المعابر الحدودية في سورية قضية شائكة منذ فترة طويلة بين أطراف النزاع. وقد أغلقت كلها العام الماضي باستثناء معبر باب الهوى لنقل المساعدات، أما إلغاؤه فيعني موت كثيرين.
شهد العام الماضي تمديد قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بنقل مساعدات إنسانية إلى سورية، وذلك بعد انتهاء مفعول سريانه الذي استمر ست سنوات، وذلك بموجب مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا لحصر آلية نقل المساعدات الأممية لمدة سنة واحدة عبر معبر باب الهوى المحاذي للحدود مع تركيا. وينتهي مفعول التمديد في 10 يوليو/ تموز2021، في وقت باتت الأوضاع الإنسانية خطرة جداً خصوصاً في شمال غربي سورية التي تعاني من شحّ كبير في المساعدات الإنسانية، ما يطرح تساؤلات كثيرة عن الخطوات التي يجب أن تتخذها الجهات المانحة لمواجهة نقص التمويل، وصولاً حتى إلى انعدامه بالكامل.
يقول مدير فريق "منسقو الاستجابة" محمد حلاج لـ "العربي الجديد" أن المساعدات الإنسانية المرسلة إلى سورية لن تشهد انخفاضاً في الكميات، بل عدم إدخالها بالكامل، لأن انتهاء تفويض قرار مجلس الأمن رقم 2533 لعام 2020 في 10 يوليو/ تموز سيُوقف كل المساعدات الأممية التي تدخل من معبر باب الهوى إلى مناطق شمال غربي سورية. وسيؤثر ذلك على مدنيين كثيرين في المنطقة". ويشدد حلاج على أن "عدم تجديد التفويض سيحرم 1.8 مليون مستفيد من المساعدات الغذائية، كما سيواجه حوالي 2.3 مليون شخص مشكلات في الحصول على خدمات المياه وخدمات أخرى مختلفة. ولن يتوفر الخبز المجاني، وهو العصب الأساس للغذاء في الأسر، لأكثر من مليون شخص. وستطرأ مشكلات في القطاع الطبي عبر خفض خدمات المراكز الصحية بنسبة 50 في المائة. وفي الإجمال ستفتقد المخيمات نسبة 75 في المائة من خدماتها، ويتأثر عمل المنظمات التي تتعامل مع الأسر مباشرة".
ويرى حلاج أن الحلول المتوفرة "ليست ذات تأثير بالغ في مواجهة كارثة وقف نقل المساعدات الأممية عبر الحدود، وبينها التحوّل إلى القسائم المالية والشرائية، ومنح الجمعيات والمنظمات داخل البلاد دعماً مباشراً. لكننا نتفهم أيضاً المخاوف التي تطرحها آلية نقل المساعدات الأممية، وبينها إمكان استهداف الطيران الحربي السوري أي قافلة تعبر الحدود، وهو ما حصل سابقاً في منطقة أورم بمحافظة حلب، وأدى إلى تدمير رتل محمّل بمساعدات إنسانية. كما أن عمل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة خارج مناطق سيطرة النظام، حيث يقدم 120 ألف سلة غذاء، يزيد التوترات الأمنية". بالنسبة إلى حلاج فإنّ "المشاريع التي يجب التركيز عليها تشمل تحسين وضع المخيمات بالكامل على صعيد إيواء اللاجئين ونوعية الخيم، والاستمرار في تقديم مساعدات غذاء، وتنفيذ مشاريع توفر أموالاً نقدية في مقابل العمل، وهو أمر أفضل لأولئك القادرين على العمل من مشاريع السلة الغذائية التي قد تفيد الحالات الخاصة تحديداً. كذلك فإنّ مشاريع العمل تحقق استقراراً أكبر للأسرة".
وحول خطوات مواجهة خفض الدعم يقول مدير الإعلام في منظمة "ساعد" الخيرية حسين الموسى لـ "العربي الجديد": "هناك شح في الدعم المقدم مقارنة بحجم احتياجات النازحين شمال سورية، ما يجعل المنظمات تتجه نحو مصادر أخرى مثل جمع تبرعات كما تفعل الأمم المتحدة من خلال إقناع المانحين بمد يد المساعدة والبحث باستمرار عن شركاء جدد". يضيف: "تنسيق المنظمات العاملة في الميدان مع بعضها بات أمراً ضرورياً، كي لا يحدث أي تضارب أو تكرار في توزيع المساعدات أو استهداف لشرائح دون أخرى". يتابع الموسى: "أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، خلال تعقيبه على موضوع تجميد قرار نقل المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي، إلى أنه يحاول إيجاد آليات عمل أخرى لا تتعارض مع القوانين الدولية المطبقة، من أجل تفادي بقاء نازحين في شمال سورية بلا مساعدات. لكن الموقف لا يزال غامضاً حتى الآن، وكل العيون تنظر وتترقب قرار مجلس الأمن في نهاية الشهر الجاري". ويشير إلى أن الاحتياجات كثيرة ومتعددة في شمال سورية، والأولوية تعطى لاستمرار تقديم الخدمات التي تنقذ الحياة، مثل المياه والمأوى والمساعدات الغذائية.وعن تطلعات المرحلة المقبلة، يوضح الموسى أن "معبر باب الهوى، وهو المنفذ الوحيد المتبقي، يلبي احتياجات نقل المساعدات. لكن مشقة النقل زادت في الداخل، بعد غلق معبر باب السلامة الرديف لباب الهوى. واليوم تنشد المنظمات إبقاء قرار العمل عبر الحدود، أو إيجاد آليات مشابهة تضمن وصول المساعدات للفئات المتضررة من الصراع، خصوصاً الفئات التي تقطن المخيمات".
وفي الشمال السوري، يتطلع النازحون والمهجرون إلى استمرار وصول المساعدات الإنسانية إليهم، نظراً إلى ظروفهم الصعبة وواقعهم المعيشي السيئ، وبينهم اللاجئة من ريف حمص الشمالي فاطمة بكرو (43 عاماً)، وهي ربة منزل تقيم في مخيم للنازحين قرب مدينة سرمدا، شمالي محافظة إدلب. تقول بكرو لـ "العربي الجديد": "حصلنا على سلل غذاء عندما وصلنا إلى المنطقة عام 2018، لكن المساعدات بدأت تتراجع تدريجياً، قبل أن تنعدم قبل أكثر من عام ونصف العام، علماً أن هذه المساعدات القليلة لا تحل أزمة، فزوجي توقف عن العمل، ونحن لا نملك قطعة أرض لزرعها، لذا نعيش يوماً بيوم، ولا نفكر بالمستقبل".
تجدر الإشارة إلى أن المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية، هي شريان حياة لملايين السكان في مناطق شمال غربي سورية، خصوصاً المنطقة غير الخاضعة لسيطرة النظام من محافظة إدلب المكتظة بالمخيمات التي فقدت الجزء الأكبر من أراضيها الزراعية التي كانت تشكل سلة غذاء تنقذ السكان، وتبعد عنهم شبح المجاعة.