تكثر الأخبار في هولندا والدول المجاورة عن اعتداءات جنسية بحق الأطفال، ويواجه النظام القضائي في أمستردام انتقادات كثيرة بسبب بطء متابعة قضايا مماثلة. ومنذ عام 2019، تتولى مجموعات من الرجال الانتقام للضحايا. وتُسمى تلك المجموعات التي تضم آباءً وآخرين "صيادي المتحرشين" (pedojacht بالهولندية)، ولم تستثنِ في استهدافاتها قساوسة أو أرباب أسر ثبت تورطهم.
وخلال الأسابيع الماضية، شهدت البلاد مطاردة مجموعة من الشباب عدداً من المعتدين جنسياً على أطفال (بيدوفيليا). وعلى الرغم من أن الإيقاع بهؤلاء المتحرشين لاقى تعاطفاً شعبياً، إلا أن عمليات التعذيب التي تعرض لها رجل متقاعد في الـ 73 من العمر أدت إلى وفاته، بعدما نصبت المجموعة له كميناً في إحدى الغابات، ما دفع الشرطة الهولندية، بعد صمت دام أشهراً، إلى الطلب من تلك المجموعات السرية التوقف عن "تنفيذ القانون بيدها".
وأثارت جريمة قتل المتقاعد في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على يد مجموعة من صيادي البيدوفيليا، في مدينة أرنهيم، الذي نشرت الصحافة المحلية اسمه أواسط نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حفيظة المجتمع المحلي، وخرج كثيرون حاملين الشموع ونثروا باقات الزهر احتجاجاً على الانتقام والعنف بعيداً عن النظام القضائي. واعتقلت الشرطة الهولندية، تحت ضغط المجتمع المحلي، مراهقاً في الخامسة عشرة من العمر استدرج السبعيني القتيل إلى التعذيب حتى الموت، بمشاركة 3 مراهقين آخرين.
كذلك نشرت الصحف الهولندية بعض تفاصيل عمل مجموعات الانتقام من المتحرشين، وهي ظاهرة باتت مقلقة في دول الشمال الأوروبي. ويتبين أن مستدرجي المتحرشين نشطوا على منصات التواصل الاجتماعي لإغواء المتحرشين الذين ضُربوا ضرباً مبرّحاً، من دون أن يجرؤ كثيرون منهم على الشكوى للشرطة. إلا أن جريمة القتل أدت إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة. ولم يثنِ موت المعلم المتقاعد، يان كروتفاغن، عن استمرار مجموعات سرية أخرى في ملاحقة المتحرشين في الغابات. وتظهر وسائل إعلامية معلومات تشير إلى اعتبار ما حدث ليان على يد مجموعة مراهقين أمراً ملهماً بالنسبة إلى مجموعات تضم آباءً لأطفال تعرضوا للتحرش. هؤلاء أعربوا لصحافيين عن إحباطهم من القضاء الهولندي، المتراخي بنظرهم، في ملاحقة المعتدين جنسياً على الصغار، وإطلاق سراح الموقوفين في انتظار جمع الأدلة، ليعاودوا اصطياد الصبية والفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي قبل الاعتداء عليهم. وحاول محامي أحد المراهقين المشاركين في ضرب الرجل المتقاعد وقتله رد ما جرى إلى "ضجر هؤلاء اليافعين بسبب التباعد الاجتماعي في أوقات كورونا"، لافتاً إلى أنهم "لم يقصدوا قتله".
وأعربت الشرطة عن قلقها من استلهام المراهقين مجموعات "صيد المتحرشين" من الكبار الذين يعملون سراً ولا يكشفون عن هوياتهم، ويكتفون "بتلقين المتحرشين الدروس"، وليس قتلهم، كما يصف ناطق ملثم باسم إحدى تلك المجموعات الأمر.
تجدر الإشارة إلى أن المجتمع الهولندي، شأنه شأن مجتمعات أوروبا الشمالية، يشهد ارتفاعاً في نسبة الاعتداءات الجنسية على الأطفال. ومنذ عام 2014، تنشط في هولندا مجموعات شبابية تلاحق المتحرشين وتفضحهم، وقد نشرت في سبيل ذلك أشرطة صورتها في أثناء عمليات كشف هوية المتحرشين على موقع "يوتيوب".
نشرت الصحف الهولندية بعض تفاصيل عمل مجموعات الانتقام من المتحرشين
وفي ظلّ التعاطف الشعبي الكبير قبيل مقتل الرجل السبعيني، كانت الشرطة الهولندية قد وجهت نداءً إلى هؤلاء الرجال الصيادين بعدم أخذ حقوقهم بأيديهم، بحسب الموقع الرسمي للشرطة الملكية الهولندية. وقد زاد القلق في البلاد على المستوى الأمني بعدما بدأ يُنظر إلى تلك المجموعات، وتحديداً في شرق البلاد، كـ "أبطال". وأعرب مواطنون عن خيبتهم من عدم قدرة النظام القضائي على التعامل بحزم مع المعتدين، علماً أن ظاهرة الاعتداء الجنسي تخيف الهولنديين والبلجيكيين والألمان، في ظل انتشار عصابات تُنفّذ اعتداءات جنسية على الصغار، وهو ما كشفته بروكسل قبل بضعة أشهر.
وعن طبيعة عمل هذه المجموعات، قال متحدث باسم إحدى المجموعات للقناة الثانية الدنماركية يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رفض الكشف عن اسمه، إنهم "يصورون المتحرش بعد تأديبه وتهديده بأنه إذا لم يتوقف عن هذه الاعتداءات ويُعالج، فسيُفضَح. وعما إذا كانوا يستخدمون العنف، يذكر أن ذلك يعتمد على الظروف وطبيعة الجريمة. لكن بشكل عام، يقوم عملنا على أساس الردع والإنذار، وإن لم يستجب البعض، فسيلقى معاملة أخرى".
وما يجمع هذه المجموعات إيمانها بأن "الأنظمة القضائية تخذل أطفالنا والمراهقين، وبالتالي نحن مضطرون إلى التصرف بأنفسنا".
ولا تعدّ حادثة أرنهيم التي قتل فيها السبعيني، منعزلة عن حوادث أخرى في هولندا. فمنذ يوليو/ تموز الماضي وحتى نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، قدرت الشرطة الهولندية وقوع 250 حادثة في مختلف المناطق الهولندية. وعادة ما يوهم مراهقون متحرشين بأنهم لا يمانعون الأمر، ويتفقون على موعد، ليفاجأوا بعملية انتقام وتسجيل اعترافات على الكاميرات، ويهددونهم بكشفها إذا لم يرتدعوا ويتوقفوا عن الاعتداء أو محاولة استدراج الأطفال.
انتشار صيت تلك المجموعات فرض على الشرطة الهولندية توجيه نداء، على لسان رئيسها سيمون كلوك، للرجال المنتقمين بالتوقف وترك الأمر للقضاء والقانون. وتوجه وزير العدل الهولندي، فيرنيناد غراباهاوس، قبل أسبوعين، بنداء آخر لوقف الظاهرة، مع وعود بتحركات أمنية وقضائية جادة لمواجهة تفاقم عمليات الاعتداء والتحرش الجنسي بحق القصّر.
أعربت الشرطة عن قلقها من استلهام المراهقين مجموعات "صيد المتحرشين" من الكبار
ويبدو أن عمليات الانتقام تلك عجّلت بالفعل بملاحقة القضاء الهولندي للمتحرشين. ففي أواخر الشهر الماضي، بدأت محكمة هولندية بمداولات مستعجلة بحق رجلين (60 و65 عاماً) بتهمة الاعتداء على قصّر على مدى السنوات الماضية، وهما ممن تعرضوا للانتقام والتصوير من مجموعات اصطياد المتحرشين. وطالب الادعاء بالسجن ما بين 8 و10 سنوات للمتهمين عن مجموعة جرائم بين 2018 و2019 بحق 22 قاصراً ممن عاشوا ظروفاً أسرية صعبة استغلها المعتدون عليهم.
وبالإضافة إلى الأحكام بالسجن، طالبت المدعية العامة في القضية بفرض برنامج علاجي على المحكومين. وما يُثير القلق في قضايا الاعتداء الجنسي في هولندا، أنّ ممارسيها ليسوا أصحاب سوابق أو من الطبقات الدنيا في المجتمع، بل رجال أعمال وأثرياء، كما في حالة المعتديَين المحاكَمين "اللذين شكلا شبكة تحرّش واغتصاب يافعين باستغلال ظروفهم الاجتماعية". ويتوقّع أن يصدر الحكم في القضية منتصف يناير/ كانون الثاني 2021.