نهشت الحرب أجساد السوريين، فمن سلم من الموت لم يسلم من إصابة، لا سيما بتر الأطراف. هذه حال نحو 86 ألف سوري ممن خسروا أحد أطرافهم أو أكثر من واحد
في مطلع العام الجاري، أعلن المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية، عن إحصائية أوضح فيها أنّ 6107 أشخاص استفادوا من الأطراف الصناعية التي قدمها مجاناً خلال السنوات السبع، منذ تأسيس المركز. قدم المركز 8875 طرفاً صناعياً وجهاز تقويم للعظام، وبلغ عدد الأطراف الصناعية 6970 طرفاً، من بينها 6264 طرفاً سفلياً و706 أطراف علوية، أما أجهزة التقويم فبلغت 1905، منها 1803 سفلية و102 علوية. كذلك، قدم المشروع جلسات خاصة بالأطراف الصناعية، والدعم النفسي، وتقويم العظام، وإدارة الحالة، والعلاج الفيزيائي، وبلغ عددها الكلي 25.720 جلسة.
حول صعوبات العمل في مجال الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل، مع الأعداد الكبيرة من فاقدي الأطراف في سورية، التي تبلغ نحو 86 ألف شخص، بحسب أرقام أممية، يقول هشام الصالح، مدير المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية لـ"العربي الجديد" إنّ الصعوبات تتركز في مجالات الخبرة العلمية والتدريب، واستخدام التقنيات لتقويم الأطراف بكفاءة عالية، بالإضافة لاختيار الطرف المناسب لحالة البتر. وقد تجاوز المركز خلال السنوات الماضية كثيراً من تلك الصعوبات، بدءاً بمرحلة الطرف البلاستيكي وصولاً إلى مرحلة الأطراف المعدنية بأشكالها المتعددة من خلال خبرات تراكمية اكتسبها الكادر الفني في المركز إلى جانب الدراسة الأكاديمية التي تمت بالتعاون مع منظمة "هيومن ستادي" الألمانية المختصة بالأطراف الصناعية والتقويمية، واعتماد التطوير المستمر والدورات المتنوعة.
يتابع الصالح أنّ من بين التحديات التي تواجه المركز في الوقت الحالي انخفاض التمويل اللازم للعمل في الداخل السوري، فهذا المشروع بحاجة لتمويل كبير مقارنة ببقية المشاريع، خصوصاً مع العدد الكبير لفاقدي الأطراف في سورية، وهو ما يتطلب زيادة الطاقة الإنتاجية في هذا المجال على الدوام، وزيادة عدد المختصين فيه. يضيف أنّ من صعوبات العمل أيضاً التحول من عملية توفير طرف فحسب، إلى عملية إعادة تأهيل متكاملة، فهناك من لديهم بتر يتعرضون لأزمات نفسية ويحتاجون دعماً، كما يمرون في ظروف جسدية صعبة بعد البتر، مثل ضمور العضلات، وبعد الحصول على طرف يجب العمل على إعادتهم للحياة ودمجهم فيها، وهذا كله لا بدّ من أن يتم وفق عملية إعادة تأهيل متكاملة لهم.
يقول الصالح إنّ الرقم الذي يشير إلى 86 ألف سوري لديهم بتر في الأطراف، هو رقم قريب من الواقع، مؤكداً أنّ هناك انتشاراً كبيراً لهذه الفئة، إذ يتوزعون بين الشمال السوري وتركيا. ويعلق: "لم نجد إحصائية دقيقة في هذا الخصوص، لكنّنا نستقبل كلّ يوم حالات جديدة تزور مراكزنا للمرة الأولى". أما عن إيجد آلية لإحصاء مبتوري الأطراف في سورية، فيؤكد الصالح أنّ عملية الإحصاء تحتاج إلى تعاون بين جميع القطاعات والمؤسسات العاملة بشكل منسق، لمعرفة الأرقام بشكل دقيق على أرض الواقع، وإعداد خطط مدروسة والعمل عليها. وهناك حاجات متزايدة دوماً في هذا القطاع، كما يؤكد الصالح، وهو ما يتطلب توفر كادر علمي وفني ضخم لسدّها، وهو ما لا يمكن تجاوزه إلا من خلال تأهيل المختصين والفنيين. ويتولى المركز حالياً تأهيل عشرين فنياً لسدّ حاجة مراكزه الثلاثة في مدن إدلب والباب في سورية والريحانية جنوبي تركيا، بينما يجري العمل على خطة موسعة لرفد مراكز أخرى بمختصين في هذا المجال. وفي ظل تفشي فيروس كورونا الجديد، التزم المركز ببروتوكولات الوقاية كافة، مع تحديد مواعيد لمراجعيه، والعمل على حملات توعية في هذا الخصوص.
من جهتهم، يصعب على كثيرين ممن فقدوا أطرافهم، التأقلم مع الحياة مجدداً بسهولة، بل يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، ومنهم خالد (45 عاماً) الذي اصيب بلغم أرضي عام 2019 شمالي سورية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الصعوبات النفسية أكبر من الصعوبات الجسدية، فالقبول بفقدان الطرف ليس سهلاً، لكن، مع الزمن يمكن التغلب عليه. يتابع خالد: "بعد نحو ثمانية أشهر على البتر في طرفي الأيمن السفلي، بدأت أتأقلم تدريجياً مع حياتي، ومؤخراً بدأت في استخدام الطرف الصناعي. أعاني من بعض الصعوبات في ذلك لكنّ الفنيين أكدوا لي أنّها مؤقتة، إذ سأعتاد عل الطرف وأعتاد على حياتي معه".
من جهته، يقول الشاب نجم الذي أسس متجراً للحلويات خاصاً به في مدينة كركرخان، جنوبي تركيا: "تقبلت الإصابة وفقدان ساقي لأنّ هذا قدري، لكنّ حياتي باتت صعبة جداً بعد البتر مباشرة. أما الآن فقد عدت إلى حياتي الطبيعية بعد الحصول على طرف، ويمكنني العمل، والسفر، وفعل ما أريد".