لم تسمح حكومة "طالبان" الأفغانية حتى الآن لمدارس الفتيات بعد الصف السادس بفتح أبوابها، رغم أن الموضوع أثير على أصعدة مختلفة، دولياً ومحلياً، وتعالت الأصوات من داخل الحركة نفسها لتؤكد أن تحويل القضية إلى أزمة ليس في مصلحة البلاد، ولا في مصلحة الحكومة، وأن حرمان شريحة سكانية كبيرة التعليم من دون مبرر منطقي، أمر مخالف للشريعة الإسلامية، ومخالف للقوانين الإنسانية الدولية، غير أنّ "طالبان" لا تزال مصرة على موقفها الرافض لتعليم الفتيات.
لم تكتفِ "طالبان" بالقيود التي فرضتها سابقاً على نساء أفغانستان، بل تواصل فرض مزيد من القيود بين الحين والآخر، وآخرها منع النساء من دخول الأماكن السياحية والحدائق العامة بذريعة منع الاختلاط، وأن بعضها قريبة من الحمامات العامة، وهو ما أثار حفيظة المجتمع الدولي، وقوبل بتنديد واسع على مستويات مختلفة في الداخل والخارج.
وطلبت منظمة العفو الدولية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، من المجتمع الدولي كبح حركة طالبان، ومنعها من فرض مزيد من القيود على النساء الأفغانيات، معتبرة في بيان أن الأمر بات غير مقبول، وأنّ على المجتمع الدولي أن يتحرك.
وفي 26 من الشهر الجاري، قالت المنظمة بالتزامن مع احتفال العالم باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة: "يجب أن نتذكر أنّ حقوق النساء والفتيات في أفغانستان تنتهك باستمرار من قبل طالبان منذ 15 شهراً".
وأكدت أن "النساء والفتيات الأفغانيات الشجاعات يواصلن مواجهة المضايقات والترهيب والعنف، لكن يجب عدم تجاهل نضالهن لحماية حقوق الإنسان. لننضم إلى هؤلاء النسوة الشجاعات في دعوة طالبان إلى التوقف عن قمع النساء والفتيات، ويجب على المجتمع الدولي أن لا ينسى واجبه تجاه الأفغانيات، وممارسة الضغط على طالبان لاحترام الحقوق الأساسية للنساء والفتيات، بما في ذلك حقهن في الحصول على التعليم، وفتح المدارس الثانوية أمام الفتيات على الفور".
في المقابل، تؤكد "طالبان" أنّ كلّ ما تفعله ليس جديداً. وقال عاكف مهاجر، الناطق باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في تصريح يوم 22 نوفمبر الجاري، إنّ "طالبان منعت النساء في السابق من الدخول إلى الحدائق العامة، وبعد ذلك صدر قرار بمنعهن من الدخول إلى الحمامات العامة، ودور الرياضة المجاورة للحدائق العامة، والقرار ليس جديداً، ولا يخالف أعراف البلاد، ولا الشريعة الإسلامية".
لكن فاطمة محمدي، وهي من سكان العاصمة كابول، تقول لـ"العربي الجديد": "لا أدري ما الذي تريده طالبان، هل تريد أن تحول البلاد إلى سجن كبير للنساء؟ أنا مصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض أخرى، وأحتاج إلى الرياضة، ولا توجد وسيلة للتريض سوى الخروج إلى الحديقة، وأنا أرتدي الحجاب كما تريده طالبان، لكنها لم تعد تسمح لي بذلك، ولا أدري لماذا يتركون المرأة تخرج للتسول. مئات من النساء يتسولن في الشوارع بسبب سياسات طالبان، وبعضهن يعملن في مهن هامشية كبيع الذرة وغيرها. هذا يجوز عند طالبان، لكن ذهاب الفتيات إلى المدرسة وذهاب النساء إلى الحدائق العامة بالحجاب لا يجوز. كأنهم يحاولون تدمير الجيل الحالي في البلاد بالكامل. أشعر بأنها مؤامرة كبيرة على بلادنا".
وتلوم محمدي أولئك الذين كانوا يزعمون أنّ "طالبان" قد تغيرت، وتلقي باللوم على المجتمع الدولي الذي يتساهل مع الحركة رغم أنها بدلت كل شيء في البلاد، وحولتها إلى سجن للنساء، وتضيف: "لا أدري ما هي مشكلتهم مع المثقفين من الرجال ومع النساء عموماً، لقد غادرت أغلبية الثلة المتعلمة والمثقفة البلاد، وطالبان لا تغير مواقفها، بينما العالم يتفرج، ولا يحرك ساكناً، والبلاد غارقة في الأزمات، ويبدو أن العالم لا يهمه سكان أفغانستان، بل يهتم فقط بمصالحه الخاصة، وعلى هذا الأساس يتعامل مع طالبان".
من جهتها، أكدت البعثة الأممية في أفغانستان "يوناما" في بيان، يوم 25 نوفمبر الجاري، أن "النساء جزء حقيقي من عوامل استتباب الأمن وإنجاز المصالحة الشاملة، وعلى طالبان أن ترفع القيود عنهن"، وطلبت البعثة الأممية من حكومة طالبان اتخاذ الخطوات المناسبة لإنهاء العنف ضد المرأة، وتحقيق سلام مستقر ودائم، مؤكدة أن ذلك لا يمكن من دون أن تلعب المرأة دورها، ومذكرة بأنه "منذ أغسطس/ آب 2021، جرى تقييد أو إلغاء معظم الحقوق الأساسية للمرأة الأفغانية، لذا يجب إنهاء اضطهاد النساء فوراً".
وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والحملة ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، أكدت البعثة أن "أفغانستان إحدى دول العالم التي يبلغ فيها مستوى العنف ضد المرأة أعلى مستوياته".