"طعون إنسانية" جديدة في خطة الهجرة البريطانية

27 مارس 2023
من تظاهرة سابقة تنديداً بسياسة بريطانيا تجاه الهجرة وطالبي اللجوء (مارك كاريزون/ Getty)
+ الخط -

يبدأ مجلس العموم البريطاني، اليوم الاثنين، في بحث تفاصيل مشروع القانون الجديد الخاص بالهجرة، والذي أعلن عنه قبل أسبوعين رئيس الوزراء ريشي سوناك، ووزيرة الداخلية سويلا برافرمان، والذي أثار حملة انتقادات واسعة.

ومن المتوقّع أن يستغرق مجلس العموم يومَين لدراسة التشريع الجديد قبل التصويت عليه أو ضدّه. لكنّه من المتوقّع كذلك، وفقاً للمعطيات المتوفّرة، ألا يحظى بالعدد الكافي من الأصوات، وأن يواجه عقبات قانونية و"أخلاقية" عديدة، قبل أن تتمكّن الحكومة من تطبيقه.

وسوف يُصار، وفقاً للخطة الجديدة، إلى احتجاز كلّ طالبي اللجوء الوافدين إلى شواطئ المملكة المتحدة بطرق غير نظامية، ثمّ ترحيلهم "على الفور" إلى بلدانهم الأصلية في حال كانت "آمنة"، أو إلى بلد ثالث "آمن" مثل رواندا.

ويبدو لافتاً إصرار الحكومة البريطانية، ممثّلة في رئيسها وفي وزيرة داخليتها، على المضيّ قدماً في الخطة الجديدة، على الرغم من كلّ الانتقادات التي طاولتها من صفوف "حزب المحافظين" ومن ناخبيهم ومن المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.

وكانت الرئيسة التنفيذية الجديدة لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تيرانا حسن، آخر المعلّقين سلباً على مشروع القانون الجديد، وقد رأت في لقاء مع صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أنّه "يقوّض تماماً مكانة المملكة المتحدة على المسرح العالمي"، واصفة سياسة الحكومة المتعلقة بالهجرة بـ"الرخيصة والمثيرة للانقسام والمخالفة لحقوق الإنسان".

أمّا الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الأقرب لبريطانيا، فوصفت الأسبوع الماضي أوضاع اللاجئين في مراكز الاحتجاز في رواندا بـ"القاسية والتي تمثّل تهديداً للحياة".

وقد جاء التقرير السنوي لحقوق الإنسان الذي نشرته وزارة الخارجية الأميركية، يوم الاثنين الماضي، بالتزامن مع زيارة برافرمان للبلد الأفريقي من أجل بحث تفاصيل الخطة مع المسؤولين في كيغالي.

ومع أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تدلِ بأيّ تصريحات نقدية مباشرة، فإنّ التفاصيل الواردة في تقريرها كفيلة بإسقاط أيّ شرعية عن مشروع القانون الجديد. فالتقرير الأميركي يفيد بأنّ سجل رواندا في مجال حقوق الإنسان أسود، يفيض باستخدام السلطات العنف لأغراض انتقامية سياسية، بالإضافة إلى الاختطاف والتعذيب وملاحقة الصحافيين واعتقالهم واستجوابهم، وأحياناً قتلهم، من دون محاسبة المسؤولين عن ذلك أو التحقيق معهم.

في سياق متصل، نشرت منظمة "ريفوجي آكشن" تحقيقاً صادماً قبل يومَين، رصدت فيه الأوضاع المأساوية التي يعيشها طالبو اللجوء في مراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية البريطانية. ويرصد التحقيق أوضاع أكثر من 100 شخص في لندن ومانشستر وبيرمينغهام بين منتصف عام 2021 وبداية عام 2023، ويصف نظام إيواء طالبي اللجوء الموزّعين على أكثر من 50 ألف فندق بنظام "الفصل العنصري" الذي يؤدّي إلى ما يشبه الاعتقال.

وجاء في التحقيق أنّ عدداً كبيراً من طالبي اللجوء مُنعوا من الاعتراض على أوضاعهم السيّئة، وقد هدّدهم موظّفو الهجرة بترحيلهم إلى رواندا أو بتحويلهم إلى مراكز الشرطة في حال استمرّوا في الاحتجاج أو النقد. كذلك، مُنع كثيرون من التقاط صور لوجبات الطعام الرديئة التي تُقدَّم لهم من دون مراعاة أوضاعهم الصحية.

وبحسب التحقيق، فإنّ مصاباً بداء السكّري نُقل إلى المستشفى في حالة حرجة، بعد أن دفعه الجوع الشديد إلى ابتلاع ما يقدَّم لهم من طعام، الأمر الذي فاقم مرضه. بالإضافة إلى ذلك، عجزت أمهات كثيرات عن إرضاع أطفالهنّ بسبب سوء التغذية والجوع.

ولخّص التحقيق نفسه أبرز ما يعاني منه طالبو اللجوء في "بلد الحريات"، إذ يشكو كثيرون من سوء المعاملة ومن تسرّب الأطفال من المدارس بسبب المسافات الطويلة التي تفصلهم عن أقرب المدارس إليهم جغرافياً أو بسبب عدم امتلاكهم ثمن الزيّ المدرسي، بالإضافة إلى الاكتظاظ الهائل، وسط تفشّي الأمراض المعدية والآفات التي تسبّبها الرطوبة أو العفن الناجم عنها. وقد وثّق التحقيق انهيار سقف إحدى الغرف بسبب الرطوبة والإهمال، الأمر الذي أدّى إلى نقل طفل وأمه إلى المستشفى.

كذلك، يشكو طالبو اللجوء من الاحتجاز المطوّل أو إلى أجل غير مسمّى، إذ احتُجزت بحسب التحقيق نفسه 40 عائلة من بين 62 عائلة لمدّة تزيد عن ستّة أشهر، فيما احتُجزت عائلة واحدة من بين أربع عائلات لأكثر من عام. ورصد التحقيق الظروف المأساوية لإحدى العائلات المكوّنة من ستّة أفراد والمحتجزة في غرفة واحدة لأكثر من 12 شهراً.

وإلى جانب المسؤولية التي يحمّلها تحقيق المنظمة التي تُعنى بشؤون اللاجئين لوزارة الداخلية، تتحمّل الشركات الخاصة المتعاقدة مع الحكومة المسؤولية أيضاً، إذ إنّها تحقّق أرباحاً طائلة على حساب طالبي اللجوء.

ومن بين القصص المحزنة الأخرى، ذكر التحقيق قصة رجل عاجز على كرسي متحرّك، لم يستطع مغادرة غرفته الواقعة في الطابق الحادي عشر منذ أشهر لأنّ مصعد المبنى معطّل.

وبالنسبة إلى التحقيق، فإنّ مشروع قانون الهجرة الجديد "سوف يضاعف من أزمة اللجوء بدلاً من أن يحلّها"، وبالتالي دعا إلى التخلّص منه وإصلاح نظام الإسكان بدلاً من ذلك، وتمويل السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية بالطريقة الصحيحة. 

وردّاً على ما ورد في تحقيق منظمة "ريفوجي آكشن"، أفادت وزارة الداخلية البريطانية بأنه "لم تصلنا أيّ من تلك الادّعاءات الواردة في التحقيق، والتي تشير إلى دخول المستشفى أو إلى تهديدات بالترحيل أو تقييد الحركة. لكنّه عندما تُثار مخاوف بشأن الخدمة التي تقدّمها الفنادق، فإنّنا نتواصل مع الشركات المكلّفة بتقديم تلك الخدمات لضمان معالجة التقصير في الوقت المناسب".

وفي هذا الإطار، ذكر متحدّث باسم الوزارة، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفنادق ليست سوى حلّ مؤقت، ونحن نعمل مع السلطات المحلية لإيواء الناس في مساكن على المدى الطويل"، نافياً أن يكون طالبو اللجوء قد تعرّضوا لتقييد الحركة، لأنّهم على حدّ تعبيره "أحرار في المجيء والذهاب في أيّ وقت، ولا يتوفّر أيّ دليل على تقييد حرية حركتهم".

المساهمون