يواجه سكان قطاع غزة الشتاء الأكثر قسوة عليهم هذه العام بإمكانات بسيطة جداً تبلغ حد الاضطرار إلى إصلاح الملابس القديمة للأطفال في المناطق النائية والمخيمات، خصوصاً المعاطف والجاكيتات لحمايتهم من البرد القارس، أو البحث في أسواق الألبسة القديمة "البالة" عن قطع قديمة تبعث الدفء.
وبعدما شهدت أسواق "البالة" إقبالاً كبيراً في محافظات غزة الخمس خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وأصبح تجارها معروفين ويملكون محلات كبيرة، باتت بدورها لا تلبي حاجة فقراء غزة ولا تتناسب مع ظروفهم، إذ يشتكون من ارتفاع ثمن بضائعها عاماً تلو آخر، في حين يخوض كُثر منهم صراعاً مريراً لتأمين الأكل على حساب من اللباس، لكنهم يضطرون إلى التعامل مع مشكلة حاجة أطفالهم إلى ملابس أكبر قياساً مع مرور الوقت.
تعتمد أسر فقيرة كثيرة على تبادل الثياب بين بعضها البعض، ونقل تلك التي ضاقت مقاساتها على الكبار إلى الصغار. وقد انتشر ذلك بين الأسر في المخيمات وبعض المناطق النائية، ويشمل أقارب العائلة ذاتها، وهو ما تفعله خديجة أم وائل (40 عاماً) منذ ثلاثة أعوام في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تتخبط بها عائلتها، وتمنعها من شراء ملابس وبينها تلك الضرورية للشتاء.
لدى أم وائل سبعة أبناء، بينهم ثلاثة أطفال، وتعتمد أسرتها على مساعدات إنسانية ومخصصات مالية تمنحها وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للأسر الأكثر فقراً. وهي امتنعت عن شراء أي قطعة ثياب لأولادها في فصل الشتاء، واكتفت بالحصول على ثياب الأطفال الأكبر سناً لجارتها وشقيقتها.
تقول لـ"العربي الجديد": "اشتريت ملابس جديدة لأطفالي للمرة الأخيرة العام الماضي عبر مبادرة شبابية لثياب الشتاء. كما ابتعت أخرى مستعملة من معرض لجمعية خيرية، وحصلت على بعضها عبر المبادلة، لكنها كلها أصبحت رديئة هذا الشتاء، وقد استطعت أن أصلح بعضها بخلاف أخرى. نعيش موسم شتاء قاسٍ جداً، وأنا أعجز عن تأمين الطعام الجيد واللباس الدافئ لأبنائي، فزوجي عاطل عن العمل منذ ثماني سنوات".
عموماً، تحاول عائلات كثيرة في غزة أن تصلح الألبسة الشتوية بأسعار رمزية عند خياطين يضطرون إلى التعامل معها رغم رداءتها من أجل تلبية طلبات الأسر. وهم يضعون أقمشة إضافية على كل منطقة مهترئة في اللباس، وهو ما طلبه عمر يوسف الذي يسكن في مخيم الشاطئ، من خياط أصلح عنده معطفين لطفليه كي يرتدياه لدى ذهابهما إلى المدرسة.
يعمل يوسف (35 عاماً) في السباكة، لكن الطلب عليها قلّ بسبب الظروف الاقتصادية، ما جعله يواجه صعوبات في تأمين احتياجات منزله، والتي زادها تعمد أصحاب منازل تأجيل دفع أجرته عن عمله لديهم، وعمله أياماً معدودة فقط في الشهر حالياً.
يقول يوسف لـ "العربي الجديد": "بالنسبة لي ولزوجتي نشتري منذ سنوات ملابسنا من سوق البالة، ولا نخجل من فعل ذلك. وقد قصدنا هذه السوق للمرة الأخيرة قبل عام ونصف العام. أما طفلاي فكنت أحرص دائماً على شراء ملابس جيدة لهما، لكنني عجزت حتى عن تأمين طعام جيد لهما هذا العام، ولم أجلب الحليب في بعض الأيام. وأخيراً، اشتريت ملابس مستعملة قليلة لهما، وأصلحت معطفين عند خياط".
وفي منطقة نهر البارد حيث يبدو الوضع أكثر سوءاً هذا العام في ظل تزايد شكاوى سكانها من الوضع السيئ للمنازل التي أنشئت عشوائياً، وقلة المساعدات الإنسانية وبينها الملابس التي يعتمدون عليها لتأمين احتياجاتهم في إحدى المناطق الأكثر فقراً تهميشاً في غزة، تعمل ريهام حمايدة (39 عاماً) على تطريز وخياطة الثياب باستخدام ماكينة منحتها إياها مؤسسة خيرية ضمن مشروع لدعم الأسر الأكثر فقراً، علماً أن عائلتها تضم أربعة أفراد وزوجها الذي يعاني من إعاقة نتجت من قصف العدوان الإسرائيلي لغزة عام 2014. وقد أصلحت حمايدة هذا الشتاء ملابس كثيرة للأطفال، كانت النسبة الكبرى منها مهترئة.
تقول حمايدة لـ "العربي الجديد: "تجلب النساء ثياباً رديئة مهترئة كثيرة كي أصلحها. والأطفال لا ذنب لهم في منطقة تنعدم فيها وسائل التدفئة المناسبة للمنازل بسبب الفقر، علماً أن بعض العائلات تجمع أخشاباً وقمامة وتخلطها مع بعضها لتحصل على الدفء، وهذا أمر مضرّ جداً".
تضيف: "اضطررت إلى إضافة أقمشة من ملابس مستخدمة أخرى قصصتها لإصلاح ملابس الأطفال، كي لا تبدو مهترئة".