يستمرّ المهاجرون في محاولاتهم للوصول إلى بريطانيا قادمين من شمال فرنسا، على الرغم من المخاطر الكثيرة التي يواجهونها. ويشير بعض الأرقام إلى ارتفاع عدد الذين يحاولون الوصول إلى بريطانيا على متن قوارب صغيرة إلى ثمانية آلاف هذا العام بالمقارنة بـ1835 في عام 2019، علماً أنّ المخاطر التي يواجهها المهاجرون لا تنتهي بمجرد وصولهم إلى الأراضي البريطانية، إذ تنقل وزارة الداخلية العديد من طالبي اللجوء والناجين من التعذيب والعبودية إلى ثكنات عسكرية، تفتقر للشروط الصحية الأساسية وتدابير الوقاية من فيروس كورونا.
هذا التراخي دفع خبراء صحيين في البلاد لتوجيه رسالة إلى وزيرة الداخلية بريتي باتل، ووزير الصحة والشؤون الاجتماعية مات هانكوك، مطالبين إياهما بإغلاق هذه الثكنات التي تؤوي طالبي اللجوء في كل من إنكلترا وويلز، كونها لا تراعي الشروط الصحية.
وشاركت في كتابة الرسالة منظمة "أطباء العالم"، ومؤسسة "هيلين بامبر" وآخرون، ووقعت عليها الكلية الملكية للأطباء النفسيين وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي. وتعرّض العديد من طالبي اللجوء للتعذيب والاستغلال وسوء المعاملة، وعاشوا ظروف الحرب والصراع وشهدوا الفظائع. كما تعرض بعضهم للإساءة والصدمة أثناء رحلاتهم غير الآمنة إلى المملكة المتحدة.
ويقول كيم فلاسيك، من المكتب الإعلامي في منظمة "أطباء العالم"، إنّ هذه القضية مهمة للغاية، لافتاً إلى أن الرسالة التي كتبتها المجموعة شبّهت هذه الثكنات بالسجن المفتوح، إذ يتعين على طالبي اللجوء تسجيل أوقات دخولهم وخروجهم من الثكنات، ويشعرون بقلق دائم من اعتبارهم هاربين، في حال الإخلال بهذه الشروط، الأمر الذي قد يضر بملف الهجرة الخاص بهم.
وتضمنت الرسالة أنّ الخبراء يشعرون بالقلق بسبب استخدام الحكومة هذه الأماكن كمأوى في ظل جائحة عالمية معدية، ومع مهاجرين معظمهم من إثنيات آسيوية وأفريقية تعدّ أكثر عرضة لخطر الإصابة والوفاة بكورونا، بحسب الأطباء. كما أن أكثر من 665 شخصا يقيمون في هذه الثكنات، وينامون في مهاجع تسع ثمانية أشخاص، يتشاركون المراحيض وغرف الطعام والانتظار والصلاة. وما يزيد من المخاوف هو نقل لاجئين إلى هذه الثكنات من مناطق سجلت إصابات مرتفعة بكورونا. وبحسب المجالس الصحية المحلية، فإن العديد من طالبي اللجوء لم يعزلوا 14 يوماً قبل نقلهم، ما يرفع من خطر العدوى بالفيروس.
وكتب أطباء هذه الرسالة بعدما كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن وزارة الداخلية تحاول إسكات العاملين في الجمعيات الخيرية والمتطوعين من خلال توقيع اتفاقية سرية، بعدم نشر تقارير تشير إلى الظروف المزرية التي يعيشها اللاجئون في هذه المواقع.
وبحسب الصحيفة، نقل أحد طالبي اللجوء في هذه الثكنات إلى المستشفى بعد إصابته بكورونا. في هذا الإطار، تقول الطبيبة جيل أوليري، التي تعمل مع أطباء آخرين ومحامين ومتطوعين على تحسين الفحوصات للمقيمين في الثكنات، إنّها عاينت شاباً من اليمن سُجن وعُذّب في بلاده. وبعد مغادرته بلاده ووصوله إلى بريطانيا لطلب اللجوء، اتصل محاميه بها ليطلعها على مخاوفه بشأن تدهور صحته النفسية منذ نقله إلى هذه الثكنات، موضحاً أنّ البيئة العسكرية تذكره بتجربة مريرة قضاها في السجن في اليمن، وأنّه يعاني من الأرق والقلق نتيجة لذلك.
في المقابل، يقول متحدّث باسم وزارة الداخلية البريطانية إنّ طالبي اللجوء يقيمون في ظروف آمنة صحياً، بما يتماشى مع القانون والتباعد الاجتماعي. يضيف أن الوزارة تهتم بسلامة طالبي اللجوء، وتقدّم لهم الإرشادات في ما يتعلق بالحجر والتباعد الاجتماعي والنظافة.
تجدر الإشارة إلى أنّه في سبتمبر/ أيلول الماضي، استخدمت الحكومة مواقع وزارة الدفاع المهجورة في بلدة بينالي بمقاطعة بيمبروكشاير في ويلز وفولكستون في كنت (جنوب غربي إنكلترا)، كمساكن لطالبي اللجوء في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من قولها إنها أماكن إقامة طارئة (مؤقتة)، أعلنت أنّها ستستخدمها لمدة 12 شهرا. إلا أن تدهور الظروف الصحية والنفسية للعديد من اللاجئين في هذه الثكنات أثار قلق منظمات معنية بحقوق المهاجرين، وقد تم تسجيل محاولات انتحار.
في هذا السياق، قالت آنا ميلر من منظمة أطباء العالم إنه لأمر مخجل وغير مسؤول أن يقدّم الشعب البريطاني تضحيات كبيرة للحد من انتشار كورونا، في وقت تقرر وزارة الداخلية نقل آخرين من أماكن إقامة آمنة، حيث يمكنهم الحفاظ على التباعد الاجتماعي والحجر عند الحاجة، إلى مكان مشترك غير آمن. وأشارت إلى قلق المنظمة بسبب عجز ما يزيد عن 600 شخص في هذه الثكنات عن تسجيل أسمائهم لدى طبيب عام، واعتمادهم إلى حد كبير على الإسعافات الأولية. كذلك، تلفت إلى أنّ الأطباء يلعبون دوراً أساسياً في تأمين الظروف الصحية الملائمة والأدوية ومعاينة المرضى لتفادي دخول المستشفيات. وتابعت أنّه خلال الوباء، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يتمكن الناس من طلب المشورة والرعاية الصحية من طبيب عام لتجنب الضغط غير الضروري في أقسام الطوارئ والمستشفيات.