لم تدرك الصومالية زهرة عبد القادر أن محاولاتها تعلّم حرفة صباغة الملابس لإعالة أسرتها، ستصل بها يوماً إلى عالم التجارة من أوسع أبوابه، لتتجاوز منتجاتها حدود البلاد.
ظروف زهرة المعيشية بعد انفصالها عن زوجها، أجبرتها على العودة إلى كرسي الدراسة، فالتحقت بمدرسة حرفية في العاصمة مقديشو، تعلّم صباغة الملابس خلال 6 أشهر.
همّها الأكبر حينها كان كسب قوت عيالها عبر تعلم الصباغة، في ظل انسداد طرق إيجاد عمل، في بلد تتجاوز نسبة البطالة فيه 75%، مع عدد سكان يتعدى 17 مليون نسمة، وفق إحصائيات البنك الدولي عام 2021.
وينتشر الطلاق داخل الأسر الصومالية، بحسب إحصائيات غير رسمية، وترجع الأسباب في أغلبها إلى سوء الأوضاع الاقتصادية، ما يثقل كاهل الأمهات بتحمّل مسؤولية التربية وإعالة الأسَر بمفردهن.
تعلّم حرفة صباغة الملابس
صباح كل يوم، كانت زهرة تتردد على مدرسة تعليم صباغة الملابس، مخلّفة وراءها أطفالها، في محاولة لاكتساب الحرفة التي يزداد عدد الرجال العاملين فيها مقارنة بالنساء.
تقول زهرة، لـ"الأناضول": "قررت بنفسي مزاحمة الرجال في هذه الحرفة التي تتطلب جهداً وصبراً، رغم أنّ زميلاتي في المدرسة ترين أنها حرفة صعبة وليست مناسبة لهن كنساء".
وخلال 6 أشهر أمضتها زهرة بين جدران المدرسة، تعلمت دروساً نظرية في الصباح، وأخرى تطبيقية في المساء، تنوعت بين خلط الألوان وتشكيل الرسوم ودرجات الحرارة المناسبة.
ولمواجهة البطالة المنتشرة في البلاد، أطلقت هيئات محلية ودولية دورات وورش عمل خاصة للنساء، في محاولة لمساعدتهن على اقتحام سوق العمل وكسر البطالة في صفوفهن.
وبمجرد إنهائها الدورة التدريبية، بدأت زهرة ورشتها بمبلغ زهيد، كأول تجربة لها لإنتاج عشرات القطع من الملابس المصبوغة، بطلب من زميلاتها وسيدات من جيرانها.
في الورشة، تعاونت مع شابين لإتمام المهمة التي تبدو صعبة عند بداياتها، إذ تتزاحم الأفكار والأشكال ومحاولات تحويل الدروس إلى أمر واقع، بحسب زهرة.
الشابان يجهّزان الملابس، عبر ربطها بأشكال مختلفة، وخلط الألوان، وإعداد كل ما يحتاجه العمل لإنتاج قطع الملابس حسب طلب الزبائن.
محمد عمر، عامل في الورشة، قال إنّ "إخراج قطع الملابس ليس بالأمر الهين، إذ يسبقه عمل شاق يتطلب جهدا كبيرا وإتقان العمل"، مضيفًا لـ"الأناضول": "نضع الرسومات، ونربطها بالخيط حتى لا تختلط الألوان، ثم نخلطها مع مواد كيميائية، ثم نبخّر المياه، ثم نغمس الملابس في المياه المغلية، ثم نبرّدها ونجفّفها على الحبال تحت أشعة الشمس".
وعلى واجهة الورشة، تجذبك عشرات القطع من الملابس منقوشة بألوان زاهية، تتدلى من حبال غسيل يصل طولها إلى عدة أمتار، تنتظر تغليفها وتسليمها للزبائن.
تنظر زهرة بفخر إلى منتجاتها وتقول: "للوهلة الأولى، ساورني الشك، كيف ستكون خطواتي الأولى، وكيف سأكسب رضا زبائني رغم أنها تجربتي الأولى؟".
واستدركت: "لكن بفضل الله، النتيجة كانت مبهرة، والثناء يأتيني من كل الأطراف، ما يدفعني إلى مضاعفة جهدي وإنتاج مئات القطع من الملابس بشتى أنواعها وأشكالها".
بدأت زهرة العمل من منزلها، ثم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى سوق بكارة (الأكبر في العاصمة مقديشو)، حيث فتحت محلاً تجارياً يمكن للزبائن زيارته، وتتطلع إلى فتح فروع أخرى في أقاليم البلاد. ولسرعة انتشار منتجاتها من الأسواق المحلية إلى خارج الحدود الصومالية، باتت زهرة معروفة باسم "الساحرة"، إذ تأتي الطلبات إليها من تلك المناطق عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
رقية ظاهر، زبونة تتعامل مع متجر زهرة، قالت: "نناديها بالساحرة، كناية عن جهدها وسرعة انتشار منتجاتها خارج الحدود، فهي تلبي الطلبات مهما كان حجمها، مع حرصها على الجودة المطلوبة".
وأضافت ظاهر: "تابعتها عبر فيسبوك، من ثم اقتنعت بمعروضاتها من قطع الملابس التي تنتجها من ورشتها، فصرت زبونة لها منذ ثلاثة أعوام"، مشيرة إلى أن "نشاط متجرها لا ينطفئ طوال اليوم".
وتتنوع قطع الملابس التي تنتجها زهرة، إذ تلبي عروضها متطلبات النساء مهما اختلفت أعمارهن، سواء فساتين أو عباءات أو خُمر أو مفارش للأسرّة والوسادات.
وتختلف الأسعار لديها حسب الأقمشة المستخدمة وكميتها، ووفقا لحجم القطعة والأشكال التي يطلبها الزبون، ما يجعل الأسعار تتفاوت بين دولارين و18 دولارا للقطعة الواحدة.
الآن، تسوِق زهرة منتجاتها عبر "فيسبوك" و"تيك توك" للوصول إلى أكبر عدد من الزبائن، وتصدّر منتجاتها إلى إثيوبيا وكينيا ودول أوروبية كبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى الولايات المتحدة، حيث واحدة من أكبر جاليات الصومال بالخارج.
(الأناضول)