يُفضّل كثير من التونسيين مشاهدة مباريات كُرة القدم في المقاهي والساحات العمومية على المتابعة عبر أجهزة التلفاز في المنازل، إذ تطغى الحماسة في الأجواء المفتوحة، ومنذ فترة، استعدت المقاهي في جميع مناطق البلاد لعرض مباريات مونديال قطر 2022، ولا سيما أنّ المنتخب التونسي ضمن الفرق المشاركة.
وعادة ما تُخصص المقاهي، الراقية والشعبية على حد سواء، شاشات كبيرة لتستقبل أكبر عدد من المشجعين، بالتزامن مع تزايد الإقبال على مشاهدة مباريات أشهر الفرق العالمية، كما رفعت غالبية المقاهي العلم التونسي وأعلام بقية الفرق المشاركة في المونديال.
يقول نور الدين العلوي: "زوجتي لا تُحب متابعة كرة القدم، ولا تتحمس للمشاهدة، حتى في مباريات المنتخب التونسي، لذا لا أجد متعة كبيرة في مشاهدة المباريات داخل البيت، وقد اعتدت مشاهدة المباريات المهمة في المقهى مع أصدقائي، ورغم أن بعض مباريات المونديال ستجرى خلال فترة دوام العمل، إلا أن العديد منها ستجري بعد انتهائه، وساكون قادراً على مشاهدتها".
ويؤكد بشير النفزي، وهو صاحب مقهى، أنّه خصص شاشة كبيرة في داخل المقهى الذي يشهد حالياً توافد عشرات المشجعين لمتابعة المباريات المختلفة، كما زاد عدد الطاولات والمقاعد إلى الضعف تقريباً على الرّغم من ضيق المكان، ويضيف أن "غالبية المشجعين يشاهدون المباريات في المقاهى، حتى أنّ الطاولات تنتشر على جانبي الطريق، وتشهد غالبية المقاهي اكتظاظاً من المارة الذين يشاهدون المباريات وقوفاً، وقد انتهيت من تزيين المقهى بالأعلام المختلفة قبل أيام من انطلاق البطولة، فالجماهير التونسية تشجع العديد من المنتخبات مع المنتخب الوطني". ويشير الطالب سيف الدين إلى أنّه سيشاهد غالبية المباريات في المقهى مع الأصحاب، وخصوصاً أنّ أغلبها ستُعرض في قنوات تمتلك حقوق البث المدفوع، وهو لا يملك اشتراكاً في أي من تلك القنوات، ويقول: "في المقهى تحلو الفرجة أكثر، والحماسة فيه أفضل من أي مكان آخر، ولا يمكن مقارنة المتابعة في المقهى وسط الجمهور مع المتابعة في البيت وحيداً. سأتابع أغلب المباريات حتى وإن تزامنت مواعيدها أحياناً مع ساعات الدروس، وغالباً سيتكرر الأمر ذاته مع بقية أصحابي، فمونديال كأس العالم له متعة خاصة ننتظرها كلّ أربع سنوات، ولا يمكن تفويت المباريات لأي سبب، وعادة ما نتنافس على توقع نتيجة المباراة للتسلية، وحتى توقع أي اللاعبين سيحرز الأهداف".
أجواء المقهى أفضل
ويدفع شغف كرة القدم العديد من المشجعين إلى حجز مقاعدهم في المقاهي عبر الهاتف قبل ساعات من موعد المباراة التي يرغبون في متابعتها، والبعض الآخر يقصد المقهى قبل موعد المباراة بوقت كاف حتى يجد مقعداً، فالتأخير قد يؤدي إلى فقدان المقعد الذي قمت بحجزه مسبقاً.
يقول محمد بن إبراهيم، وهو صاحب شركة توزيع منتجات غذائية، إنّه يقصد المقهى يومياً بعد العمل ليقابل الأصحاب قبل العودة إلى المنزل، وإنه سيشاهد أغلب المباريات في المقهى ذاته، والذي يشهد اكتظاظاً كبيراً خلال أيام البطولات الكبرى، لذا فإنه يضطر للتوجه إلى المقهى قبل ساعة من موعد المباراة لحجز طاولة خاصة لرفاقه، ويحاول دوماً أن تكون الأقرب إلى الشاشة، مضيفاً أنه لا يشاهد فقط مباريات المنتخب التونسي، بل يتابع أغلب مباريات المونديال، وخاصة تلك التي تخوضها منتخبات أميركا الجنوبية، وبعض منتخبات أوروبا.
يتجمع العشرات أمام المقاهي التي تعرض المباريات قبل الموعد المحدد لها، وفي أيام مباريات المنتخب الوطني، ينظمون أنفسهم ويرددون الهتافات الخاصة بالفريق، ومنها "جيبوها يا لولاد"، و"تونسي يا تونسي معاك ربي والنبي" وغيرهما.
وعادة ما تتنافس شركات الاتصالات على إنتاج أغنيات جديدة لتشجيع للمنتخب مع كل بطولة يشارك فيها، فيرددها المشجعون محدثين صخباً في الشوارع الرئيسية، وتشهد أغلب الطرق الحيوية اكتظاظاً كبيراً لحركة السير، كما يزين بعض المشجعين سياراتهم بأعلام تونس، ويتنقلون في الطرق يوم مباراة المنتخب مرددين الهتافات، وعادة ما ينزل الآلاف إلى الشوارع عقب فوز فريقهم للاحتفال.
التشجيع العائلي
ويجد البعض الآخر متعة المشاهدة مع الأهل والأقارب في البيت في أجواء عائلية، خصوصاً مباريات المنتخب التونسي.
تؤكد طالبة الماجستير راقية الكريفي أنّها مغرمة بكرة القدم، وأنها تشاهد أغلب المباريات في المنزل مع الأهل، وتقول: "جميع أفراد الأسرة يتابعون مباريات المنتخب الوطني، كما نشاهد أيضاً العديد من مباريات الفرق الأخرى، خصوصاً المنتخبات العربية، ونتنافس في ما بيننا على من يفوز، فكل منا يشجع فرقاً مختلفة. اشترينا جميعاً قميص المنتخب، ويحلو ارتداؤه خلال المباريات، وخلال الاحتفال بفوز المنتخب، كما نلبسه في الأيام العادية، ونتمنى أن يحقق منتخبنا نتائج مشرفة".
الأمر نفسه يتكرر مع فاطمة بن أحمد، وهي ربة بيت، فرغم عدم متابعتها الدائمة لكرة القدم، إلّا أنها تتابع مباريات المنتخب التونسي، وهي تشاهد المباريات في المنزل مع زوجها وأبنائها، وبعضهم سيضطرون إلى التغيب عن الدراسة، وزوجها يحاول ترتيب مواعيد العمل لمتابعة مباريات المنتخب، خصوصاً المباراة أمام الدنمارك التي ينتظرونها بفارغ الصبر، وتقول: "لا أعرف أسماء لاعبي الفريق المنافس، ولا قدراته الفنية، كلّ ما أعرفه هو ضرورة تشجيع المنتخب، وأتمنى له الفوز في المباريات".
في الساحات
ويفضل مشجعون آخرون مشاهدة المباريات في الساحات العامة، أو قُرب القاعات الرياضية، حيث تخصص البلديات شاشات للمشاهدة، فيجتمع الأصدقاء والأقارب للمتابعة في الهواء الطلق. ويقول سامي الفرحاني إنّ المشاهدة في الساحات تكون أكثر متعة من المقاهي، لأنها تضم عدداً أكبر من الجماهير، ما يجعل الأجواء مشابهة قليلاً لأجواء الملاعب، ويضيف: "حتى الآن لم أر شاشة في أي ساحة عامة، ولهذا السبب قد أضطر إلى مشاهدة المباريات في المقهى القريب من مقر عملي، حتى لا أضطر إلى التغيب عن العمل، وخصوصاً مباريات المنتخب التونسي".
يشارك منتخب تونس في المجموعة الرابعة الصعبة في مونديال قطر 2022، والتي تضم فرنسا والدنمارك وأستراليا، وللفريق تاريخ جيد مع بطولات كأس العالم، إذ تعد هذه المشاركة السادسة له بعد المشاركة سابقاً في مونديالات 1978، و1998، و2002، و2006، و2018، لكن في تلك المشاركات الخمس لم يتخط الفريق الدور الأول، كما لم يفز سوى بمباراتين فقط من أصل 15 مباراة لعبها، رغم أنه ضم على مدار تاريخه عدداً من الأساطير الكروية.
الأولوية لقميص المنتخب
انتعش بيع ملابس المنتخب التونسي، فالعديد من الأشخاص يُفضلون ارتداء قميص المنتخب خلال تشجيعه في المباريات. يقول خالد سعيداني، وهو صاحب محل لبيع أزياء المنتخبات، إنّه باع خلال الأسبوعين الماضيين قرابة 600 قميص للمنتخب التونسي، وإنه "خلال المونديال لا نرى قمصان الترجي أو الأفريقي أو النجم أو غيرها من الأندية المحلية، فالكل يشجّع المنتخب الوطني. لذا تنتعش تجارتنا، ونبيع يومياً قمصاناً من جميع المقاسات والألوان".