زواج الأطفال... ظاهرة مستمرّة في مصر

13 مايو 2022
لا يُدرك كثيرون مدى خطورة زواج الأطفال (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال أيام عيد الفطر الذي حلّ مؤخراً، أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر إحباط 27 حالة زواج أطفال بمحافظات الجيزة والشرقية والدقهلية والبحيرة والإسكندرية وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج. وأبرز هذه الحالات، بحسب نائب وزيرة الصحة والسكان المصري طارق توفيق، تمثلت في هرب فتاتين (16 عاماً)؛ الأولى كانت تقيم في مركز كوم حمادة في محافظة البحيرة، وهربت بسبب عزم والدها تزويجها عرفياً خلال عيد الفطر، قبل أن توقفها شرطة محطة سكك حديد مصر. ولدى سؤالها عن سبب صعودها القطار من دون أي أوراق رسمية، قالت إنها تتعرض للضغط من قبل والدها وشقيقيها لتزويجها من أحد الأشخاص، الأمر الذي اضطرها إلى الهرب، فتم تحرير محضر في نيابة شبرا الجزئية بالقاهرة، واستدعي والدها الذي تعهد بالاستجابة لطلب الطفلة وفسخ خطبتها، على أن تُتابع حالتها.
أما الحالة الثانية، فكانت إخطار من نيابة الأميرية الجزئية بهروب طفلة بعد محاولة والدها تزويجها لشخص يبلغ من العمر 28 عاماً في محافظة المنوفية، حيث سافر بها لإتمام الخطوبة لتكتشف أن هناك حفل زفاف، فهربت قبل عقد القران. وسُلّمت الطفلة لشخص مؤتمن على إعالتها بعد تعريضها للخطر من قبل والديها، واحتجز الأب على ذمة التحقيقات. وأوقفت الزيجات بالتعاون مع النيابة العامة ووزارة الداخلية ولجان حماية الطفولة في المحافظات والجمعيات الشريكة، وجرى تفعيل خط نجدة الطفل. وقدمت جلسات توعية وإرشاد أسري لعائلات الفتيات حول مخاطر وأضرار زواج الأطفال، وقد وقعت العائلات على تعهدات بعدم إتمام إجراءات الزواج قبل بلوغهن السن القانونية.
تعرّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" زواج الأطفال بأنه أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفل تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر. وتشير إلى أنه في الوقت الذي تراجع فيه انتشار زواج الأطفال في جميع أنحاء العالم، وذلك من واحدة من بين كل أربع فتيات تزوجن قبل عقد من الزمن، إلى حوالي واحدة من كل خمس فتيات في يومنا هذا، لا تزال هذه الممارسة واسعة الانتشار. وتدعو أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلى اتخاذ إجراء عالمي لإنهاء انتهاك حقوق الإنسان هذا بحلول عام 2030.
وفي مصر، يعد زواج الأطفال ظاهرة مجتمعية منتشرة، خصوصاً في الصعيد والأرياف. وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في آخر مسح ديموغرافي صحي في مصر، أن 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاماً متزوجون أو سبق لهم الزواج. المسح الديموغرافي نفسه أشار إلى أن محافظات الصعيد (جنوبي البلاد) هي الأعلى لناحية معدلات الزواج والطلاق، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية (البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان) أقل نسبة في زواج الأطفال.

وبحسب مسح صدر عام 2013 عن مركز البحوث الاجتماعية في الجامعة الأميركية في القاهرة، فإن 17 في المائة من المصريات تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً. وشمل المسح 4000 مصرية تراوحت أعمارهن ما بين 10 و29 عاماً، من بينهن 4.6 في المائة تزوجن قبل إتمام سن 16 عاماً. وفي عام 2021، أعد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة كشفت أن 20 أسرة (شملتها الدراسة) وافقت على تزويج بناتها من دون التقيد بالسن القانوني، أي قبل إتمام 18 عاماً، فيما رفضت 80 في المائة من الأسر الزواج المبكر للفتيات على اعتبار أنه يحرمهن من فرص كثيرة.
وفي دراسة أعدتها كل من مؤسسة "فورد" الأميركية (تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والحد من الفقر وتعزيز التفاهم الدولي) والجمعية المصرية لدراسات السكان والصحة الإنجابية، عن العلاقة بين تراجع تعليم المرأة وزواجها المبكر، تبين أن الكثيرات ممن تزوجن مبكراً كانت لديهن صعوبة في الحصول على التعليم؛ فمن بين 300 امرأة (شملتهن الدراسة)، 42 في المائة منهن تزوجن قبل سن 18 عاماً وكن أميات، بينما أكملت 5 في المائة منهن تعليمهن الثانوي ولم تحصل أي منهن على شهادة جامعية.

عرس شعبي في مصر (كريس ماغكراث/ Getty)
عرس شعبي في مصر (كريس ماغكراث/ Getty)

ومع ذلك، تبقى هذه الأرقام، سواء الصادرة عن جهات رسمية أو غير رسمية، غير دقيقة، نظراً لأن تلك الظاهرة المجتمعية تبقى طي الكتمان، إذ يُزوّج الأطفال خارج إطار القانون، وتحميها قطاعات عريضة من المجتمع المصري. وللحد من انتشار هذه الظاهرة، وافق مجلس الوزراء المصري، في 12 إبريل/ نيسان الماضي، على مشروع قانون بشأن حظر زواج الأطفال بهدف الحد من هذه الظاهرة التي تمثل جريمة في حقهم. إلا أن المشروع أجاز لذوي الشأن تقديم طلب إلى رئيس محكمة الأسرة للإذن بتوثيق عقد زواج من لم تبلغ 18 عاماً في جرائم الاعتداء على العرض والاغتصاب، شرط صدور حكم نهائي بالإدانة.
وقال مجلس الوزراء، في بيان رسمي، إن ظاهرة زواج الأطفال تُعَدّ اعتداءً صارخاً على مرحلة الطفولة لعدم اكتمال نموهم المناسب لتحمّل تبعات الزواج سواء الذكور أو الإناث، ولكونهم غير مؤهلين نفسياً وعقلياً لتحمّل مسؤولية تكوين الأسرة وتربية الأطفال، ما دفع إلى التدخل لمنع هذه الممارسات.
ونص مشروع القانون على عدم جواز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ 18 عاماً، ويتوجب على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة بوقائع الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً لم يبلغ 18 عاماً وقت الزواج، مرفقاً بصورة عقد الزواج العرفي، وبيانات أطرافه، وشهوده.

وفرض مشروع القانون عقوبات على كل من تزوج أو زوج ذكراً أو أنثى لم يبلغ 18 عاماً من العمر أثناء عقد القران، بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية. كما تقضي المحكمة على المحكوم عليه بالعزل إذا كان مأذوناً، أو موثقاً، أو وصياً على الطفل. كما يعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بالعقوبة نفسها، ولو لم يترتب عن التحريض أثر. ولا يُعد الطفل مسؤولاً مسؤولية جنائية أو مدنية عن الجريمة، ولا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عن الجريمة بمضي المدة.
ويعاقب مشروع القانون أيضاً بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة مالية، والعزل لكل مأذون أو موثق منتدب خالف الأحكام الخاصة بالإخطار عن وقائع الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً.

المساهمون