تلقي مأساة الزلزال الذي ضرب المغرب الجمعة الماضي بقوة سبع درجات على مقياس ريختر بظلالها على قرية أغرمان بمنطقة أداسيل في إقليم شيشاوة، رغم أن المنازل المحاذية لها لا تظهر قسماً كبيراً من الدمار داخلها، ما يجعلها تبدو كأنها شجرة تخفي غابة من المعاناة والألم والحزن.
قد يصح قول مراقبين ومحللين إن المغرب تجنب الأسوأ من تركّز الزلزال في منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة في جبال الأطلس الكبير، لكن ذلك لا يعني أن التأثيرات لن تكون كبيرة على هذه المنطقة والبلاد عموماً.
في قرية أغرمان تنتظر سعيدة (28 عاماً)، وهي حامل في شهرها التاسع، مولودها على أحر من الجمر، وكذلك سكان القرية الذين كانوا متحمسين للاحتفال بالمناسبة السعيدة، لكن الزلزال المدمر الذي هزّ القرية حوّل أمنياتهم إلى كابوس لا يعرفون كيف يتعاملون معه وسط واقع ميداني صعب جداً.
تجلس سعيدة بين نساء البلدة اللواتي ينتظرن المعونات، فجميعهن بالكاد قادرات على تناول وجبة واحدة في اليوم بعد تدخل بعض أبناء القرية لتوفيرها. وهي لا تستطيع فعل شيء في وقت يمكن أن تضع مولودها في أي لحظة، أما الباقون فمنشغلون بحالهم بعدما دمّر الزلزال ركن الهدوء في حياتهم الجبلية، وجعل مصيرهم في مهب الريح.
وتتحدث سعيدة التي تتكلم اللغة الأمازيغية لـ"العربي الجديد" عن معاناتها في النوم بالعراء وعلى أرض صلبة، وتكرارها مطالبة النساء مرات أن يساعدوها كي تنقلب على اليمين واليسار، علماً أنها تعاني أيضاً من انتفاخ في قدميها.
وتخبر نساء يُحطن بسعيدة إنها لا تقوى على النهوض، وأن بوادر الولادة ظاهرة عليها خاصة مع نزول مياه السلا المحيطة بالجنين في الأيام الثلاثة التي تلت كارثة الزلزال.
وفي انتظار لحظة وضع مولودها تتألم سعيدة في صمت، وهي تنظر إلى حجم الدمار الكبير الذي لحق بالقرية، وتستنشق الروائح التي تنبعث من قطعان الماشية التي نفقت تحت ركام الحظائر. وهذه الروائح تهدد صحة السكان التي لا بدّ أن تتأثر أيضاً بانتشار الركام في كل مكان، علماً أن بيوت القرية مبنية بالطين، بحسب الطريقة التقليدية المعتمدة في المنطقة الجبلية ذات الطبيعة الخاصة، وانهيارها لم يترك لكثيرين فرصاً كبيرة للنجاة.
والحقيقة أن طريقة بناء المنازل في القرية، وتضمنها حظائر للمواشي في جزئها الخلفي تحديداً لتسهيل مستلزمات رعايتها وإطعامها، والذي يفصل بينه وبين البيت باب وحائط، عقّد الأمور بعد كارثة الزلزال، فالناس مضطرون للجلوس قرب المنازل لمحاولة جلب ما يمكن إنقاذه من أثاث وأغطية، ما يجعلهم فعلياً على مسافة قصيرة من مواقع نفوق القطعان التي ما زالت رائحتها منبعثة.
ولا يشمل حديث سكان القرية عن قطعان الماشية عدداً قليلاً، بل أعداد تصل إلى المئات مثل مربي ماشية ضم قطيعه 300 رأس استطاع إنقاذ أكثر من مائة منها، ما يعني أن نحو 200 رأس نفقت تحت الأنقاض مع ما يرافق ذلك من تداعيات صحية على المحيط.
قصص معاناة سكان القرية لا تُعدّ ولا تحصى. فقد بعضهم كل ما يملكون، وآخرون فقدوا ماشيتهم وهي مورد رزقهم الوحيد. ويؤكد كثيرون أن التعامل مع هذه الظروف الشديدة الصعوبة يستلزم تدخلاً خاصاً من أطقم الإنقاذ التي ما زالت تعمل على الأرض.
وأعلنت وزارة الداخلية المغربية ليل أول من أمس الأحد أنها أجرت تقييماً دقيقاً للاحتياجات الميدانية كشف أن "عدم التنسيق بين الأجهزة في هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية". أضافت الوزارة: "استجابت السلطات المغربية في هذه المرحلة تحديداً لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة إسبانيا وقطر وبريطانيا والإمارات التي أرسلت فرقاً لتنفيذ مهمات بحث وإنقاذ".