زلزال أفغانستان: وحدهم الأهالي يساعدون المنكوبين

11 أكتوبر 2023
ألم الفقدان (ميرويس أمير/ الأناضول)
+ الخط -

كما كان الحال بعد وقوع زلزال مدمر في جنوب أفغانستان في يونيو/ حزيران عام 2022، فالرهان بعد الزلزال المدمّر الأخير الذي ضرب أجزاء من ولاية هرات غربي أفغانستان السبت الماضي، هو أيضاً على المساعدات الداخلية من قبل أبناء البلاد، في ظل عدم اعتراف المجتمع الدولي بحكومة طالبان، وتراجع المؤسسات الإنسانية في البلاد بعد سيطرة الحركة على الحكم في البلاد. وعام 2021، باتت المؤسسات الخيرية المحلية بمثابة بديل. ويرى الخبراء أن غياب الجهود الدولية يضعف مهمة حكومة طالبان والشعب الأفغاني، ويثقل كاهل المتضررين، إلا أنه في الوقت نفسه يقوي روح التضامن بين أطياف الشعب بمختلف توجهاتهه وانتماءاته الفكرية والحزبية.
وبعد ساعات على وقوع الزلزال، كان سكان ولاية هرات أول من هبوا للمساعدة، ووصل كثيرون إلى موقع الزلزال للمساهمة في أعمال الإنقاذ، فيما توجه مواطنون إلى المستشفيات للتبرع بالدم. وبدأ تجار من المدينة جمع الغذاء والدواء وإيصالها إلى المتضررين في المستشفيات وفي أماكن الإيواء المختلفة.
ويتحدث الناشط الأفغاني محمد نفيس عن بدء حملة المساعدات بعد ساعات من وقوع الزلزال. ويقول لـ "العربي الجديد": "حين رأيت على فيسبوك مشاهد وقوع الزلزال، لم أعر الخبر أهمية، إذ كثيراً ما تشهد البلاد وقوع زلازل. وبعد أقل من نصف ساعة، هاتفني زميل من جامعة هرات، وأخبرني بهول ما حدث، وعن نية طلاب جامعيين الذهاب إلى المنطقة. توجهت برفقة زملائي إلى المنطقة بالإضافة إلى عشرات الطلبة الجامعيين وطلاب المدارس الدينية. وسبقنا سكان الأحياء والقرى المجاورة، وكانوا أدرى بالتعامل مع الموقف والعمل في المنطقة. وكانت هناك حاجة لنقل الجرحى إلى المستشفيات وتوفير ما يحتاجون إليه. لذلك، عدت مع زملائي إلى مدينة هرات لاستقبال الجرحى وتوفير السيارات لنقلهم من المنطقة المنكوبة إلى المستشفيات. كما أن حكومة طالبان تحركت بكل عناصرها. رأيت أناساً فقراء من جيراننا وقد جمعوا بعضاً مما لديهم من بطانيات وآواني منزلية وملابس وأعطونا إياها لنوصلها إلى المنكوبين. أما الأثرياء، فكان عطاؤهم أكبر".

كما بدأ الأطباء وفرق الإسعاف ومتطوعون في المؤسسات الخيرية المحلية الوصول إلى المنطقة المنكوبة، حاملين معهم ما يحتاجون إليه. عشرات الأطباء والممرضين وصلوا مع سيارات الإسعاف إلى المنطقة المنكوبة قادمين من قندهار، علماً أنه يستمرّ وصول الأطباء من مختلف الولايات. ومن العاصمة كابول، توجه عشرات المتخصصين والأطباء إلى ولاية هرات، آخذين معهم ما يحتاجون إليه في علاج المنكوبين، وتحديداً أدوات الجراحة.
ويقول الطبيب محمد هاشم الذي يعمل حالياً في مدينة هرات ويذهب بين الحين والآخر إلى المناطق المنكوبة، إنه يعمل على التنسيق بين الأطباء في مختلف مناطق البلاد، وبين الفرق الموجودة في المنطقة المنكوبة. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "ما رأيته أعلى مستويات التضامن بين أبناء شعبنا. الأطباء المتخصصين تركوا منازلهم في الليلة الأولى وتوجهوا مع مجموعة من الأطباء إلى المنطقة المنكوبة حيث عملوا في خيام. لكن حجم الكارثة كبير. من هنا، كل تلك الجهود قليلة جداً، إلا أن أبناء شعبنا يقدمون الغالي والرخيص للمتضررين في هذه الفترة العصيبة".
ويوضح أن المتضررين يحتاجون في هذه الفترة العصيبة إلى كل أنواع الدعم وفي كل المجالات، لكن الدور الأكبر هو للأطباء والمتطوعين في فرق الإغاثة. ولحسن الحظ أن وفود الأطباء والمتطوعين لا تزال تفد من كل ربوع البلاد، كما أن الأثرياء والتجار يرسلون الشاحنات المحملة بالمواد الطبية والأدوية إلى المناطق المنكوبة.
من جهته، يقول رئيس جمعية الإحساس الخيرية، عبد الفتاح جواد، لـ "العربي الجديد": "حتى مساء الأحد الماضي، كان هناك حاجة إلى وسائل الإيواء والخيام. لكن التجار والمؤسسات الخيرية تمكنت من احتواء الأمر. في الوقت الحالي الخيام كثيرة وقد وصلت إلى جميع المتضررين، كما وصلت إليهم المواد الغذائية. كما توزع مؤسسات وجبات الطعام، وهناك فرق طبية كافية تتعامل مع المصابين من خلال تقديم العلاج في المنطقة المنكوبة أو إرسالهم إلى المستشفيات في هرات. لكننا ما زلنا بحاجة إلى الكثير من الدعم، إذ خسر المنكوبون كل محتويات المنازل. وبات البقاء في الخيام ليلاً صعباً بسبب انخفاض درجات الحرارة. من هنا، ثمّة حاجة ملحة إلى تقديم المزيد من الدعم".
ويقول إن "دور الشباب من كل الشرائح مشكور. المئات يساعدون المنكوبين ليل نهار". من جهة أخرى، ثمة دعم مالي كبير من قبل الأثرياء، علاوة على ما تقدمه من معونات إنسانية ومساهمة في أعمال الإنقاذ والإغاثة. على سبيل المثال، أعلن التاجر الأفغاني المشهور وصاحب بنك العزيزي، ميرويس عزيزي، تقديم 200 مليون أفغانية كمساعدة مالية للمتضررين، وقدم مكتب رئيس الوزراء الملا حسن أخوند 100 مليون أفغانية، فيما أعلنت شركة طيران "كام إير" الأفغانية تقديم عشرة ملايين أفغانية للمنكوبين، وثلاثة ملايين من قبل هيئة لعبة كركت، وآخرين. كما عمد بعض نجوم لعبة كركت كراشد خان ومحمد عيسى برفقة عشرات الشباب، إلى إطلاق حملات لجمع المال وما يحتاج إليه المنكوبين في مختلف الولايات. وأعلن عيسى منتصف الإثنين الماضي جمع 30 ألف دولار من أبناء البلاد خلال ساعات، لافتاً إلى إطلاق حملات خارج البلاد. 

علاوة على ذلك، نصبت خيام من قبل الناشطين والمؤسسات الخيرية الأفغانية في معظم المدن الرئيسية لجمع الإمدادات من عامة المواطنين للمنكوبين تحت شعار "وطننا واحد، وألم واحد". 
إلى ذلك، يقول الناشط الأفغاني محمد سميع الله، الذي يشارك في جمع التبرعات في مدينة جلال أباد شرقي البلاد، لـ "العربي الجديد"، إن جميع الأفغان يساهمون في التبرعات. عامة المواطنين والعمال الذين يعملون في السوق يتبرعون بالمال والأدوات المنزلية والملابس والغذاء. الناس يقدمون كل ما أمكن". 
دولياً، اكتفت معظم الدول بتقديم الوعود، منها باكستان وإيران والصين وتركيا. غير أن السفارة التركية في كابول قدمت بعض الإمدادات لوزارة إدارة الكوارث والأزمات، كما قدمت السفارة الصينية 200 ألفي دولار لمسؤولين في الوزارة. مبلغ أثار انتقادات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أن دعم الشركات الأفغانية والتجار كان أكبر من ذلك بكثير.

المساهمون