طالبو "الحرية"... صدامات في أوروبا وأستراليا رفضاً لإجراءات كورونا

27 يوليو 2021
متظاهرون يطالبون بـ "الحرية" في باريس (آلاتان دوكرو/ الأناضول)
+ الخط -

شهدت نهاية الأسبوع الماضي صدامات بين الشرطة ومحتجين في الشوارع في عدد من الدول الأوروبية بالإضافة إلى أستراليا، على خلفية الإجراءات المتخذة في هذه الدول لمكافحة الموجة الجديدة من الإصابات بكوفيد-19 الناجمة عن المتحوّر الهندي "دلتا"، من بينها فرض جواز سفر كورونا، أو إجراء فحص كورونا تكون نتيجته سالبة لارتياد بعض الأماكن العامة، وغيرها.
وتذكّر المشاهد العنيفة في شوارع العاصمة الفرنسية باريس بتلك التي شهدتها بعض المدن الأوروبية، من بينها برلين وكوبنهاغن ونابولي وميلانو ولندن، خلال الأشهر الأخيرة من عام 2020 وبداية العام الجاري. في كل من اليونان وفرنسا وإيطاليا وأستراليا، هتف مواطنون ضد "الديكتاتورية"، على حد وصفهم، مطالبين بـ "استعادة الحرية". في المقابل، استخدمت الشرطة خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيلة للدموع في أكثر من مكان لتفريق المحتجين، وسط تنديد سياسيين بـ "العنف في الشارع"، على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شدد على حق الناس في التعبير "بطريقة سلمية ومحترمة"، كما نقلت قناة "يورو نيوز" عنه، أول من أمس، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التظاهرات لن تجعل فيروس كورونا يختفي.
إذاً، تعالت هتافات "تسقط الديكتاتورية" و"الحرية" و"لا لجواز سفر كورونا العار"، في تظاهرات شارك فيها مئات آلاف الأستراليين والأوروبيين الرافضين لاستمرار إجراءات كورونا الصارمة. وبدا المشهد أكثر عنفاً في فرنسا، حيث هتف آلاف الفرنسيين في مختلف المدن احتجاجاً على سياسة حكومة ماكرون اعتماد "جواز سفر كورونا"، الذي سيفرض قيوداً على رافضي الحصول على اللقاحات، ليس على مستوى المؤسسات الحكومية فحسب، إذ سيمنع الأشخاص غير الملقحين من الدخول إلى المقاهي والمطاعم.
وكان تصريح ماكرون حول عدم حصول موظّفي القطاع الصحي على رواتبهم في حال رفض تلقّي اللقاحات، حافزاً للمزيد من الاحتجاجات. وتشير التقارير إلى مشاركة حركة "السترات الصفراء" (حركة احتجاجات شعبيّة ظهرت في شهر مايو/أيار عام 2018) فيها خلال الأيام القليلة الماضية. وتجاوزت الاحتجاجات في فرنسا أزمة كورونا لتطالب باستقالة ماكرون، وقد عمت شوارع مارسيليا وليون وتولوز ومونبلييه ونانسي وستراسبورغ والعاصمة باريس، حيث لوحظ تزايد استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع. وتعالت الأصوات التي اتهمت المتظاهرين بالانتماء إلى اليمين المتطرف وحركة "السترات الصفراء"، التي قادت احتجاجات شعبية عنيفة في فرنسا عام 2018 رفضاً لفرض ضرائب على وقود السيارات، قبل أن تتوسع لتشمل قضايا اجتماعية أخرى. وتشير استطلاعات رأي نشرت نتائجها قبل نحو أسبوعين إلى أن 75 في المائة من الفرنسيين يؤيدون سياسات ماكرون لمواجهة وباء كورونا.
وكانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت، خلال الفترة الماضية، تسريع برنامج التطعيم في البلاد في ظل تسارع انتشار متحور "دلتا"، بالتوازي مع خشية أوروبية واضحة من موجات أخرى شبيهة بتلك التي شهدتها البلاد العام الماضي والشتاء الحالي. ووصلت نسبة الحاصلين على الجرعة الأولى من اللقاح على الأقل بين الفرنسيين إلى نحو 58 في المائة حتى يوم الجمعة الماضي، بزيادة واضحة عن نسبة 53 في المائة التي سجلت في العاشر من الشهر الجاري.

شهدت باريس احتجاجات عنيفة يوم السبت الماضي (آلاتان دوكرو/ الأناضول)
شهدت باريس احتجاجات عنيفة يوم السبت الماضي (آلاتان دوكرو/ الأناضول)

وزادت الاحتجاجات في باريس بعد الإعلان عن دراسة مجلس الشيوخ نص قانون جديد يتيح فرض "جواز سفر كورونا" ومعاقبة رافضي اللقاح، عقب القراءة الأولية له في الجمعية الوطنية، والذي ينص أيضاً على التطعيم الإجباري للعاملين في مجال الرعاية الصحية، ورجال الإطفاء، والعاملين مع كبار السن، الأمر الذي دفع عشرات الآلاف إلى الشوارع رفضاً لتلك السياسة التي يرى فيها المحتجون أنها تدخل في حرية اختيار اللقاح. فما كان منهم إلا أن وصفوا تلك الإجراءات بـ" الديكتاتورية".
ويعتبر الفرنسيون المحتجون أن الإجراءات التي تفرض عليهم التطعيم، ومنعهم من الخروج إلى المقاهي والمطاعم والحانات والمؤسسات الثقافية والترفيهية الأخرى، قاسية، بعد نحو عام ونصف من فرض حظر التجول لمواجهة كورونا. وقال ماكرون إن "الشهادة الصحية ستطبق في المقاهي والمطاعم والمراكز التجارية، كما في المستشفيات ودور المسنين والمؤسسات الطبية الاجتماعية، بالإضافة إلى الطائرات والقطارات وحافلات الرحلات الطويلة. ووحدهم الذين تلقوا اللقاح أو خضعوا لاختبار سلبي النتيجة سيكون بوسعهم الوصول إلى هذه المواقع"، وذلك بدءاً من أغسطس/آب المقبل.

اعتقلت الشرطة الأسترالية عشرات المتظاهرين (ميكو روبلز/ Getty)
اعتقلت الشرطة الأسترالية عشرات المتظاهرين (ميكو روبلز/ Getty)

ولم يقتصر مشهد الاحتجاج على فرنسا. ففي العاصمة البريطانية لندن، خرج بضع مئات إلى الشوارع احتجاجاً على "اللقاح الإجباري". ويرى معارضو سياسات رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون أن الحكومة تتجسس عليهم. ويتسلح هؤلاء بتلقي نحو 600 ألف مواطن رسائل حول ضرورة الدخول في عزل ذاتي خلال أسبوع واحد، وهو ما أشارت إليه قناة "بي بي سي" الإخبارية.
وتواجه بريطانيا خطر عودة تفشي الوباء في ظل انتشار المتحور "دلتا"، وما لذلك من انعكاسات اقتصادية واجتماعية على البلاد، بحسب ما قال جونسون، الأربعاء الماضي. وتأتي الاحتجاجات في بريطانيا بعد نحو أسبوع من رفع الحكومة بعض القيود التي فرضت في البلاد. ونقلت صحيفة "إندبندنت" البريطانية عن محتجين في برمنغهام ومانشستر والعاصمة لندن قولهم إن "برنامج اللقاح هو إبادة جماعية". ودعا بعض المتحدثين في التظاهرات الناس إلى "حماية أنفسهم من اللقاح"، معتبرين أنه "في حال طرق الناس بابك، عليك حماية نفسك من التطعيم، فهؤلاء يلاحقون أطفالك، إنهم يأتون لقتلك". وفي بلفاست، تمت مخاطبة الشرطة بأن ما يجري "عار عليكم".

وكانت إيطاليا على موعد جديد مع احتجاجات تعيد مشاهد احتجاجات العام الماضي، خصوصاً أن الحكومة ماضية في فرض سياسة "جواز سفر كورونا" بهدف تسريع التطعيم، ما دفع الرافضين للإجراءات إلى النزول إلى شوارع العاصمة روما ونابولي وتورينو. ونظراً لما واجهته البلاد في ربيع 2020 بعد انتشار وباء كورونا، تنتهج الحكومة سياسة صارمة هذه الأيام خوفاً من المتحورات، وتفرض على الإيطاليين حمل شهادة طبية، تثبت تعافيهم أو نتيجة سالبة لفحص كورونا أو الحصول على اللقاح ليتمكنوا من ارتياد المقاهي والمطاعم ودور السينما، أو المشاركة في نشاطات في الأماكن المغلقة.

أستراليون يطالبون بالحرية (مايكل كوري/ Getty)
أستراليون يطالبون بالحرية (مايكل كوري/ Getty)

كما شهدت اليونان تحركات احتجاجية شارك فيها بضعة آلاف مقابل البرلمان في العاصمة أثينا، منددين بسياسة فرض التطعيم الإجباري. واستخدمت الشرطة اليونانية قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، المتهمين من الحكومة باستخدام قنابل مولوتوف في وجه الشرطة.
ولم تقتصر الاحتجاجات على سياسات مواجهة الجائحة على بعض الدول الأوروبية، بل امتدت إلى أستراليا، التي شهدت بعض مناطقها خروج متظاهرين في سيدني، وعمدت الشرطة إلى اعتقال العشرات، وحررت مخالفات بحق آخرين بحجة خرقهم حظر التجمع. وطالب آلاف المحتجين الأستراليين بإلغاء القيود المتواصلة في بلادهم، وامتدت الاحتجاجات من سيدني إلى ملبورن وبريزبان. وبالنسبة لهذا البلد الذي يعاني بشدة من وباء كورونا، فإن عملية تطعيم المواطنين ما زالت تسير ببطء، إذ لم تتجاوز نسبة متلقي اللقاح 14 في المائة.
ويشعر الأستراليون بثقل الإجراءات الصارمة خوفاً من موجة جديدة من المتحورات. ويُنتقد رئيس الوزراء سكوت موريسون على تباطؤ برنامج التطعيم الذي ينتهجه، وقد وعد على خلفية تزايد المحتجين والانتقادات، بتسريع برنامج التطعيم وتخصيص المزيد من جرعات اللقاح لولاية ساوث ويلز التي تقع في نطاقها سيدني. وتقول الحكومة الأسترالية إنه من الصعب عليها تغيير خطة طرح اللقاح في جميع البلاد. واتهم موريسون متظاهري السبت الماضي، بأنهم "حمقى وأنانيون ومدمرون لأنفسهم"، قائلاً إن المحتجين "يخاطرون بتصرفاتهم بإغلاق البلاد لفترة أطول"، بعدما شارك الآلاف في الاحتجاجات من دون ارتداء الكمامات أو الالتزام بالتباعد الاجتماعي.

وتفرض السلطات الأسترالية في معظم ولاياتها حظراً على خروج الناس من المنازل في بعض مناطقها، إلا لممارسة الرياضة أو التماس العناية الطبية والتسوق. كما يجبر الأستراليون على ارتداء الكمامات في وسائل النقل والمتاجر والمكاتب، وتشجع الحكومة المواطنين على العمل من المنزل، مع التحذير الدائم من أن الجائحة باتت خلال الفترة الأخيرة تشكل تحدياً متناميا في البلاد، ولم يمنع ذلك من أن تشهد الشوارع صدامات عنيفة من دون ارتداء المتظاهرين للكمامات.

المساهمون