سينوب السعيدة... إلى "القرن التركي الجديد" بمتحف السجن

سينوب السعيدة... إلى "القرن التركي الجديد" بمتحف السجن

09 مايو 2023
تعد ولاية سينوب بلا سجنها أجمل بقاع تركيا (Getty)
+ الخط -

تستمر تركيا، بالتزامن مع احتفالها بمرور مائة عام على تأسيس جمهوريتها على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، في تسويق وجهها الجديد، ضمن ما تسميه "القرن التركي الجديد" الذي يستهدف تحقيق الإنتاج والتصدير الغزير، واستقطاب أعداد هائلة من السياح، والأهم إزالة شوائب الحكم في العهود الماضية، وآثارها السلبية على الصورة العامة البلاد في العالم، وفي مقدمها أحداث الانقلابات، وفرض الأحكام العسكرية وقمع الناس، وفتح عدد كبير من السجون.
وسبق أن أغلقت السلطات التركية عشرات السجون، وهدمت أخرى أو حوّلتها إلى متاحف ومعالم تاريخية، وهو ما حصل لسجن ديار بكر الذي يعتبره كثيرون الأسوأ سمعة في تاريخ البلاد، لكن ذلك لا يمنع ضمها 374 سجناً حالياً. 

كذلك اهتمت تركيا بمنح السجناء بعض الحريات والحقوق خلال فترة قضائهم أحكامهم وراء القضبان، من خلال ربط إقاماتهم بالعمل، وهو ما حصل، بحسب صحيفة "يني شفق"، في 302 سجن تضم حالياً ورش عمل يعمل فيها السجناء بأجور، وذلك بعد إخضاعهم لتدريب وتأهيلهم مهنياً. 
وكان بعض المحللين اعتبروا أن توفير القيمين على ورش الإنتاج في السجون التركية أدوات للتطهير وللتعقيم، وكذلك كمامات خلال فترة انتشار وباء كورونا قبل 3 أعوام، شكل دليلاً قاطعاً على تحويل سجون تركيا إلى منشآت إنتاجية تحظى برعاية واهتمام جيدين. وحالياً يضم سجن "مالتبه" أكبر ورش للخياطة وإنتاج الألبسة في تركيا.
ولأن ولاية سينوب من أجمل بقاع تركيا، كان لا بدّ من أن يطاولها نهج التغيير، وحوّلت سلطاتها بدعم من الاتحاد الأوروبي سجن الولاية إلى متحف سيُفتتح في 20 يونيو/ حزيران المقبل، بحسب ما يقول مدير الثقافة في الولاية متين سورين.
ويؤكد سورين أن أعمال ترميم سجن سينوب، التي استمرت عامين وشملت تجهيز مرافق للزوار ومقاهٍ وأيضاً أماكن جديدة لاستقبال النشاطات الثقافية والفنية بينها متحف الأدب والبحرية، اهتمت بالحفاظ على خصوصية "السجن المتحف".
وبعدما صنّف سجن سينوب بين السجون الأسوأ سمعةً في تركيا خلال عمره الطويل الذي امتد بين عامي 1887 و1999، قبل أن تتخذ السلطات قرار إغلاقه مطلع الألفية الثانية ثم تحويله إلى متحف وفق شكله الأصلي، يرى كثيرون أن إزالة عبارة "سجن قلعة سينوب" من التداول، بعد افتتاحه متحفاً الشهر المقبل، سيريح الأتراك الذين ينظرون إلى السجن باعتباره قلعة استخدمت خلال مرحلة حكم الإمبراطورية العثمانية وبعدها على امتداد مراحل من عمر الجمهورية، وشكل بالتالي مصدر رعب بالنسبة إليهم.

فلسفة وعِبَر
ولسجون تركيا، وقبلها الدولة العثمانية، حكايات لا تنتهي، فيما كتب عام 1980 تاريخها الأسوأ سمعة والأكثر تسبباً بأوجاع، حين قاد أحمد كنعان إفرين الانقلاب على حكومة سليمان ديميريل، وواجه معترضين حاول كمّ أفواههم عبر إنشاء 116 سجناً جديداً، أكثرها سوءاً على الإطلاق سجن ديار بكر.
ومع مطلع الألفية الثانية، باشرت تركيا تقليص عدد السجون وتحويل بعضها إلى إصلاحيات وورش إنتاج وعمل. وكانت البداية، بحسب الباحث التركي باكير أتاكجان، في سجن "أولو جانلار" الذي شهد سابقاً إعدام أو وفاة شخصيات تركية بارزة، مثل الشاعر ناظم حكمت. 
وتحوّل هذا السجن إلى أهم متاحف تركيا عام 2011، قبل أن تغلق السلطات 17 سجناً تاريخياً آخر، منهم سجن ديار بكر وسينوب. لكن أتاكجان يستدرك بالقول لـ"العربي الجديد" إن "سجوناً كثيرة افتتحت أيضاً خلال حكم حزب حكم العدالة والتنمية في العقدين الأخيرين، وتحدد المعارضة عددها بـ180".
ويرى أتاكجان أن "فلسفة تحويل السجون إلى متاحف تتضمن عبراً تسلّط الضوء على مناضلين سجنوا وربما قضوا لغايات نبيلة تتعلق بتعزيز الحرية والعدالة، كما توجه رسائل تطالب بإرساء الرحمة في التعامل مع السجناء، باعتبارها ركيزة مهمة لتكريس الحكم الجيد وتعزيز الحريات، لذا ندعو إلى تحويل السجون إلى معاهد إصلاحية ومنشآت إنتاجية، في حين أن إلغاء السجون بالكامل يظل طلباً رومنسياً لأن الجريمة موجودة، ولا بدّ من ردعها والاقتصاص من مرتكبيها".
ويتمنى أتاكجان أن تطبق تركيا نهج السجن نصف المفتوح، حتى للمجرمين، ما يسمح لهم بالعمل ورؤية المنتجين الذين يتعاملون معهم، في وقت يبدي ارتياحه الكبير لتحويل سجن سينوب إلى متحف، وإلغاء سجن القلعة من ذاكرة الأتراك.

الصورة
سينوب ولاية العيش السعيد في تركيا (أرسين أرتورك/ الأناضول)
سينوب ولاية العيش السعيد في تركيا (أرسين أرتورك/ الأناضول)

الأكثر سعادة
واللافت أن ولاية سينوب نالت مرات لقب المدينة الأكثر سعادة في تركيا، بحسب استطلاعات للرأي أجرتها مؤسسة الإحصاء الرسمية، كما حافظت على هذه اللقب أعواماً متتالية بسبب الأمان ومعدل الأعمال والتسامح فيها.
وتبلغ مساحة ولاية سينوب 5862 كيلومتراً مربعاً يسكنها 202,704 أشخاص، أي أن معدل الكثافة السكانية لا يزيد عن 34.6 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. أما مدينة سينوب، عاصمة الولاية ومركزها، فلا يتجاوز عدد سكانها 37 ألفاً، لذا ترى كلبهار قره دومان قارصلي، وهي من سكان هذه المدينة، أن "الحياة في سينوب سهلة، ولا تتطلب الكثير من العناء. وهذه الميزة تعتبر الأهم لها مقارنة بسائر المدن الكبيرة، كما أن سهولة التنقل والأمان وتوفر الخدمات يزيدان سعادة أهل المدينة الجميلة بطبيعتها ومعالمها التاريخية والسياحية".
وتقع سينوب في أقصى شمال تركيا، من جهة البحر الأسود، وهي عاصمة ولاية سينوب، وتعد بين أكثر مدن البلاد جمالاً، وتتمتع بهدوء كبير، كما أن طبيعتها خلابة وساحرة وشواطئها نظيفة وبحرها نقي. وتعتبر السواحل والشلالات من ميزات الولاية التي تضم منتجعات للاستجمام تزيد سعادة سكانها ومن يزورنها.
وتأتي البحيرة البيضاء في مقدمة المعالم الجميلة بولاية سينوب، وبعدها شلالات "آر فالك" في قرية تتلجا التي تبعد 42 كيلومتراً من مدينة سينوب. أما القلعة التي تحتضن السجن فقديمة تاريخياً، إذ أنُشئت، بحسب مراجع تركية، لحماية المدينة في القرن السابع قبل الميلاد، واستخدمت بعد إصلاحها في العهود الرومانية والبيزنطية والسلجوقية. 
وتحيط بالقلعة أسوار المدينة، وهي رقبة شبه الجزيرة، وتمتد الأسوار الشمالية على مسافة 880 متراً، والجنوبية (400 متر)، والشرقية (500 متر)، والغربية (270 متراً).

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

أيضاً، تعد كنيسة بالاطالار بين أهم الكنوز التاريخية في المدينة. وتقول مراجع إن الكنيسة مرت بأدوار متعددة، فكانت مسرحاً وحماماً في العصر الروماني، ثم كنيسة خلال الفترة البيزنطية، ثم خضعت لأعمال ترميم بإشراف وزارة الثقافة والسياحة عام 2000، وافتتحت للجمهور الذين يستطيعون مشاهدة مجموعة من اللوحات الجدارية القديمة والثمينة.
ومن أهم المعالم الإسلامية في ولاية سينوب جامع علاء الدين كيكوباط، الذي شيّد مباشرة بعدما فتح السلطان السلجوقي الأناضولي عز الدين كيكاوس الولاية عام 1214. 
ولأن السعادة مطلب البشرية وضالتها في زمن الحروب والاستقواء، يعتبر مؤشرها، إلى جانب الصحة، الأعلى بين الولايات التركية. ويفيد استطلاع للرأي أجرته هيئة الإحصاء التركية أن نسبة 59 في المائة ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم سعداء، وأن مدينة سينوب حلّت في المركز الأول بنسبة 77.7 في المائة منهم.