ترك الشاب الباكستاني محمد كامران قريته في إقليم بلوشستان الجنوبية بعدما باع أرضه ومنزله ليسدد ديونه ويدفع تكاليف السفر إلى الإمارات حيث توقع أن يجد راحة لنفسه وأهله، لكنه وجد أن الحياة غير سهلة في بلاد الغربة، وأن العمل والعيش فيها يواجهان مشكلات وعقبات كثيرة.
ويعتبر كامران أنه لو عاش في قريته، وتعاون مع أشقائه في تأسيس عمل أو مشروع تجاري، حتى لو كان صغيراً، ربما كان أفضل من ذهابه إلى الإمارات حيث يعيش بعيداً عن إخوانه وأقاربه ووالديه، ويكسب فقط ما يكفي مصاريفه واحتياجات أسرته. رغم ذلك لا يفكر في العودة إلى باكستان لأن الأوضاع المعيشية فيها صعبة، ما يقنعه بفكرة البقاء في الإمارات رغم كل الأحوال التي تجعل الحياة لا تحتمل أحياناً.
يقول كامران لـ"العربي الجديد": "عشت في حالة نفسية حرجة حين أنهيت دراستي في كلية الآداب بجامعة لاهور عام 2015، وعدت إلى مسقط رأسي بإقليم بلوشستان، وكنت أتوقع أن أحصل على عمل كي أسدد الديون التي تراكمت على أسرتي أثناء دراستي، لكن محاولاتي الكثيرة لم تثمر في أماكن ومدن عدة ما أصابني بيأس كبير، ثم زادت المشكلات داخل أسرتي بعدما انهارت كل التوقعات المرتبطة بتخرجي من الجامعة".
يضيف: "واجهت حين قررت مغادرة باكستان مشكلات تراكم الديون على أسرتي، والحاجة في الوقت ذاته إلى تأمين مبالغ الحصول على تأشيرة وتذكرة سفر إلى الإمارات، فقررت أن أبيع منزلي وقطعة أرض تقع في جواره، وكان هذا القرار صعباً جداً بالنسبة لي، لأنني تخليت عن المنزل الذي ورثته عن جدي، وقد اضطررت إلى فعل ذلك لأن أصحاب الديون مارسوا ضغوطاً كبيرة علي، ولم يتوفر لي إلا هذا الحل".
وعاش بهار خان من سكان مدينة بشاور تجربة مماثلة بعدما ترك الكثير من أحلام حياته في القرية التي ترعرع فيها وعاش فيها سنواته الأولى، وأراد أن يبقى فيها بعد إكمال دراسته والزواج، لكن الأوضاع المعيشية السيئة لأسرته والتي تأثرت أيضاً بتقاعد والده أرغمته على مغادرة مسقط رأسه وموطنه.
ويقول بهار لـ"العربي الجديد": "كان راتب والدي جيداً خلال عمله في هيئة إدارة الكهرباء، وكان يوفر كل احتياجات الأسرة قبل أن يتقاعد، ثم ارتفعت الأسعار كثيراً وتدهور الوضع وبدا المستقبل غامضاً، علماً أن المشكلة الأساسية بالنسبة لي كانت عدم الشعور بالراحة في العيش في باكستان بسبب الوضع السائد فيها".
يضيف: "من بين الأسباب التي خيبت آمال شبان كثيرين الوضع الأمني السائد في باكستان، فقرية سبينه وري التي أعيش فيها كانت غير بعيدة عن مدينة بشاور مركز إقليم خيبربختوانخوا (شمال غرب)، لكن مسلحين من حركة طالبان باكستان وجماعات عسكرية أخرى كانوا يخرجون إلى الشوارع في وضح النهار ويهددون الناس، ما جعلنا لا نأمل في مستقبل جيد، كما أن الأحوال السياسية والمعيشية لم توحِ بذلك أيضاً ـو بإمكان حصول تحسينات.
وحين قرر بهار مغادرة باكستان اتفق مع أحد المهربين على فعل ذلك مقابل دفع مبلغ ستة آلاف دولار كي ينقله إلى تركيا عبر إيران تمهيداً للانتقال منها إلى أوروبا وتحديداً فرنسا ليعمل في مطعم باكستاني.
ويخبر بهار أنه يكسب مالاً جيداً من العمل في المطعم الذي يوفر له ما يحتاج إليه في بلاد الغربة ويسمح له بإرسال جزء منه إلى والده لتأمين احتياجات أفراد أسرته وبعض أقاربه، وأيضاً لمساعدة ثلاثة من إخوته الذين يدرسون في جامعات خاصة بباكستان، لكن ما يقلقه أن كل أحلامه دُفنت وباتت مجرد خيالات بعدما رافقت سنوات شبابه، فهو كان يريد أن يخدم الفقراء في قريته، وأن ينشئ مؤسسة خيرية كي يدرّس فيها أبناء الفقراء، وهو ما لم يحدث".
يقول الناشط الاجتماعي محمد ناصر لـ"العربي الجديد": "نعيش حالياً حالات إرباك سياسي واجتماعي واقتصادي غير مسبوقة تجعل الشبان في قلق دائم خاصة أولئك المتعلمين والمثقفين. ومنذ بدء الحرب على الإرهاب عام 2001 حين أصبحت باكستان جزءاً مهماً من التحالف ضد الإرهاب، تبدلت الأحوال، إذ لا بدّ أن يسيطر الجيش على كل شيء، ويؤثر في القرارات السياسية والاقتصادية، وبات الشبان يعيشون في يأس.
ويشير ناصر إلى أن "رئيس الوزراء السابق عمران خان اهتم كثيراً بالشبان الذين دعموا أيضاً محاولته تعزيز امتلاك باكستان سياسة داخلية وخارجية مستقلة، لكن المؤسسة العسكرية قمعته، ما زاد يأس الشبان من إمكان أن يلعبوا دوراً في مستقبل بلدهم. وفي ظل الأجواء السائدة يرى الشبان أن الهروب من البلاد وسيلة مثالية للتخلص من الأحوال السائدة التي لا تجلب إلا القلق والألم".