ما كان لأزمة كورونا وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية أن تمر من دون أن تؤثر سلباً على الحياة الأسرية للروس، وزيادة حالات الطلاق التي سجلت ارتفاعاً بنسبة 44 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021 في البلاد مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتبلغ نحو 252 ألف حالة، وفق تقديرات شركة "فين إكسبيرتيزا" الدولية للاستشارات.
ويعزو خبراء "فين إكسبيرتيزا" الزيادة الحادة في أعداد الطلاق في السنة الحالية إلى تأجيل الروس عمليات تسجيل الزواج والطلاق أثناء الحجر الصحي في العام الماضي، فقرروا "تعويض ما فاتهم" عند عودة جهات الأحوال المدنية إلى عملها الاعتيادي. وبذلك، سجل عدد حالات الزواج هو الآخر ارتفاعاً بنسبة نحو 30 في المائة في عام 2021.
ومن بين التحولات اللافتة في أسباب الطلاق في روسيا، ارتفاع نسبة حالات الانفصال بسبب الفقر بين إجمالي عدد حالات الطلاق خلال السنوات الثماني الماضية من 20 إلى 33 في المائة، وفق استطلاع حديث أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام". أما الأسباب الأخرى الأكثر شيوعاً للطلاق، فهي انعدام التفاهم المتبادل (15 في المائة) والخيانة الزوجية (14 في المائة) والمشكلات المنزلية (10 في المائة)، وعدم تطابق الشخصيتين وتعاطي الخمر (8 في المائة).
في هذا الإطار، توضح عالمة النفس المتخصصة في شؤون الأسرة، سفيتلانا بويارينوفا، أن جائحة كورونا أدت إلى "حبس" العائلات في منازلها وسط تزايد التوتر العام الناجم عن الجائحة، ما عجّل من انفصال العائلات الهشة بعد تفاقم المشاكل بها. وتقول بويارينوفا لـ "العربي الجديد": "أثناء الجائحة، تعب الأزواج والزوجات بعضهم من بعض، خصوصاً أن الشقق في روسيا ليست كبيرة. كان الأزواج قبل ذلك يغادرون منازلهم إلى العمل، وكانت علاقات العديد منهم مبنية على رؤية بعضهم البعض في نهاية اليوم وعطلة نهاية الأسبوع فقط، وكانت لكل شريك، حياته الخاصة من جهة العمل والهوايات والأصدقاء".
وتلفت بويارينوفا إلى أن الجائحة زادت من التوتر السائد في العائلات، مضيفة: "أصبح الناس يخافون على صحتهم، وهناك من فقدوا عملهم، كما أصبح الأبناء يقضون أوقاتهم بمنازلهم بعد تطبيق نظام التعليم عن بعد، فازداد مستوى المشاكل والتوتر أضعافاً، فلم يعد الأزواج والزوجات يستطيعون التحكم في انفعالاتهم. في هذه الظروف، يعجز الأزواج عن التوصل إلى اتفاقات، فيخرجون بنتيجة مفادها أنهم غير مناسبين لبعضهم البعض ويهربون من المشكلة بدلاً من حلها. ويأتي إليّ للاستشارات أزواج مستقرون حتى، ممن عاشوا قبل الجائحة حياة أسرية مستقرة وأنجبوا أطفالاً".
مع ذلك، تؤكد بويارينوفا أنّ العائلات التي بنيت على قاعدة صحيحة لديها فرص أكبر للصمود، قائلة: "ما زاد من مشاكل العائلات أثناء الجائحة هو عدم الاتفاق مسبقاً على توزيع المسؤوليات بشكل واضح أو من تزوجوا في سن مبكرة أو بسبب حدوث حمل، وكان العديد منهم سينفصلون حتى من دون جائحة. لكن الأسرة هي مثل البناية، وإذا كانت أساساتها سليمة، فستصمد حتى في وجه العواصف الخارجية".
ومن اللافت أن الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة الواقعة في شمال القوقاز والمعروفة بقوة الروابط الأسرية، لم تسلم هذه المرة من ارتفاع معدلات الطلاق بمقدار 3.5 أضعاف في إنغوشيا (383 حالة) و2.7 ضعف في الشيشان (900 حالة) وأكثر من الضعفين في داغستان (2500 حالة). ووصل الأمر في بعض الأقاليم الروسية إلى تفوق عدد حالات الطلاق على حالات تسجيل الزواج.
وفي العاصمة موسكو التي شهدت أشد إجراءات العزل الذاتي في العام الماضي، ثمة مؤشرات متناقضة أظهرت ارتفاع معدل الطلاق بنسبة 220 في المائة. لكن معدل المواليد ازداد هو الآخر بنسبة 15 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وفق أرقام أوردتها صحيفة "إر بي كا" الروسية في بداية أغسطس/ آب الحالي.
وفي الوقت الذي أرجع فيه خبراء زيادة معدلات الطلاق إلى إدراك الأزواج خلال فترة العزل الذاتي أنهم عاجزون عن التعايش معاً، يعود ارتفاع عدد المواليد أيضاً إلى الإغلاق الكلي وقضاء العائلات مزيداً من الوقت في منازلها. ويقول مدير عام "عيادة الأم والطفل" مارك كورتسير، لـ"إر بي كا": "أعتقد أن الحجر الصحي لعب دوره الإيجابي. أصبح الناس أقل خروجاً من المنزل، والمطاعم والحانات كانت مغلقة، وكان الأزواج يقضون أوقاتاً أكثر مع زوجاتهم".
وجاءت هذه الزيادة الأخيرة في المواليد بعد تراجعها بنسبة 3 في المائة على مستوى عموم روسيا، وبنسبة 8 في المائة في موسكو، خلال العام الماضي، وهو ما ردّه خبراء إلى التراجع السابق للمواليد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي وما ترتب عليه من تراجع لعدد النساء في سن الإنجاب في الوقت الحالي.