صناعة الشماسي... مهنة تراثية تنتعش في صيف الإسكندرية

13 يونيو 2023
صناعة الشماسي متوارثة في الإسكندرية (العربي الجديد)
+ الخط -

على غير عادته طوال العام، يفتح الستيني حامد محمود أبواب ورشته لصناعة "شماسي الشاطئ" مبكراً مبتهجاً، في انتظار زبائنه من مستأجري الشواطئ وإدارات الأندية البحرية في محافظة الإسكندرية شمالي مصر، والذين يسعون إلى تغيير أو صيانة الشماسي القديمة استعداداً لموسم صيف جديد يحلمون فيه بتحقيق الربح.
وتشهد ورش ومحال صناعة وبيع الشماسي إقبالاً كبيراً، خصوصاً في منطقة "سوق الجمعة" بوسط المدينة الساحلية المعروفة بوجود العديد من الورش المتخصصة في تصنيع لوازم البحر، والتي يحرص أصحابها على شراء كميات إضافية من الأخشاب والأقمشة وغيرها من الخامات لتلبية طلبات الشراء التي تنتعش في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة.
يقول العم حامد، كما يطلق عليه زبائنه، لـ"العربي الجديد": "أعمل في مهنة صناعة شماسي وكراسي البحر منذ عشرات السنين، وقد ورثت الورشة وما فيها من معدات وزبائن واسم وشهرة عن أبي، ومن قبله جدي، والمهنة تحتاج إلى الفن والخبرة لإجادة اختيار الألوان وتنسيقها، واختيار الأخشاب خفيفة الوزن المتينة في نفس الوقت".
يواظب العم حامد مثل غالبية العاملين في صناعة الشماسي على العمل في ورشته الصغيرة التي تعد مصدر رزقه الوحيد للإنفاق على أسرته، والتي تصنف على أنها الأقدم في سوق الجمعة. وهو يؤكد اعتزازه بمهنته التي يصفها بانها حرفة يدوية تتطلب مهارات خاصة لصناعة المظلات وكراسي البحر بجودة عالية بهدف الحفاظ على الزبائن وسمعة المكان.

الصورة
يختار الزبون القماش الذي يناسب ذوقه (العربي الجديد)
يختار الزبون القماش الذي يناسب ذوقه (العربي الجديد)

يستعيد الرجل الستيني شريط ذكرياته مع تلك المهنة التي بدأ العمل فيها حين كان في العاشرة من عمره، قائلا: "يمثل فصل الصيف الذي يشهد الإقبال علي الاستجمام على شاطئ البحر فرصة ذهبية  لصناع الشماسي، إذ يزيد الإنتاج لتلبية الطلبات، ويتم ابتكار تصميمات جديدة لإغراء الزبائن"، ويضيف أثناء جلوسه خلف ماكينة الخياطة: "يوجد اكثر من ورشة لصناعة شماسي البحر في الإسكندرية، وتمثل تلك الحرفة مصدر رزق للعشرات من أصحابها، لكن منطقة سوق الجمعة هي المركز الأكثر شهرة في المدينة بسبب مهارة العاملين التي يشهد بها الجميع".
وأشار إلى أن "أنواع الزبائن اختلفت عن عقود مضت، كما ان العائد ليس كما كان في الماضي، فغالبية الناس تقوم بتقليل الاحتياجات بسبب الأحوال الاقتصادية والغلاء، لاسيما أن الشواطئ في ذلك الوقت لم تكن مؤجرة، بل كانت مفتوحة بشكل مجاني لكل من يريد الاستمتاع بالبحر، ولكن من دون خدمات. أما اليوم، فغالبية الزبائن هم مستأجرو الشواطئ في الإسكندرية والساحل الشمالي، وفي بعض الأحيان يكون من بينهم أصحاب شاليهات أو وحدات خاصة، ويأتي في المرتبة الثانية الصيادون ومحبو الصيد".

الصورة
نوعية الخامات مهمة لجودة الشمسية (العربي الجديد)
نوعية الخامات مهمة لجودة الشمسية (العربي الجديد)

ويقول وليد البرنس، وهو صاحب إحدى الورش: "تغير نوعية الزبون أثّر على شكل الشماسي، فمستأجرو الشواطئ يطلبون كميات كبيرة من الشماسي بذات الشكل والمواصفات، ويرفضون أي تنوع في الألوان أو المقاسات، بينما في الماضي كنت أبدع في الأشكال والألوان والمقاسات عندما كانت الشمسية والكراسي من المتطلبات الأساسية التي تحرص كل أسرة على اقتناءها عند الذهاب إلى الشاطئ".
ويرفض البرنس وصف مهنته بأنها موسمية أو مؤقتة، قائلاً: "نعمل في جميع شهور السنة، إلا أن الموسم الذي يشهد زيادة الرواج هو بداية فصل الصيف، وفي بقية العام، نُرشد مصروفاتنا، ونعتمد فقط على تسويق منتجاتنا للكافيتريات والمطاعم والمحال التجارية، وفى بعض الأحيان تصنيع أغطية السيارات وستائر البلكونات".

وحول التغييرات التي طرأت على المهنة خلال السنين الماضية، يقول: "كل شيء تغير، بداية من الأذواق والخامات إلى عمليات التجهيز والتصنيع التي كان يقوم بها الصنايعي يدوياً، أما الآن، فالورش تضم آلات حديثة تقوم بكافة مراحل الصنعة، ما يجعل صنع الشمسية سهلاً، ولا يستغرق أكثر من 3 ساعات، وتقل مدة الصناعة إلى ساعة ونصف تقريباً في حال طلب كميات كبيرة. الخامات أيضاً كانت أفضل في الماضي، وكلما مر الزمن ترتفع أسعارها وتقل جودتها، ونضطر لتصنيع نوعيات متفاوتة من الشماسي، والتي يُحدد سعرها بناء على نوع الأقمشة والخشب ومتطلبات الزبائن".
ويوضح البرنس: "ظهور الشماسي رديئة الصنع التي يطلق عليها الصيني ذات الأسعار المنخفضة والجودة الأقل هو أكبر ما ينغص على أهل المهنة، رغم أنها تصنع من خامات ضعيفة لا تصمد مع المستهلك أكثر من شهرين، و سعرها لا يتجاوز 350 جنيهاً، بينما متوسط سعر الشمسية الجيدة يصل إلى 750 جنيهاً، ويمكن أن تعيش لسنوات طويلة".

المساهمون