طبيب في مواجهة كورونا: مستشفى ميداني في قرية تونسية

06 اغسطس 2021
صارت العيادة-المستشفى مقصداً للمصابين (العربي الجديد)
+ الخط -

على مساحة لا تتجاوز 120 متراً مربعاً تمكّن الطبيب العام جلال بن يوسف في قرية زهانة أوتيك، شمال شرقي تونس، من تجهيز "مستشفى ميداني" لعلاج المصابين بكوفيد-19، وذلك في عيادته الخاصة، مستعيناً بمتطوّعين من أبناء المدينة تمكّنوا من توفير أكثر من 34 مكثّف أوكسجين و18 سريراً.

ومنذ دخول فيروس كورونا الجديد البلاد في مارس/ آذار 2020، صارت عيادة بن يوسف مقصداً للمصابين بالوباء الباحثين عن علاج، نظراً إلى أنّه الطبيب الأقدم في المنطقة. بالتالي، اكتسب اليوم طبيب القرية الساحلية الصغيرة خبرة في التعاطي مع المرض المستجد. وبسبب القدرة المحدودة لدى المستشفيات المحلية القريبة من القرية لاستيعاب المصابين، وسط تزايد أعدادهم، بدأ بن يوسف يستقبل المصابين في العيادة ويجعلهم تحت المراقبة الطبية معتمداً على آلة أوكسجين وضعها أحدهم في تصرّفه بعد تفشّي الفيروس.

يقول بن يوسف، البالغ من العمر 61 عاماً، لـ"العربي الجديد"، إنّه قرّر "تحويل غرف عيادته الثلاث إلى مستشفى صغير مؤقّت، يستقبل المصابين الذين يحتاجون إلى استخدام مكثفات أوكسجين مجاناً"، وذلك "بعد تدهور الوضع الوبائي في المنطقة وصعوبة عثور هؤلاء على أسرّة لهم في مستشفيات القطاع الحكومي". يضيف "في الإمكان إنقاذ الأرواح قبل أن تتفاقم الإصابات من خلال توفير الأوكسجين للمصابين، وهو ما جعلني أفكّر بالمستشفى الميداني المؤقت".

الصورة
الطبيب التونسي جلال بن يوسف (العربي الجديد)
بن يوسف: تمكّنّا من علاج ما يزيد عن 300 مصاب منذ تفشّي الفيروس (العربي الجديد)

ويشير بن يوسف إلى أنّ مبادرته تحوّلت إلى "ما يشبه كرة ثلج في منطقة شبه ريفية. وباتت التبرّعات تتدفّق بأشكال مختلفة، أجهزة أوكسجين ومعدات طبية على أنواعها ومعقّمات وكراس متحركة، الأمر الذي ساهم في زيادة طاقة الاستقبال لتتمكّن العيادة من تقديم العلاج لأكثر من 18 مصاباً". ويؤكد أنّ "كثيرين من المصابين لا يستطيعون استئجار جهاز أوكسجين لقاء مبلغ يراوح ما بين 100 و600 دينار تونسي (نحو 35 - 215 دولاراً أميركياً) في الأسبوع، أو يخشون الذهاب إلى المستشفيات. لكن بفضل تبرّعات السكان، اقترحنا متابعة الحالات الأقلّ خطورة في العيادة وفي بيوت المصابين. وحتى الآن، تمكّنّا من علاج ما يزيد عن 300 مصاب منذ تفشّي الفيروس، علماً أنّ ستة فقط احتاجوا إلى دخول مستشفى بسبب تدهور وضعهم الصحي نتيجة أمراض مزمنة يعانون منها".

الصورة
مستشفى ميداني في قرية في تونس 2 (العربي الجديد)
الحالات الأقلّ خطورة تُتابَع في العيادة (العربي الجديد)

ويؤكد بن يوسف أنّ "التكفّل السريع بالمصابين ومتابعتهم عن كثب قادران على منع تدهور حالاتهم ويساعدان في شفائهم بسرعة"، منوّهاً بـ"الجهود التي بذلها متطوعون وساعدتني في إنجاز مهمتي". ويلفت إلى أنّ "مصاباً سابقاً بكوفيد-19 تكفّل بعد شفائه براتب مساعدة صحية مهمتها الاهتمام بالتعقيم وأعمال النظافة وما إلى ذلك في العيادة-المستشفى". ولا يعلم بن يوسف إلى متى سوف يستمر في العمل بمستشفاه الميداني، لكنّه يقول: "لم أشعر يوماً بالتعب أو بالرغبة في التخلّي عن المصابين، وتشجعني على ذلك النتائج الجيدة وكذلك التضامن الكبير من قبل سكان المنطقة الذي يهبّون إلى نجدتي كلّما طلبت ذلك". وإلى جانب عيادته التي حوّلها إلى مسنشفى ميداني، يستفيد بن يوسف من صفحته على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي لتوجيه الرسائل إلى سكان المنطقة، سواء لطلب المساعدة أو لشكر المتبرعين الذين يساهمون في إنجاح مبادرته.

صحة
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ بن يوسف قضى أكثر من 31 عاماً في قرية زهانة أوتيك التي تضمّ 20 ألف نسمة، وقد نسج في خلالها علاقات اجتماعية متميّزة مع المرضى والسكان. لكنّ المستشفى الميداني المستحدث في عيادته أتى كـ"تجربة فريدة في مسيرتي المهنية، اكتشفت من خلالها أنّ الجهد الطبي المنفرد قد لا يكون كافياً في مثل هذه الظروف وأنّ الجهد الجماعي والتطوعي مهم جداً في إنقاذ الأرواح". وبالإضافة إلى علاج المصابين بكوفيد-19 والإحاطة بهم، أعلن بن يوسف انضمامه إلى حملة التحصين الكبرى التي تنظّمها السلطات التونسية ابتداءً من الثامن من أغسطس/ آب الجاري. بالتالي، سوف يكون الطبيب الستّيني في مقدّمة العاملين الصحيين المتطوعين في مركز التحصين بالمنطقة لمكافحة الفيروس ورفع مستوى المناعة المجتمعية.

المساهمون