تواصل فرق الإنقاذ التابعة لوزارة الداخلية وعناصر الجيش المغربي بمعية متطوعين جهودها الحثيثة للبحث عن الناجين بين أنقاض الأبنية المتهدمة بقرى الأقاليم المتضررة من زلزال الجمعة، في الحوز، وتارودانت، وورزازات، وشيشاوة وغيرها، والوصول إلى المناطق الجبلية والنائية ذات الطبيعة الوعرة على وجه الخصوص.
وجنّدت السلطات المغربية مختلف فرق البحث والإنقاذ من أجل إنقاذ وإجلاء آلاف المنكوبين، والتكفل بالمصابين، وتعبئة كل الإمكانات اللازمة لمعالجة الفاجعة، وخلال الساعات الماضية، وجدت السلطات صعوبة في الوصول إلى عدد من المناطق الجبلية بسبب الانهيارات الصخرية التي أغلقت الطرق، قبل أن تتمكن القوات المسلحة من فتح العديد من الطرق لتسهيل مرور سيارات الإسعاف، ومركبات تحمل المساعدات.
وواصل عناصر الوقاية المدنية المغربية، الأحد، نصب الخيام وتوزيع مساعدات، بينها أغطية، في القرى المتضررة في إقليمي أزيلال وشيشاوة (شمال) وضواحي مدينة مراكش.
وفي ظل مظاهر الحزن المخيم على البلاد، أقام آلاف المغاربة صلاة الغائب ترحماً على أرواح ضحايا الزلزال المدمر الذي كان مركزه في إقليم الحوز، بعد صلاة ظهر أمس الأحد، في جميع مساجد المملكة، بالتزامن مع الحداد الوطني المعلن لمدة ثلاثة أيام، وﺗﻧﻛﯾس اﻷﻋﻼم ﻓوق ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺑﺎﻧﻲ اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.
قضى كثير من سكان الأقاليم المغربية المتضررة ليلتهم الثانية في الشوارع
واستمرت نداءات الاستغاثة الصادرة من بعض المناطق المنكوبة لتسريع عمليات الإنقاذ، وتوفير المساعدات اللازمة من غداء ودواء وأغطية. يقول الناشط المدني في جماعة آيت تمليل التابعة لإقليم أزيلال، هشام الذهبي، لـ"العربي الجديد"، إن "الناجين في القرية قضوا ليلهم في العراء في انتظار وصول المساعدات. أكثر من 25 عائلة كانت مضطرة مجدداً لافتراش الأرض والنوم في العراء، لأنّ منازلها آيلة للسقوط في ظل عدم وصول فرق الإنقاذ، والكل تحت وقع الصدمة، فلا أحد كان يتوقع أن يعيش مثل هذه الفاجعة".
من جهته، يؤكد مدير الهلال الأحمر المغربي في مراكش، محمد النص، أن جميع السلطات معبأة، وتقدم كل الوسائل الضرورية، وتوفر المعدات اللازمة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنه من الصعب معرفة عدد العالقين تحت الأنقاض.
وقال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في أول تعليق له على الزلزال، إن حكومته تشاطر عائلات الضحايا آلامهم، وإنهم يحصلون على دعم من الأمة المغربية، وأكد في بيان لرئاسة الحكومة، الأحد، أن "هذه المحنة التي وحدتنا بروح الالتزام الجماعي، تدفعنا لأن نفخر بالتضامن العفوي لعموم المغاربة، والذي تجلى في التدفق الهائل للمواطنين الذين توجهوا إلى مراكز الدم للتبرع. بهذه الروح نفسها، نحن مدينون لأرواح المفقودين ولكرامة الناجين، لتقديم المساعدة، وتخفيف الألم الذي نتقاسمه جميعاً".
وقضى سكان الأقاليم المتضررة ليلتهم الثانية بعد الزلزال العنيف في السيارات والخيام والشوارع خشية من حدوث هزات ارتدادية أعنف، في حين استنفرت مؤسسات الدولة كامل قدراتها للاستجابة لتداعيات الزلزال.
وفيما يحاول عشرات الآلاف استعادة حياتهم الطبيعية، ضربت هزة أرضية بقوة 4.5 درجات على مقياس ريختر، جنوب غربي مدينة مراكش، الأحد، وأفاد مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي بأن الهزة وقعت على بعد 88 كيلومتراً من مراكش، وعلى عمق 77 كيلومتراً، لتعيد أجواء الهلع والرعب التي امتحنها كثيرون ليل الجمعة.
وقال مدير المعهد الوطني للجيوفيزياء بالمغرب، ناصر جبور، إن الهزة الارتدادية التي سجلت الأحد هي ثاني هزة ارتدادية كبيرة، بعد هزة سابقة بقوة 5.9 درجات على مقياس ريختر، ضربت البلاد بعد نحو 20 دقيقة من الزلزال الأصلي، مضيفاً في اتصال مع "العربي الجديد": "يمكن أن تستمر الهزات الارتدادية لبضعة أسابيع، لكن أعدادها وقوّتها في انخفاض مستمر".
وتواصل لليوم الثاني على التوالي الإقبال على مراكز الدم والوحدات المتنقلة التي خصصت للتبرع بالعديد من جهات المملكة، وقالت مديرة المركز الوطني لتحاقن الدم بالدار البيضاء، آمال دريد، إن جميع المراكز على المستوى الوطني شهدت إقبالاً على التبرع، مضيفة في اتصال مع "العربي الجديد": "نحتاج لأكثر من ألف متبرع يومياً من أجل تغطية حاجيات إنقاذ حياة ضحايا الزلزال، لكننا سجلنا أكثر من 3 آلاف متبرع يومياً، وهو أمر رائع، كما أنه يبرز معدن المغاربة، وتضامنهم مع الضحايا".
بالموازاة مع ذلك، تعيش المؤسسات الاستشفائية حالة استنفار في المناطق المتضررة من الزلزال من جراء توافد المزيد من المصابين مع استمرار عمليات الإنقاذ. تقول الممرضة بقسم المستعجلات بمستشفى تارودانت، مريم فاريسي، لـ"العربي الجديد": "الأطر الطبية تشتغل بكامل طاقتها منذ وقوع الزلزال، وبدون توقف، من أجل تقديم العلاج للضحايا، والإصابات تتنوّع بين الخفيفة والمتوسطة والخطيرة".
في الأثناء، يواصل مزيد من فرق الإنقاذ الوصول إلى المناطق المنكوبة للمشاركة في عمليات الإنقاذ المتواصلة منذ ليل الجمعة، ومن بينها فرق إنقاذ دولية تابعة لوزارة الدفاع الإسبانية، لتسريع عمليات استخراج ضحايا الزلزال من تحت الأنقاض، ويتكون فريق الإنقاذ الإسباني من 56 عنصراً مرفوقين بـ 4 كلاب مدربة، كما تستعد فرق إنقاذ ألمانية للتوجه نحو المغرب للمساعدة في انتشال ضحايا الزلزال.
وبدأت الفرق الميدانية لجمعية "قطر الخيرية"، السبت، تقديم الإغاثة العاجلة لمتضرري الزلزال عبر مكتبها في المغرب، بالتزامن مع إطلاق حملة "إغاثة عاجلة للمغرب"، وشملت المساعدات التي تم توزيعها مياه الشرب والبطانيات والوجبات الساخنة، كما تم توزيع سلال غذائية تحتوي على المواد التموينية الأساسية.
وتواصل السلطات المغربية البحث عن ناجين، في حين يشارك جنود عمال الإغاثة في نقل المياه وغيرها من الإمدادات إلى القرى الجبلية المنكوبة، خصوصاً من دمّر الزلزال منازلهم، ويقبع الكثير من هؤلاء الذين شردوا بسبب الدمار الذي خلفه الزلزال في العراء، سواء في شوارع مراكش، أو في بلدات منطقة الأطلس الكبير، ومن بينها بلدة مولاي إبراهيم التي تعد من بين أكثر المناطق تضرراً.
وقال ياسين (36 سنة) من سكان مولاي إبراهيم: "فقدنا منازلنا وفقدنا ذوينا أيضاً، وننام منذ يومين في العراء. لا طعام ولا ماء. فقدنا الكهرباء أيضاً، ولم نتلق سوى القليل من المساعدات الحكومية حتى الآن".
ومن القرية نفسها، الواقعة في الأطلس الكبير، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 3 آلاف نسمة، تجفّف بشرى دموعها بوشاحها وهي تشاهد الرجال يحفرون القبور لدفن الموتى. تقول: "لقد مات أحفاد قريبتي. رأيت الدمار الذي خلّفه الزلزال، وما زلت أرتجف. إنه مثل كرة من النار ابتلعت كلّ شيء في طريقها. فقد الجميع هنا أحباء".
ومنذ الجمعة، ينام محمد آية الحاج (51 سنة) في الشارع مع عائلته بالقرب من المدينة التاريخية في مراكش، وقال لـ"رويترز": "لا أستطيع النوم في المنزل. أطلب من السلطات مساعدتي، وإحضار خبير لتقييم ما إذا كان من الممكن أن أعود إلى المنزل أم لا. إذا كان هناك خطر فلن أعود".
ونامت عائلات في أماكن مفتوحة وعلى طول الطرق. وقالت جورا البالغة من العمر 11 سنة إنها تشعر بعدم الارتياح بسبب اضطرارها إلى النوم بالقرب من غرباء.
ووفقاً للصليب الأحمر الدولي، فإنّ احتياجات المغرب من المساعدات هائلة، وحذّر حسام الشرقاوي مدير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أنّ "الأمر لن يستغرق أسبوعاً أو أسبوعين. نتوقّع أشهراً من الاستجابة".
من بين القرى التي تكاد تكون دُمّرت تماماً قرية تفغاغت الواقعة على بُعد حوالى 50 كيلومتراً من مركز الزلزال، ونحو 60 كيلومتراً جنوب غرب مراكش. ونادرة هي الأبنية التي لا تزال قائمة فوق تراب هذه القرية الجبلية. وأعرب الشيخ عمر بنهنا (72 سنة) عن صدمته قائلاً: "توفي ثلاثة من أحفادي (12 و8 و4 سنوات) ووالدتهم. لا يزالون تحت الأنقاض. قبل وقت قصير فقط كنا نلعب معاً".
ومن مراكش، تقول فاطمة ساتر (62 سنة) لوكالة "فرانس برس": "انظروا أين ينام كلّ هؤلاء الناس، لا يوجد أيّ مساعدة لنا، ومنازلنا متصدّعة، وأخرى مدمّرة مثل منزل ابنتي، إنها فوضى".