كانت ردود الأفعال متباينة وسط أسرتنا والأصدقاء حين علموا برغبة ابنتي الوحيدة في دراسة الزراعة، لاعتقادهم أنّ دراسة الطبّ والصيدلة أجدى من هذا التوجّه. ولم تحظَ وجهة نظرها بالقبول لدى بعضهم، فهي ترى أنّ بيئات السودان المختلفة في حاجة إلى الإصلاح، وهو ما لن يتأتى إلا عبر الاهتمام بالزراعة، والنجاة من التدهور البيئي والاقتصادي. كانت قد اختارت الإرشاد الريفي تخصصاً، تدخله من بوابة نشر الوعي البيئي، وتُدخل معها آخرين عملاً بشعار "البيئة تحتاج إلى أكثر من تضامن". وقتها لم تكن ثورة الشباب (2018- 2019) قد اندلعت لتسفر عن وجه مشرق لشباب يعون دورهم نحو بيئتهم ووطنهم وقضاياه المصيرية، ويرفعون سقف أحلامهم كلما أنجزوا جديداً.
واليوم، ها نحن نتابع بفرحٍ غامرٍ توجهات فئة واسعة من الشباب نحو التنمية والإنتاج المستدام، ما جعل الحوارات حول هذا الشأن تشغل منصات التواصل الاجتماعي، ومعها لقاءات المسؤولين في القطاعين العام والخاص، وتدفع بالقطاع الثالث (المدني) إلى تبني أفكارهم حول تهيئة بيئة التعلم، وتوفير الحاضنات العلمية والفكرية، بل يسعى معهم لإيجاد التمويل اللازم، والاهتمام بالتعليم التحويلي. كذلك، انتشرت مجموعات الزراعيين لتضم حتى من لم يدرسوا الزراعة، وازداد الاهتمام بالتعاونيات البيئية والزراعية المبنية على الإنتاج المستدام.
عدد لا يستهان به من الشباب من الجنسين دخلوا المجال مدفوعين بنجاح ثورتهم ليعملوا على التغيير الإيجابي في المجالات كافة، على أمل أن تتولى الجهات المسؤولة تصحيح السياسات الزراعية، وتفعيل أحكام دراسات الأثر البيئي للمشاريع، وتعديل قوانين الاستثمار في المجال الزراعي بشقيه النباتي والحيواني. واليوم، أصبحنا أيضاً نسمع بالزراعة العضوية، والزراعة المختلطة، والسماد العضوي وإنتاج الكمبوست (سماد) بالمنزل، وما إلى ذلك من موجبات الحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية وإعادة تأهيلها وتطويرها.
كانت الزراعة منذ قديم الزمان تعتمد على المزارع المختلطة والدورات الزراعية، ولم نعرف استخدام الأسمدة الصناعية إلا في العصر الحديث، بعد ازدياد سكان المعمورة، وزيادة الحاجة للغذاء بزيادة الرقعة الزراعية، والتوجه إلى رفع الإنتاجية رأسياً باعتماد الأسمدة والمخصبات، لتزداد بالتالي مخاطر التلوث البيئي بالمواد الكيميائية الزراعية، على الرغم من أنّ التسميد العضوي/ الحيوي قد حظي بالاهتمام والتفضيل لدى العلماء وأصدقاء البيئة على نطاق العالم. والحماس إلى هذا النوع ـ كما يورد الخبراء - يعود إلى كونه زهيد الثمن، ولا يحمل أيّ مهددات بيئية، كما أنّ له قدرة أكبر على الاستمرار في عطائه.
استخدام التسميد الحيوي مهم جداً في البلدان الفقيرة النامية مثل السودان، وغيره من الدول الأفريقية التي تعتمد على الإنتاج الزراعي ذي المدخلات المتدنية. وفي هذا فرصة للحفاظ على النظم البيئية وعطائها الموازي لعمليات إنتاج البشر لغذائهم، وسبل راحتهم الأخرى، فهل تجد توجهات الشباب قبولاً لدى حكوماتهم؟
(متخصص في شؤون البيئة)