شريان غزة... تدمير معبر رفح يكسر الأمل الأخير

22 يونيو 2024
تهجير جديد من رفح (بشار طالب/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تدمير معبر رفح يعمق الأزمة الإنسانية في غزة، مما يحرم السكان من السفر للعلاج والدراسة، وينهي آمال تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.
- قصص الأفراد مثل سوزي وفادي تعكس اليأس والإحباط بعد فقدان المنفذ الوحيد للحياة الأفضل، مما يبرز الأثر النفسي والاجتماعي للتدمير.
- التغيرات السياسية والاجتماعية تزيد من عزلة غزة، مؤثرةً على الصحة، التعليم، والوضع الاقتصادي، وتحرم السكان من الحقوق الأساسية مثل الرعاية الصحية وفرص العمل في الخارج.

دُمّر معبر رفح بالكامل في جهتي الاستقبال والمغادرة

كان معبر رفح شرياناً أساسياً لحياة الغزيين قبل تدميره من الاحتلال

فقد الجرحى والمرضى الأمل في العلاج في الخارج بعد تدمير معبر رفح

فقد الغزيون أملهم الأخير، الذي كان معلقاً على المنفذ البري الوحيد المتوفر، بعد انتشار فيديوهات تصور معبر رفح بعد اقتحامه والسيطرة عليه على مدار حوالي شهر ونصف شهر، وقد دُمّر بالكامل في جهتي الاستقبال والمغادرة. وكان قد صمد باعتباره منفذاً وحيداً أكثر من 23 عاماً بعد تدمير مطار غزة الدولي في ديسمبر/ كانون الأول عام 2001.
وكان لهذه المشاهد تأثير كبير على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، كونه المنفذ الوحيد إلى العالم الخارجي بالنسبة إليهم. وكانوا يعتمدون عليه لإدخال الدواء والسفر والعلاج في الخارج، وخصوصاً خلال الأشهر الماضية وقبل السيطرة الإسرائيلية عليه. وكان البعض لا يزال ينتظر أية انفراجة للتوصل إلى آلية لفتح المعبر وإخراج الغزيين والجرحى والمرضى للعلاج في الخارج.

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة قد صنفت أكثر من عشرة آلاف مريض أنهم بحاجة ماسة للعلاج في الخارج، بالإضافة إلى وجود ثلاثة آلاف منهم في حالة خطيرة وبحاجة لعمليات طارئة، إلى جانب أكثر من 30 ألف غزي مسجلين للسفر، منهم حملة جنسيات مصرية وآخرين إقامات خارجية أو يحتاجون للسفر بهدف الدراسة في الخارج، وقد باتوا جميعهم مسجلين في القطاع. يضاف إلى ما سبق العامل النفسي للغزيين بعد مشاهد تدمير المعبر بالكامل.
ومن بين أكثر الذين يعيشون ضغطاً نفسياً سوزي عبد الكريم (38 عاماً)، وهي فلسطينية تحمل الجنسية المصرية على اعتبار أن والدتها من أصول مصرية من مدينة العريش شمالي سيناء، وكانت تنتظر فتح المعبر لعلاج طفلها فاتح (10 سنوات) الذي أصيب بحروق في جسده وكسر في الكتف جراء القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات في فبراير/ شباط الماضي. 
عبد الكريم هي إحدى اللواتي هُجّرن من مخيم جباليا وتنقلت في مناطق عدة وصولاً إلى مخيم النصيرات، وكانت ضمن القوائم التي سُجل فيها اسمها للسفر. تقول إن اسمها كان قد اقترب من الصدور لكن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المعبر حالت دون ذلك. في الوقت الحالي، تعيش ضغطاً نفسياً، هي التي نجت من المجزرة الإسرائيلية على مخيم النصيرات في الثامن من الشهر الجاري. 
وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد": "عشت معظم حياتي في مصر لأن والدي فلسطيني وأمي مصرية، كما أن عائلة والدتي من شمال سيناء التي تربطها بالفلسطينيين علاقة نسب. وزوجي هو أحد أقاربي. تزوجت في قطاع غزة ووافقت على العيش فيه إيماناً بالقضية الفلسطينية، وأصبحت مثل أية امرأة فلسطينية. وبقي معبر رفح صلة الوصل بيني وبين عائلتي". تضيف: "في الوقت الحالي، دمر كل شيء، والحروق تملأ جسد طفلي. لا نملك المال لتأمين سفر ابني إلى الخارج. تواصلت مع طبيب استعد للتكفل بعلاجه مجاناً في مستشفى في شمال سيناء، لكن الأمل اختفى مجدداً. يتألم طفلي يومياً حاله حال معظم الغزيين بسبب قلة العلاج والرعاية الطبية. وأنا الآن محبطة. إما أن أموت أو أختبر معاناة جديدة". 
من جهته، كان فادي الحسنات (40 عاماً) ينتظر السفر لإجراء عملية بتقنية الليزر لتصحيح انحراف العين في أحد المستشفيات في مدينة نصر في العاصمة المصرية القاهرة. لكن نتيجة تغير سياسة التحويلات الطبية إلى مصر، باتت الأولوية للحالات الخطيرة وجرحى العدوان الإسرائيلي، إلى جانب كشوفات التنسيقيات وغير ذلك من أجل إجلاء العائلات الفلسطينية وأصحاب الإقامات الخارجية.

الصورة
معاناة مستمرة في رفح (بشار طالب/ فرانس برس)
معاناة مستمرة في رفح (بشار طالب/ فرانس برس)

كان يمكن للحسنات أن يصبر أكثر لإجراء العملية لكن نظارته كسرت ولا يملك المال لجلب أخرى جديدة، وبات يعاني انحرافاً حاداً في القرنية يؤثر على نظره بشكل أساسي، وبالتالي يحتاج إلى عملية ضرورية، ويعيش منذ إعلان تدمير معبر رفح ضغطاً نفسياً حاداً، كما يوضح. حصل الحسنات على علاج وقطرة عين خلال الأشهر الماضية ليبقى وضعه مستقراً، بالإضافة إلى نظارته قبل أن تنكسر، لكنه الآن حرم من العلاج والمساعدات الغذائية التي كان يحصل عليها وعائلته النازحة في منطقة المواصي، وبات يعيش حالة من الإحباط وتزداد آلامه بسبب ضعف النظر.
يقول الحسنات لـ"العربي الجديد": "معبر رفح بالنسبة إلينا هو السبيل لتأمين معيشة الغزيين، وهو منفذ لتحسين الحالة الصحية للمرضى ولم الشمل بين العائلات كحال عائلتي. من خلاله، ألتقي بأشقائي العاملين في دولة قطر والإمارات، بالإضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية"، لافتاً إلى أنه "بوابة غزة الوحيدة إلى العالم الخارجي، لكننا الآن مثل العصفور في قفص وقد اختفى مفتاحه عمداً".
وأعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأربعاء الماضي، أن معبر رفح بين غزة ومصر دمر بالكامل ولم يعد صالحاً للاستخدام في عمليات العبور في ظل قيام الاحتلال بشقّ طريق جديد بين معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح، وأطلق عليه اسم "طريق دافيد"، وهو ما سيغير خريطة المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال مع محور فيلادلفيا بالكامل.

الصورة
ارتبط معبر رفح بحياة الغزيين في السنوات السابقة (هاني الشاعر/ الأناضول)
​ الصورة ارتبط معبر رفح بحياة الغزيين في السنوات السابقة (هاني الشاعر/ الأناضول)

وكان لدى عائلات غزية الأمل في تحسين واقع المساعدات الإنسانية في ظل الحاجة الكبيرة، من بينها الأدوية التي كانت تصل إليهم عبر معبر رفح. كريم طمّرة (25 عاماً) كان ينتظر السفر للدراسة في تركيا، بعدما صادق على كامل شهاداته. لكن تدمير منزله هجره أكثر من مرة وصولاً إلى مدينة دير البلح. وكان يأمل فتح معبر رفح بعدما أتم كافة الإجراءات الرسمية للدراسة في الخارج. لكن أحلامه لاستكمال درجة الماجستير تلاشت بعد احتلال المعبر بالكامل وتدميره. ويقول لـ"العربي الجديد": "ضاع مستقبلي وضاعت حياتي. إما سأستشهد أو أبقى في سجن غزة". 
إلى ذلك، يتحدث الباحث الاجتماعي عبد الكريم أبو عودة عن حياة الغزيين طوال سنوات الحصار في معبر رفح كونه منفذاً فُرض عليهم ولا بديل عنه. ويعتبر أن تدميره يغير الحياة الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة بالكامل، عدا أنه نافذتهم على العالم الخارجي. كانوا يعتمدون عليه لإدخال الدواء والسفر والعلاج في الخارج، والكثير من مناحي الحياة الأخرى.
ويقول أبو عودة لـ"العربي الجديد": "ارتبط معبر رفح في السنوات السابقة بحياة الغزيين، بالفرح والحزن. كان كثيرون يربطون نمط النجاة في الحياة باجتياز معبر رفح والحواجز المصرية في سيناء نتيجة الظروف الأمنية في المنطقة". في هذا الإطار، يعتبر أن معبر رفح هو طوق النجاة الوحيد لهم. بالتالي، سيؤثر تدميره على كافة المناحي المستقبلية لمدينة غزة لأن إنشاءه على مدار السنوات الماضية لم يكن سهلاً.
يعتبر معبر رفح من أكثر المعابر التي تصدرت أخباره الصحف العالمية طوال السنوات الماضية كونه شرياناً أساسياً لحياة الغزيين، بالإضافة إلى تأثره بالظروف السياسية المحيطة بالمنطقة ومعاناة الغزيين أمام بواباته المستمرة في ظل إغلاقه خلال السنوات ماضية، ما أدى إلى وفاة غزيين. 
ويعود تأسيس المعبر إلى أحداث النكبة الفلسطينية وإدارة الجانب المصري شؤون قطاع غزة حتى احتلاله عام 1967 وخضوعه للسيطرة الإسرائيلية التي كانت تحتل سيناء، وكان الاحتلال الإسرائيلي يخنق الغزيين أمام بواباته، لكنه شُيّد معبراً رسمياً برياً عقب الاتفاق المصري الإسرائيلي للسلام عام 1979 وانسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982. 
وبموجب اتفاقية أوسلو بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1993، اتُّفق على إعادة فتح المعبر أمام حركة الأفراد والبضائع، لكن الاحتلال الإسرائيلي سيطر عليه من خلال "هيئة المطارات الإسرائيلية" حتى انسحابه من القطاع وإغلاق مستوطناته عام 2005، وتفعيل اتفاقية المعابر الفلسطينية عام 2005. ونشر مراقبون أوروبيون لمراقبة حركة المعبر بمشاركة مصر وإدارة الجانب الفلسطيني حتى عام 2007، ثم أغلق بسبب الانقسام الفلسطيني وإدارة حركة حماس المعبر.

نشب خلاف فلسطيني مصري بسبب إدارة حركة حماس قطاع غزة، ما أدى إلى إيقاف عمل المعبر جراء اعتبار مصر أن المعبر يجب أن يدار فلسطينيا وأوروبياً استناداً إلى اتفاق المعبر عام 2005. ثم تغيرت الأحوال بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 ، وقررت الحكومة المصرية فتح المعبر بشكل دائم، وشهدت غزة تغيراً على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية وحركة النقل، وصولاً إلى تغير نظام الحكم المصري عام 2013 وإغلاق المعبر وتدمير الأنفاق الحدودية. 
وفي منتصف عام 2018، تغير واقع عمل المعبر بسبب مسيرات العودة الكبرى المطالبة بإحياء قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة عام 1948 وفك الحصار الإسرائيلي، فأعلن عن فتح المعبر واستمر العمل فيه ساعات محدودة يومياً حتى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي عليه في السادس من مايو/ أيار العام الحالي.

المساهمون