت سيطرة المعارضة، و3 ملايين شرقي البلاد تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ونحو 6 ملايين مهجرين خارج البلاد. والكثير ممن يقيمون في مناطق قسد ومناطق المعارضة اختاروا تقديم امتحاناتهم ضمن مناطق سيطرة النظام.
وبحسب النتائج الرسمية، بلغ عدد التلاميذ الذين حصلوا على العلامة التامة (3100 درجة) في شهادة التعليم الأساسي 162 تلميذاً وتلميذة هم 24 في دمشق، و32 في ريف دمشق، وواحد في القنيطرة، و2 في درعا، و4 في السويداء، و5 في حمص، و6 في حماة، و13 في حلب، و22 في اللاذقية، و48 في طرطوس، و2 في دير الزور، و2 في الحسكة، وواحد في الرقة.
ويوضح التربوي عدنان المحسن لـ "العربي الجديد"، أن "حصول هذا العدد من الطلاب في محافظة طرطوس على العلامة التامة لا علاقة له بتحسن في جودة التعليم. قبل عام 2011، لم تكن أعداد الحاصلين على العلامة التامة تتجاوز في أفضل الأحوال 80 طالباً وطالبة، وهو رقم طبيعي في وضع كانت فيه المدارس شبه مستقرة في جميع المحافظات السورية، بالإضافة إلى أن عدد الطلاب حينها كان أكبر بكثير من عددهم اليوم".
يتابع المحسن: "في الوقت الحالي، هذه النتائج ليست طبيعية، وتتجاوز الحدّ المتعارف عليه، الأمر الذي يؤكد وجود فساد في سير الامتحانات بالدرجة الأولى، ومن غير الممكن أن يتجاوز عدد الطلاب الحاصلين على العلامة التامة في طرطوس عدد الحاصلين على العلامة التامة في محافظتي دمشق وحلب اللتين يكون عدد الطلاب فيهما أكبر بالنظر إلى الفارق في عدد السكان (نحو 7 ملايين في المحافظتين). بلغ عدد الحاصلين على العلامة التامة في دمشق، وفق وزارة التربية التابعة للنظام، 24 طالباً وطالبة و22 في حلب".
ويقول: "ابتعدت عن العملية التعليمية منذ عامين تقريباً، لكني شهدت في السابق عمليات فساد من قبل مراقبين في قاعات الامتحانات، وقد تفاقمت هذه الحالات خلال السنوات الماضية، الأمر الذي سهّل حصول هذا العدد من الطلاب على العلامة التامة".
من جهته، يقول أستاذ اللغة العربية، محمد المصطفى، لـ "العربي الجديد" إن "هناك نوعاً من الفرز للمدرسين على مستوى الولاء للنظام بحسب المناطق، وهذا بدوره سمح بوجود عدد كبير من الطلاب الحاصلين على العلامة التامة في شهادة التعليم الأساسي". يضيف: "لم أشهد حصول عدد كبير كهذا على العلامة التامة طوال فترة عملي في التعليم ضمن محافظة حمص ما بين عامي 2001 و2012. لم يعد هناك اهتمام بجودة التعليم من قبل النظام ولا حتى المدرسين في مناطقه، والأسباب كثيرة، ومنها اعتماد النظام على المدرسين الموالين له".
يضيف المصطفى: "لا يمكن لوم الطالب الذي حصل على العلامة التامة، لكن يجب لوم المدرسين المتورطين في عمليات الفساد التي تتيح لهؤلاء الطلاب الحصول على هذه العلامات، كون الطالب سينتقل إلى مرحلة دراسية أعلى وقد يصطدم بهذه المرحلة في حال كان هناك التزام بمعايير التعليم من قبل المدرسين. هناك فساد في العملية التعليمية وعدم ضبط لعمليات تقديم الامتحانات، بالإضافة إلى تفشي الرشوة في هذا القطاع".
ويرى المدرس أحمد عبد السلام، المقيم في مدينة القامشلي، أن نسب الطلاب الحاصلين على العلامات التامة لا تعكس الواقع، موضحاً لـ "العربي الجديد" أن "هناك استهتاراً من قبل المدرسين في العملية التعليمية بالدرجة الأولى بالإضافة إلى عمليات فساد، منها تسريب أسئلة الامتحانات والفساد أيضاً في عمليات الرقابة، وهذا يؤثر بدوره على جيل كامل من الطلاب. عند صدور نتائج امتحانات الشهادة الثانوية العامة، لاحظنا أن 12 طالباً من مدرسة واحدة حصلوا على العلامة التامة وذلك في مدرسة واحدة ضمن اللاذقية، وهي مدرسة الكميت بليدي للمتفوقين. وهنا حتى نكون واقعيين، قد يكون الطلاب مجتهدين، لكن الأمر المثير للشك أن هذا العدد يفوق عدد الطلاب في محافظات بأكملها، لنعود إلى دائرة الشك في إجراء العملية الامتحانية والتي نؤكد أنها لا تجرى برقابة نزيهة للطلاب". ويوضح أن "الفساد المستشري في قطاع التعليم وإقصاء المدرسين ذوي الكفاءة والخبرة، واعتماد معايير في مقدمتها الانتماء لحزب البعث بالنسبة للمدرسين، هي من أسباب تفشي الفساد في هذا القطاع، وهو أيضاً غير مهم بالنسبة للنظام".
بدوره، يلفت الموجه التربوي السابق عدنان الأحمد لـ "العربي الجديد"، إلى أن "هناك اتجاهاً متنامياً في أوساط النظام السوري، يعتبر أن من دافع عن البلد في وجه الإرهاب، وقدم التضحيات، هو الأحق بخيرات هذا البلد، وينطبق هذا على كل المجالات الخدماتية والتعليمية والوظائف العامة. وكثيراً ما تعلو أصوات لدى الحواضن الموالية، ويعبر عنها صراحة في مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بحرمان أبناء مناطق المعارضة من الخدمات أو الوظائف، وضرورة حصرها أو تركيزها في مناطق المدافعين عن النظام. من هنا، يصبح طبيعياً لدى هؤلاء أن يحوز أبناء المناطق الموالية على درجات أكبر في التعليم، فضلاً عن أن غالبية أولياء الطلاب هناك هم من المتنفذين وضباط الجيش والأمن ممن يستطيعون التأثير على العملية التعليمية، وقد تسرب إليهم الأسئلة قبل الامتحانات".