ما زال ألم النكبة ومشاهد سقوط قرية اللجون ترافق زياد أمين محاجنة، ويؤكد أنّه شاهد على النكبة الفلسطينية وعلى تهجير أهل قريته في الداخل الفلسطيني.
وتحت شعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، يحيي فلسطينو الداخل، بعد غد الأربعاء، الذكرى الـ75 للنكبة بزيارة قرية اللجون. والقرية التي أُقيمت على أرضها مستعمرة مجيدو بعد النكبة، تقع على بعد 16 كيلومتراً إلى شمال غرب جنين، ونحو خمسة كيلومترات إلى شمال أمّ الفحم في المثلث الشمالي. وحتى عام النكبة، سكن نحو 1250 فلسطينياً في اللجون التي عُرفت بخصوبة أرضها التي زُرعت بالبطيخ والقمح والشعير والعدس والباذنجان وغيرها.
في عام 1948، عندما هُجّر زياد محاجنة مع عائلته من اللجون، كان يبلغ من العمر خمسة أعوام فقط. هو اليوم يسكن في مدينة أمّ الفحم التي لا تبعد عن قريته المهجّرة إلا كيلومترات قليلة، ويصرّ على زيارة اللجون مرّات عدّة أسبوعياً، علماً أنّه في كلّ مرّة يقشعرّ بدنه بحسب ما يقرّ.
يخبر محاجنة "العربي الجديد": "وُلدت في شهر يناير/ كانون الثاني من عام 1943 في اللجون. لي شقيقان، أحدهما يُدعى زيدان وقد توفي وهو صغير ودُفن في مقبرة اللجون. أمّا شقيقي الثاني محمد فهُجّر معنا في عام النكبة، وتوفي في وقت لاحق في أمّ الفحم". يضيف: "ترعرعت في اللجون حتى الخامسة من عمري، وشربت من مياه عين الحاجة، ولعبت في البساتين وأكلت من ثمارها"، مؤكداً: "أذكر بيتنا جيداً وساحته. وأمام المقبرة، زرع والدي الأرض بالبطيخ".
ويشير محاجنة إلى أنّ "قريتنا كانت مزدهرة، فيها فندق ومدرسة ومحطة حافلات وعيادة صحية ومسجد"، لكنّها سقطت في 30 مايو/ أيار من عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية. ويقول: "أذكر ذلك اليوم. فقد جاء عمي إلى بيتنا ونادى على والدي وأخبره أنّ عبد الحميد استشهد"، شارحاً أنّه كان "مقاوماً عراقياً". ويتابع: "على الفور، بدّل والدي ثيابه ولبس سروالاً عسكرياً. وعندما أراد الخروج من الدار، أذكر أنّني بكيت ورجوته ألا يفعل.. لكنّه خرج".
ويكمل محاجنة سرده: "أذكر أنّنا رحنا نسمع إطلاق نار وصراخاً في تلك الليلة، فخفنا. ثمّ راح أهالي القرية يغادرونها ليحموا أنفسهم وأولادهم، على أن يعودوا إليها بعد أن تهدأ الأوضاع. وفي ذلك الحين، خرجت والدتي من البيت مسرعة، ولم أستطع اللحاق بها، فبقيت أبكي في ساحة الدار، حتى جاءت عفيفة حمدان، شقيقة الشهيد يوسف حمدان، وحملتني واصطحبتني معها. ثمّ وضعتني على بغل إلى جانب طفل آخر، لنصل في النهاية إلى أمّ الفحم".
وبعد أن وصلوا إلى أمّ الفحم، يروي محاجنة: "توجّهنا إلى بيت لنا كان يسكنه أناس. لم نستطع إخراجهم منه، فصعدنا إلى السطح حيث بقينا مدّة ثلاثة أيام مع عائلتَي عمَّين لنا. ورحنا نتناول الخبيزة التي كانت قد نمت ووصلت إلى سطح البيت الذي بُني من الطين، وشربنا البابونج الذي وجدناه على الأرض هناك. وبعد ثلاثة أيام، خرج هؤلاء الناس من بيتنا، فسكنّا جميعاً فيه مدّة أسابيع، وقسمناه إلى ثلاثة أقسام من خلال تعليق بطانيات فيما بينها".
ولا ينسى محاجنة أنّ والده استطاع، بعد سقوط اللجون، "جلب بقرتَين وحصان أصيل معه إلى أمّ الفحم. وحتى اليوم، ما زلت أذكر اسمَي البقرتَين؛ عطيرة وهلالة. لكنّ والدي لم يستطع تحمّل ضعف الحصان، فأطلق أحد عمَّيّ سراحه وقد فكّ رسنه".
ويذكر محاجنة أنّ "العصابات الصهيونية كانت قد وعدت مختار اللجون أسعد محمد بدير بأنّها سوف تعيد الأهالي إلى القرية، لكنّ أيّاً منهم لم يعد وقد صودرت الأراضي بغالبيتها".
واليوم، يصطحب محاجنة أحفاده في زياراته لقريته، ويروي لهم عنها وعن القضية. ويصف ما يشعر به بأنّه "صعب جداً، وتكاد أنفاسي تنقطع في كلّ زيارة، خصوصاً أنّ المستوطنين يزرعون أرضنا وقد وضعوا لافتة كتبوا عليها: الرجاء حافظوا على الأرض لأنّها رزقنا".