شبح الكوليرا يحوم فوق قطاع غزة... نزوح وتلوث وازدحام

04 يوليو 2024
تنتشر الكثير من الأمراض المعدية في غزة (دعاء الباز/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **انتشار الكوليرا والأمراض المعدية في غزة**: حذرت "أونروا" من تفشي الكوليرا بسبب الاكتظاظ والنزوح، مع انتشار أمراض السرطان والتهاب الكبد الوبائي ونقص التغذية والجفاف بين الأطفال.
- **تفاقم الأوضاع الصحية ونقص الإمكانيات الطبية**: تتوافد أعداد كبيرة من المصابين بالأمراض المعدية على النقاط الطبية، مع تسجيل 1,660,492 حالة حتى يوليو، وارتفاع في حالات الإنفلونزا والأمراض الجلدية.
- **تحديات المساعدات الإنسانية واستهداف المرافق الطبية**: يعاني القطاع من أزمة حادة بسبب العدوان الإسرائيلي الذي أخرج 34 مستشفى و64 مركزاً صحياً عن الخدمة، مع صعوبة إيصال المساعدات وزيادة معاناة النازحين.

يعيش مئات آلاف المواطنين في قطاع غزة في ظل مخاوف كبيرة مع ارتفاع أعداد المصابين بالأمراض المعدية، وتفاقم الاكتظاظ في مناطق تجمّع النازحين، وذلك بالتزامن مع انهيار المنظومة الصحية.

حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من انتشار وباء الكوليرا في قطاع غزة، في ظل الاكتظاظ المتفاقم، خصوصاً بعد النزوح الأخير من مناطق شرقيّ مدينة خانيونس باتجاه غرب المدينة وغرب مدينة دير البلح والمناطق المحاذية لها، بينما يخشى النازحون والطواقم الطبية خروج الأوضاع الصحية عن السيطرة. ويشهد قطاع غزة انتشاراً لأمراض السرطان والتهاب الكبد الوبائي، فضلاً عن أزمات نقص التغذية والجفاف عند الأطفال، وقد فاقمت موجة النزوح الأخيرة الأزمات، وزادت الاكتظاظ القائم، وصولاً إلى تلاصق الخيام بسبب تقلص المساحات المتاحة داخل "المناطق الإنسانية" التي أصبحت مكتظة بالكامل. 
وتتوافد يومياً أعداد كبيرة من المصابين بالأمراض المعدية على النقاط الطبية في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس،  وتظهر على كثير منهم أعراض الحمى، والتهابات جلدية، ومع تزايد أعداد النازحين، تزايدت الأعداد بشكل ملحوظ.
يقول طبيب الطوارئ محمد صيام من داخل خيمة مطلة على جامعة الأقصى في منطقة المواصي، إن جميع المحاولات لتفادي تفشي الأمراض المعدية باءت بالفشل، في ظل عدم تحسن ظروف النزوح، إضافة إلى تزايد الضغط على المنطقة مع استمرار موجات النزوح وتكرار القصف الإسرائيلي، وأخيراً ظهرت حالات لمرضى تظهر عليهم أعراض غير مألوفة، وبعضهم مصابون بأكثر من مرض معدٍ.

رُصدت حالات اشتباه إصابة بالكوليرا تظهر عليها بعض الأعراض في غزة

ويوضح صيام لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على احتمال انتشار الكوليرا: "هناك حالات اشتباه إصابة بالكوليرا تظهر عليها بعض الأعراض، وأجرينا محاولات من أجل عزلهم حتى التأكد من حالاتهم، لأن الأعراض التي تظهر عليهم هي الجفاف واصفرار الجلد وقلة التبول واضطراب ضربات القلب، لكن قد تكون هناك أمراض أخرى تؤدي إلى هذه الأعراض. لا يمكن إجراء تحاليل طبية أو مخبرية للعشرات ممن يتجهون إلى الخيمة الطبية في كل يوم، وهناك كوارث تحصل. نملك جهازاً لفحص الدم والسكري والضغط، ونقيّم الحالة عبر التشخيص، والطبيب والطاقم الطبي يصابون في بعض الأحيان بذات الأعراض، لأننا نعيش في المحيط نفسه، ومعظمنا نازحون يقيمون في الخيام". 
عمل صيام في عدد من المستشفيات والمراكز الصحية خلال نزوحه المتكرر، ويشدد على أن "قرابة 65 في المائة من سكان قطاع غزة أصيبوا بأحد الأمراض المعدية نتيجة النزوح المتكرر والتزاحم، وهذا مسجل في بيانات وزارة الصحة، كذلك إن قلة المساعدات الصحية، وعدم توافر وسائل النظافة وأدواتها ساهم في سهولة انتشار تلك الأمراض.

الصورة
الأطفال أكثر عرضة للأمراض المعدية في غزة (بشار طالب/فرانس برس)
الأطفال أكثر عرضة للأمراض المعدية في غزة (بشار طالب/فرانس برس)

وسجلت وزارة الصحة في قطاع غزة عبر جميع مستشفياتها والمراكز الصحية والنقاط الطبية التي تنتشر بين خيام النازحين والنقاط المتنقلة 1,660,492 مصاباً بأمراض معدية نتيجة النزوح حتى الثاني من يوليو/ تموز الحالي، وهي أعلى أرقام للأمراض المعدية سُجلت في تاريخ القطاع، واحتلت الإنفلونزا والأمراض الجلدية النسبة الأعلى، تلتها أمراض الكبد الوبائي والتهابات الرئة وأمراض المعدة. 
ونشر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تحديثاً لأهم إحصائيات العدوان الإسرائيلي الثلاثاء الماضي، أشار فيها إلى وجود 12 ألف جريح بحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج، ووجود 10 آلاف مريض بالسرطان، لكنه صدم كثيرين برقم حديث عن التهابات الكبد الوبائي الفيروسي "أ"، الذي وصلت أعداد المصابين به إلى 71,338 مصاباً. 

تتوافد أعداد كبيرة من المصابين بأمراض معدية يومياً على النقاط الطبية

وتشتد الأزمة في ظل مواصلة الاحتلال الإسرائيلي الاستهداف المباشر للمرافق الطبية، إذ أخرج خلال العدوان الحالي 34 مستشفى عن الخدمة، ويعمل حالياً مستشفى مركزي واحد بكامل طاقته، وثلاثة مستشفيات بطاقة جزئية، بينما خرج 64 مركزاً صحياً عن الخدمة، واستهدف الاحتلال 161 مؤسسة صحية، و131 سيارة إسعاف. 
وذكرت وكالة "أونروا" في بيان، الأربعاء الماضي، أنها لم تعد تستطيع إيصال المساعدات إلى قطاع غزة من جراء المماطلة الإسرائيلية، وأوضحت أن النازحين في القطاع يفتقرون إلى كل شيء، خصوصاً الغذاء والمأوى، وأنها بحاجة إلى إدخال مئات الأطنان من المساعدات إلى غزة، وأن الأوضاع في جنوب القطاع تنهار بصورة خطيرة وسط تزايد أكوام النفايات، وتفشي سوء التغذية، وعدم توافر المياه الصالحة للشرب، ما يضعف أجساد النازحين في مواجهة الأمراض. 

الصورة
الأمراض الجلدية متفشية بين النازحين في غزة (عمر القطا/فرانس برس)
الأمراض الجلدية متفشية بين النازحين في غزة (عمر القطا/فرانس برس)

ويؤكد مصدر طبي من داخل وكالة "أونروا" عجز الوكالة الأممية عن تأمين المزيد من الخيام للنازحين، خصوصاً الجدد منهم، وسط تزايد مستمر في التوافد على "المنطقة الإنسانية" التي يطلب الاحتلال الإسرائيلي بقاءهم فيها، ما يشجعهم على الاكتظاظ في مناطق تركز النازحين، وإقامة أعداد أكبر من السابق في الخيام، حتى باتت عدة أسر تشترك في خيمة واحدة، فضلاً عن محاولة البقاء بالقرب من تلك المناطق، أملاً في وصول المساعدات إليها. 
يقول المصدر لـ"العربي الجديد" إن "الخوف من الأوبئة بسبب التلوث والازدحام وارد لدينا في وكالة أونروا، وقد رصدنا انتشارها بشكل كبير في نوفمبر/ تشرين الثاني، لكن لم تكن الاستجابة في المساعدات الطبية كافية، لكننا على أبواب وباء كبير حالياً، خصوصاً بعد النزوح الأخير من خانيونس إلى غرب المدينة وغيرها من المناطق، وذلك في ظل انعدام كل إجراءات الحماية اللازمة".

ويضيف المصدر: "رصدنا أمراضاً منقولة بشكل سريع مثل الحمى، وكذلك حمى الضنك التي ينقلها البعوض، خصوصاً في فصل الصيف، إضافة إلى انتشار القمل عند الأطفال، لكنّ هناك أمراضاً جلدية نعتقد أنها خطيرة، وهي منتشرة بنسبة كبيرة عند الأطفال والنساء، وكلها تتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة، ولا توجد مختبرات لإجراء فحوص للكثير من البكتيريا أو الفيروسات المسببة للأمراض المعدية ذات الانتشار السريع". 
من جهتهم، يتخوف النازحون الذين يقبعون في الخيام مع تكرار سماعهم لأخبار انتشار الأمراض، فهم لا يستطيعون تقليص الاختلاط والتزاحم، حتى على صعيد طوابير المساعدات التي تلاحق أخبار التوزيع، وهم يشاهدون يومياً العديد من المرضى الذين تظهر عليهم أعراض الأمراض المعدية خلال الاصطفاف في الدور للحصول على الخبز أو المياه، لكنهم يتجاهلون ذلك بسبب الجوع والعطش.

يقول عز الدين أبو حية، الموجود في منطقة المواصي، إنه يشاهد يومياً في طوابير المياه العديد من المرضى، من الرجال والنساء، وغالبيتهم لا يوجد لديهم من يساندهم من أبناء أو أزواج، والبعض منهم أطفال استشهدت عائلاتهم. يضيف لـ"العربي الجديد": "اثنان من أطفالي أُصيبا بأمراض جلدية، واحتاج كل منهما لقرابة ثلاثة أسابيع حتى يتعافى بسبب الأدوية الضعيفة التي كانا يتلقيانها".

ويتساءل أبو حية: "كيف نعرف إن كان الشخص مصاباً بالكوليرا أو غيرها؟ نذهب للعلاج في المراكز الصحية أو النقاط الطبية في الخيام، لكننا لا نحصل على كشف طبي جيد، والطبيب يستمع لنا لمدة دقيقتين أو ثلاثة بسبب الزحام، ونحصل على ما يتوافر من علاج ونمشي، والكثير من النازحين يمرضون ولا يذهبون إلى أطباء، حتى لو أصيبوا بأمراض خطيرة، فالعلاج غير متوافر، والبعض يذهبون للاستحمام في البحر لاعتقادهم بأنهم سيتحسنون". 
ويشعر طبيب أمراض المعدة، عبد الكريم زيارة، بالتخوف من تفشي الكوليرا، نظراً لتوافر بيئة خصبة تساهم في انتشارها مع غيرها من الأوبئة مثل السل أو الصفراء، ويشير إلى رصد داء البلهارسيا نتيجة تلوث الغذاء والمياه. يقول زيارة لـ"العربي الجديد": "أغلب الأمراض في غزة تطاول الجهاز التنفسي والمعدة، إضافة إلى الأمراض الجلدية، لكن بعض الحالات تتفاقم بسبب ظروف الطقس وقلة النظافة وسوء التغذية، وكلها عوامل تؤدي إلى إطالة وقت التعافي، لكنْ هناك أمراض باتت تفتك بالمواطنين. علمياً، تكون الوقاية من الكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة عبر تعليمات عدم شرب أو استعمال مياه غير نظيفة، وتكرار غسل اليدين بالماء والصابون، وطهو الطعام جيداً، وعدم تناول الغذاء المكشوف، والاهتمام بنظافة المساكن، ودورات المياه، والابتعاد عن أماكن تجمّع القمامة، لكن كل هذا غير ممكن في قطاع غزة، لذا من المقلق رصد تفشي الكوليرا، فانتشارها سيكون كارثياً لعدم وجود ما يمكننا مقاومتها به، سواء على صعيد العلاج أو الوقاية".

المساهمون