في سورية، راحت تُستخدَم القنابل والمفخخات وغيرهما في فضّ النزاعات العائلية والمجتمعية. وقد سُجّلت حوادث عديدة في مناطق سيطرة النظام في الأسابيع الأخيرة، ذهب ضحيتها عشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، وسط غياب أيّ تحرّك رسمي لوضع حدّ لفوضى انتشار السلاح بين الأهالي.
في 23 أغسطس/ آب الماضي، ضجّت وسائل إعلام النظام وصفحات التواصل الاجتماعي بحادثة مقتل الطبيب كنان علي المتخصص في أمراض القلب في عيادته في اللاذقية شمال غربي البلاد، من خلال تفخيخ جهاز قياس حرارة إلكتروني، كان يستخدم في إطار الفحوص في إطار التدابير المتخذة وسط أزمة كورونا، بحسب ما كشفت وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري. وأفادت صفحات موالية للنظام بأنّ القاتل ضابط مهندس متفجّرات في إحدى المليشيات ويسكن في جبلة في محافظة اللاذقية، وأنّ عملية القتل أتت على خلفية خلاف شخصي بين الرجلَين، نظراً إلى ارتباط علي بالخطيبة السابقة للضابط المهندس.
وبعد شهر من هذه الحادثة، وقعت أخرى أمام القصر العدلي في طرطوس غربي البلاد في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ أقدم أحد الأشخاص على إلقاء قنبلة على محامي بسبب خلافات عائلية بينهما، ما أدّى إلى وفاة المحامي وإصابة ملقي القنبلة وشقيق المحامي الذي كان برفقته، إلى جانب ثلاثة ضباط وثلاثة عناصر من قيادة شرطة محافظة طرطوس ومدنيَّين اثنَين كانا موجودَين في المكان. وقد كشفت التحقيقات أنّ ملقي القنبلة هو مقاتل سابق في مليشيا الدفاع الوطني.
وبعدها بأيام، أقدم عنصر تابع لإحدى لمليشيا "أبو الفضل العباس" ويدعى عبد العزيز كنعان على قتل زوجته بإطلاق الرصاص عليها في منطقة السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق، بعد خلاف نشب بينهما. وأفادت التحقيقات التي نشرتها وسائل إعلام النظام بأنّ الحادثة وقعت إثر خلاف حصل بين الرجل وزوجته بسبب امتناع الأخيرة عن مرافقة والدته إلى حفل زفاف. وذكرت صفحات موالية للنظام أنّ القاتل معروف بصيته السيئ، فهو عمد في إحدى المرات إلى إطلاق الرصاص على واجهة أحد المحلات، فأصاب عدداً من الزبائن بعدما رفض صاحب المحل إعطاءه بضائع بالدين. كذلك ضرب رجلاً مسناً لأنّه أجبره على التوقّف إلى حين عبوره الشارع، وغير ذلك.
وقبل أيام قليلة، شهدت بلدة عين الجاش في ريف طرطوس، قيام رجل مسنّ برمي قنبلة على زوجته وأولاده الثلاثة الذين كانوا جالسين في غرفة النوم، ما أدّى إلى إصابة اثنَين منهم بشظايا في الظهر والوجه. وذكرت صفحات محلية أنّ سبب الحادثة يعود إلى خلاف عائلي بين الزوج والزوجة أدّى بعد ذلك إلى تصاعد الغضب لدى الزوج وقيامه بتفجير القنبلة وإصابة ابنه وابنته اللذَين نُقلا إلى المستشفى، في حين سلّم الأب نفسه إلى الجهات المختصة.
ويقول الحقوقي محمد النصار لـ"العربي الجديد" إنّ "مثل هذه الحوادث وما يُتداوَل يومياً عن الاستخدام العشوائي للسلاح يثيران القلق والخوف في المجتمع السوري، خصوصاً أنّ النظام لم يعلن حتى الآن عن اتّخاذ أيّ إجراء يحدّ فيه من انتشار السلاح بين الأهالي. وهو بخلاف ذلك يبدو مرتاحاً إلى هذه الفوضى التي يريد من خلالها توجيه رسالة إلى الشعب السوري بأنّ الثورة عليه جعلت سورية تتصدّر قائمة الدول العربية بمعدّل الجريمة فيما تحلّ في المرتبة التاسعة عالمياً لعام 2021 بحسب مؤشر نومبيو للجريمة، بعدما كانت في المراتب الأولى بمعدّل الأمن والأمان".
يضيف النصار أنّ ما "يُنشر في وسائل الإعلام من حوادث قتل واعتداء بالسلاح، سواء بقصد السطو والسرقة أو لحلّ خلافات بين أشخاص، ليس سوى جزء بسيط ممّا يجري على أرض الواقع"، لافتاً إلى أنّه "13 اعتداءً من هذا النوع وقعت في يوم واحد في ريف الاذقية من دون أن تأتي وسائل الإعلام على ذكرها، وقد تمّ تداولها على صفحات محلية فقط". ويتابع النصار إلى أنّ "النظام قد يكون عاجزاً عن جمع السلاح من أيدي المليشيات التي قاتلت إلى جانبه وانتهى دورها الآن، لأنّ أعدادها كبيرة جداً، بالإضافة إلى أنّ هذه المجموعات وبعد عشر سنوات من حمل السلاح والتمتّع بالنفوذ، لن تتخلّى عن سلاحها بسهولة حتى لو دفعها ذلك إلى الدخول في مواجهة مع السلطة والمجتمع".
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي السابق إسماعيل العمري في كليات التربية في سورية والسودان لـ"العربي الجديد" إنّ "الخوف من انتشار السلاح بين المدنيين واستخدامه لا يعود إلى الخوف من الحوادث الفردية فحسب إنّما إلى الخشية من تتحوّل تلك الحوادث إلى عمل ومهنة لمجموعات منظمة بقصد السرقة أو القيام بعمليات تهريب عبر الحدود أو حتى ترويع المجتمع واستعادة النفوذ الذي كانت تتمتع به". ويلفت العمري إلى أنّ "ما يفاقم الخوف، هو الظروف المعاشية الصعبة بالإضافة إلى عجز السلطة عن فرض سيطرتها على كامل المجتمع".
لكنّ العمري يوضح أنّ "الأمر لا يتعلّق فقط بالميليشيات التي أسّسها النظام في مناطقه، إنّما كذلك يخص المقاتلين السابقين في الفصائل العسكرية التي كانت تابعة للمعارضة"، مشيراً إلى أنّ "هؤلاء يشكلون اليوم عبئاً كبيراً على مجتمعاتهم ويمارسون العنف بقوة السلاح الذي يحملونه. وبالتالي لا بدّ من أن يكون الحل بنزع السلاح من أيدي الجميع".