استمع إلى الملخص
- التحديات الصحية والبيئية: يعاني قطاع غزة من انهيار في الخدمات الصحية، مما يزيد من انتشار الأمراض، ويؤثر بشكل خاص على الأطفال الذين يعانون من فقر الدم ونقص التغذية.
- الاستجابة المجتمعية والتحديات الأمنية: شهدت الحملة إقبالاً واسعاً رغم الظروف الأمنية، مع جهود لضمان وصول اللقاحات لجميع الأطفال واحترام فترات الهدنة الإنسانية.
يشهد قطاع غزة إقبالاً لافتاً على المرحلة الثانية من التطعيم ضد شلل الأطفال، وسط مخاوف من عدم القدرة على الوصول إلى شمال القطاع، في ظل المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي هناك.
بدأت المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد فيروس شلل الأطفال، الاثنين، في المحافظة الوسطى من قطاع غزة في ظل تردي الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض والأوبئة نتيجة لاستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، وحالة انهيار القطاع الصحي والقطاع الخدماتي المتعلق بمياه الشرب وتصريف مياه الصرف الصحي.
واصطف مئات المواطنين أمام المراكز التي حددتها الجهات الصحية الحكومية في غزة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، وبمشاركة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لتلقي الجرعة الثانية من اللقاح.
وتوافدت الأمهات برفقة أطفالهن منذ ساعات الصباح الباكر إلى مراكز التطعيم. يشار إلى تسجيل إصابات بشلل الأطفال قبل انطلاق المرحلة الأولى من التطعيم، ما دفع المنظمات الدولية إلى طلب إدخال لقاحات بشكل عاجل لإطلاق أوسع حملة تطعيم ضل الفيروس. ومن المقرر أن تستمر الحملة حتى 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وسط غياب التأكيدات بشأن مصير المرحلة الثانية من حملة التطعيم شمالي القطاع، الذي يتعرض لحملة برية ثالثة هي الأعنف منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وبموجبها يمنع الاحتلال إدخال الأدوية والمستهلكات الطبية والطعام.
وكانت المرحلة الأولى قد شهدت إقبالاً واسعاً من قبل الأسر الفلسطينية، وتلقى التطعيم أكثر من نصف مليون طفل فلسطيني على الرغم من الظروف الأمنية الصعبة وعدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بفترات الهدنة التي طلبتها الجهات الصحية والأممية لتنفيذ حملة التطعيم الأوسع في القطاع ضد الفيروس.
وتستهدف الحملة بالأساس الأطفال دون سن العاشرة، وهم الفئة الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس، في ظل استمرار العدوان، وتكدس النازحين خارج المنازل، وعدم وجود مستشفيات ومراكز رعاية صحية شاملة يمكن لها الكشف بشكل مستمر عن الأطفال المصابين بالفيروس.
وأعلن وزير الصحة الفلسطيني، ماجد أبو رمضان، بدء الجولة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة، على أن يتم إعطاء جرعة ثانية من اللقاح للأطفال تحت سن عشر سنوات لحماية كاملة. أضاف، في بيان، أن الحملة تبدأ الاثنين في دير البلح وتستمر حتى 17 أكتوبر في المدينة، ثم تنتقل إلى مدينتي خانيونس ورفح في الفترة ما بين 19 و22 من الشهر نفسه، على أن تُجرى بين 22 و25 أكتوبر في غزة وشمالي القطاع.
في السياق، قالت منظمة الصحة العالمية، عبر منصة إكس، إن المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال بدأت في وسط غزة. وذكرت المنظمة أن الحملة تهدف للوصول إلى نحو 590 ألف طفل دون سن العاشرة في جميع أنحاء قطاع غزة في أقل من أسبوعين ضمن الجولة الثانية من حملة التطعيم.
وتقول الفلسطينية، غدير المعصوابي، إنها توجهت برفقة طفليها نحو مركز التطعيم في دير البلح من أجل إعطائهما الجرعة الثانية من التطعيم، بعدما كانا قد حصلا قبل نحو شهر على الجرعة الأولى منه. تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنها قدمت مع شقيقاتها الثلاث وأطفالهن للحصول على التطعيم بالإضافة إلى المدعمات الصحية الأخرى، كالفيتامينات" التي يتم توزيعها عليهم من قبل الجهات الصحية المشاركة في حملة التطعيم.
وتشير إلى الواقع الصحي الصعب للأطفال، وقد أصبح أخطر من ذي قبل بفعل استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر الثالث عشر، وعدم وجود أي أفق بالتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ويحسن من الأوضاع المعيشية والصحية. وتبدي المعصوابي خشيتها من استمرار الحرب مع دخول فصل الشتاء وتداعياته على الأطفال وانتشار الفيروسات، لا سيما الإنفلونزا ونزلات البرد، بالإضافة إلى الخشية من الأوبئة بفعل الكثافة السكانية.
أما الفلسطيني محمد البحيصي الذي اصطحب زوجته وأولاده الأربعة إلى مركز التطعيم في دير البلح، فأعرب عن خشيته من تعرضهم لأية مخاطر في ظل انتشار الأوبئة والأمراض وانهيار القطاع الصحي. ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا هنا لأعطي أطفالي الأربعة الجرعة الثانية من اللقاح. يجب أن نتكاتف لنحمي أطفالنا في ظل هذه الحرب المجنونة". ويشير إلى أهمية حملة التطعيم بالذات في المنطقة الوسطى للقطاع التي أصبح يتكدس فيها أكثر من مليون ونصف المليون إنسان من أهل المنطقة والنازحين، محذراً من مخاطر صحية وبيئية بفعل استمرار الحرب وشبه انهيار القطاع الصحي، وخصوصاً على الأطفال الذين لا يحتملون الأوجاع.
ويطالب البحيصي بأن يكون هناك تدخل لمنظمات الصحة العالمية من أجل توفير الأدوية والعلاجات واللقاحات المختلفة للأطفال وكبار السن، وخصوصاً أدوية الأمراض المزمنة والقلب وغيرها.
إلى ذلك، تقول القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام في الأونروا في غزة، إيناس حمدان، إن حملة التطعيمات التي أطلقتها الأونروا في الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي لتحصين أطفال قطاع غزة ممن هم دون سن العاشرة كانت ناجحة. تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنه على الرغم من كل التحديات، نجحت الوكالة وبالشراكة مع مختلف الأطراف الشريكة، في إيصال اللقاحات لما يقرب من 560 ألف طفل في أنحاء القطاع في المناطق الوسطى والجنوبية وشمال القطاع.
وتشير إلى أن الجولة الثانية التي انطلقت من المنطقة الوسطى وبعدها الجنوبية يؤمل فيها إيصال اللقاح إلى 590 ألف طفل دون سن العاشرة في جميع أنحاء القطاع خلال حوالي أسبوعين، لا سيما وأن الفرق مدربة وجاهزة لإنجاح هذه الجولة.
وبحسب حمدان، فإن نجاح المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال يتطلب احترام فترات الهدنة الإنسانية التي تم الاتفاق عليها، من أجل إنجاح الحملة كما جرى في المرحلة الأولى.
واقع صحي متأزم
بدوره، يؤكد مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة في غزة، الطبيب مروان الهمص، أنّ واقع الأطفال الصحي صعب للغاية مقارنة ببقية الفئات العمرية، وترتفع نسبة فقر الدم بفعل غياب التغذية وانعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن الإصابة المتكررة بالفيروسات الأخرى والنزلات المعوية من جراء غياب النظافة والمياه الصالحة للشرب. ويقول الهمص لـ "العربي الجديد"، إن الكثير من الأمراض انتشرت وأصابت الأطفال بشكل متكرر خلال العام الماضي، لا سيما التهاب الكبد الوبائي بالإضافة إلى الأمراض الجلدية، قبل أن يظهر فيروس شلل الأطفال الذي دفع نحو إطلاق أكبر حملة للتطعيم على مرحلتين، تم الانتهاء من المرحلة الأولى الشهر الماضي وسيتم الانتهاء من المرحلة الثانية في نهاية شهر أكتوبر الجاري.
ويشير إلى أن فيروس شلل الأطفال اندثر في القطاع منذ أكثر من 35 عاماً، قبل أن يعود للظهور في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة للعام الثاني على التوالي، بفعل الواقع المأساوي الذي يعانيه الأطفال وتكدسهم في مراكز النزوح من دون أدوات النظافة والطعام.
ويشدد على أهمية المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال من أجل منع انتشاره بوتيرة كبيرة في صفوف الأطفال، وهو الأمر الذي يكسب الحملة أهمية قصوى في منع انتشار هذا المرض. وبحسب الهمص، فإنّ درجة الاستجابة من الفلسطينيين مع التطعيم مرتفعة وواضحة من إقبالهم على المراكز، وبلغت النسبة في المرحلة الأولى أكثر من 92%. ومن المتوقع أن تكون النسبة متقاربة مع نهاية المرحلة الثانية.
وبحسب الهمص، فإن "الجهات الصحية لا تمتلك أي إحصائية دقيقة عن أعداد الأطفال الذين أصيبوا بالمرض خلال الفترة السابقة، غير أن المسؤولية تقع على عاتق الاحتلال الذين يشن حرباً مدمرة على الفلسطينيين ويستهدف الأطفال والنساء بصورة مركزة على مدار 13 شهراً".
وبشأن حملة التطعيم في شمالي القطاع، ينبه إلى أن الجهات الصحية ستقوم ببذل أقصى جهد من أجل إيصال اللقاحات للأطفال هناك، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية عرقلة الاحتلال للحملة.
ووفقاً لبيانات "يونيسف"، فإن المرحلة الأولى من حملة التطعيم شهدت استخدام 473 فريقاً، وشمل ذلك 230 فريقاً متنقلاً و143 موقعاً للتطعيم في وسط غزة، وتلي ذلك إقامة 91 موقعاً ثابتاً، إلى جانب دعم تكميلي من خلال 384 فريقاً متنقلاً في جنوب غزة.
واختُتمت الحملة في مرحلتها الأولى في شمال غزة، حيث تلقى الأطفال التطعيمات من خلال 127 فريقاً في مواقع ثابتة و104 فِرَق متنقلة. وشملت المواقع الثابتة المستشفيات، والنقاط الطبية، ومراكز الرعاية الصحية الأولية، وأماكن التعليم المؤقتة، والمدارس، ونقاط توزيع الأغذية والمياه. بالإضافة إلى ذلك، دُرّب 749 مسؤولاً من مسؤولي التعبئة الاجتماعية ونُشروا للتواصل مع المجتمعات المحلية، قبل الحملة وأثناءها لحث الأسر على تطعيم أطفالهم والتصدي للمخاوف الموجودة لديهم.