في وقت تؤكد فيه مؤسسة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن 90 في المائة من ضحايا ومتضرري الزلزال الذي ضرب ولاية هرات غرب أفغانستان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري هم من الأطفال والنساء، تبدو معاناة الأطفال مختلفة، فبعضهم فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وتضرر آخرون نفسياً بسبب هول الكارثة.
ويواكب هذه الحال غياب جهود الاهتمام بالأطفال، سواء من الحكومة أو المؤسسات الخيرية المحلية والدولية. ويقول الناشط عبد القادر الذي يعمل مع فرق إغاثة في المنطقة المنكوبة تهتم تحديداً بتوزيع وجبات طعام جرى إعدادها على المنكوبين لـ"العربي الجديد": "فقد عدد كبير من الأطفال آباءهم وذويهم جراء الزلزال المدمر، وأحدهم في السادسة من العمر من قرية وردكي بمديرية زنده جان توفي والده، وشاهدته يقف إلى جانب أمه على ركام المنزل من دون أن يعرف أو يفهم ماذا حصل، لكنه يبكي ويصرخ لأن أمه تفعل ذلك".
وينقل عبد القادر عن المرأة التي كانت مغطاة برداء كبير قولها إن زوجها كان يملك بقالة صغيرة في القرية، وكان وضعه جيداً، ثم توفي بسبب الزلزال، ولا أحد من عائلته يستطيع رعاية الطفل الآن، فوالد زوجها كبير في السن، وليس لديه إخوة.
ويؤكد عبد القادر أن "عشرات الأطفال يتشاركون هذا المصير. شاهدنا بعضهم بين النازحين تحت الخيام، وكان البؤس واضحاً على وجوههم، وبدوا متأثرين جداً بالكارثة رغم أنهم لم يفقدوا جميعهم آباءهم وأمهاتهم بل منازلهم في لحظة واحدة، وعائلاتهم لا تملك ما يكفي من أموال لرعايتهم بشكل جيد. أيضاً تتمثل المعضلة الرئيسة في أن الإغاثات عامة لجميع المتضررين، من دون تحديد حصة للأطفال تتناسب مع احتياجاتهم الخاصة، ما يعني أنهم شريحة ضعيفة للغاية، وتأثيرات الزلزال عليهم أكبر".
من جهته، يقول الإعلامي شرف الدين كاكر الذي يعمل في موقع الزلزال لـ"العربي الجديد": "تأثر الأطفال جداً بالزلزال المدمر، وأيضاً النساء، لأن الرجال كانوا خارج المنازل في الحقول والأسواق وأماكن أخرى حين حصل. رأيت خمسة أطفال من أسرة واحدة بين قتلى وجرحى، وأعرف أطفالا كثيرين فقدوا آباءهم أو أمهاتهم، وحالتهم النفسية أسوأ، إذ لاحظت وجود خوف شديد لديهم، وغالبيتهم لا يتكلمون عمّا حل بهم".
ويطالب فرع "يونيسف" في أفغانستان المجتمع الدولي بمساندة العمليات الخاصة بزلزال أفغانستان في شكل عاجل، بينما يروي كاكر أن شيخاً كبيراً في العمر حضر جنازة نحو 300 شخص، تحدث لوسائل إعلام عن وفاة 11 من أطفال أسرته وأقاربه ودفنوا خلال يومين، ما يعني أن قائمة القتلى الـ2500 ضمت عدداً كبيراً من الأطفال.
وكان رئيس مؤسسة "حماية الأطفال" إرشاد ملك قد أكد في تصريحات أدلى بها الاثنين الماضي، أن الأطفال أكثر من تضرروا بزلزال هرات الذي دمّر 9 آلاف منزل، مبدياً قلقه الشديد من عدم إيجاد الأطفال المأوى والطعام والشراب، في حين أنهم في أمس الحاجة إلى توفير الاحتياجات الأولية.
أما مدير فريق الطوارئ الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية علاء أبو زيد فقال خلال زيارته هرات الاثنين الماضي إن "ثلثي ضحايا الزلزال أطفال ونساء يحتاجون إلى دعم مناسب".
ومن بين القصص المفزعة لزلزال أفغانستان وفاة ابنة أمام عيني والدها الذي يدعى كلزاده ويسكن في منطقة كشك التي تضررت بالزلزال. وهو قال لوسائل إعلام الأحد الماضي: "كنت خارج المنزل مع عدد من الرجال فاهتزت الأرض فجأة ولم نعرف ما الذي حدث، ثم رأيت سقوط جدار في مكان تلعب فيه ابنتي مع بنات الجيران، فصرخنا كي يأتي الناس من دون أن يلبي أحد النداء فالجميع كانوا منشغلين بشأنهم. وقد أخرجنا بعض الأطفال، لكن ابنتي توفيت أمام عيني".
أيضاً نقلت "يونيسف" في تقرير أصدرته الثلاثاء الماضي، قصة امرأة تدعى أصفه علق طفلاها بعد الزلزال تحت ركام منزلهم، وهم من سكان مديرية زنده جان قبل أن تنجح في إخراج ابنتها إسراء وعمرها عامان من تحت الركام، لكن طفلها الثاني البالغ تسعة أشهر توفي تحت الركام.
وأوضحت "يونيسف" أنها نقلت أصفه إلى مخيم مؤقت شيّدته في المنطقة، لكن وضعها النفسي كان سيئاً للغاية وكذلك الوضع الصحي لطفلتها، وقالت إن "لديهما الطعام والشراب والمأوى، لكننا لا ندري ماذا سيحل بهما في المستقبل".
ويقول الطبيب النفسي الدكتور شاه ولي لـ"العربي الجديد": "الأطفال أبرياء جداً، وهم أكثر تأثراً من الكبار بهذه الأحداث التي تترسخ في أذهانهم، كما أن أجسادهم ضعيفة على غرار أعصابهم، وهم يحتاجون بالتالي إلى فترة أطول وعلاج صحي دائم ومستمر ورعاية كاملة كي ينسوا مرارة ما حلّ بهم، علماً أن هذه الأحداث تؤثر على سلوكهم أيضاً".
يضيف: "يحتاج الأطفال الناجون إلى طعام وشراب وأماكن إيواء بالدرجة الأولى، لكن أيضاً إلى رعاية صحية وعلاج نفسي، وهذا لا يتوفر في الوقت الراهن، وأستبعد توفيره في المستقبل رغم أنه أمر ضروري للغاية".
يُذكر أن الأطفال في أفغانستان يعانون كثيراً من الوضع العام السائد في البلاد، وفقد آلاف منهم آباءهم خلال الحرب، ويوجد بعضهم في دور أيتام. وبعدما استعادت حركة "طالبان" الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب 2021 قلصت ميزانية دور الأيتام بنسبة 50 في المائة، وأغلقت العديد من المؤسسات التي كانت تموّل هذه الدور، من هنا يطرح السؤال نفسه ماذا سيكون مستقبل أطفال ضحايا الزلزال في حين يعيش الأطفال في معاناة دائمة؟".
ولم يعرف حتى الآن عدد للأطفال الذين توفوا في كارثة الزلزال في هرات، وأولئك الذين جرحوا، بينما سقط 405 أطفال بين قتيل وجريح في زلزال ولاية خوست في يونيو/ حزيران 2022، وفقد مئات منهم أسرهم من دون أن يعرف مصير عدد كبير منهم، لذا يخشى أن يكون مصير أطفال زلزال هرات مماثلاً لمن تأثروا بزلزال خوست.