روسيا: تراجع عدد السكان مستمر

21 سبتمبر 2021
قرّرا الاكتفاء بطفل واحد (العربي الجديد)
+ الخط -

 

على الرغم من مواصلة السلطات الروسية تحفيز العائلات على الإنجاب، تواجه روسيا تراجعاً في عدد السكان عاماً بعد عام، في ظلّ تزايد الفجوة بين الولادات والوفيات، التي فاقمتها أزمة كورونا المستمرّة منذ نحو عام ونصف عام. وبحسب بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات"، ازدادت وتيرة تراجع عدد سكان روسيا بنسبة 62 في المائة على أساس سنوي في خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بعد تراجع عدد السكان بمقدار أكثر من نصف مليون نسمة، الأمر الذي زاد من تحذيرات علماء السكان من اقتراب البلاد من حافة كارثة ديموغرافية ستواجهها في العقود المقبلة.

ويتوقّع رئيس مجلس الإشراف في معهد الديموغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية الروسي، يوري كروبنوف، أن "يتناقص عدد سكان روسيا بمقدار النصف تقريباً، لينخفض من 146 مليون نسمة حالياً إلى ما بين 70 - 80 مليوناً بحلول نهاية القرن، ما لم تتّخذ الحكومة إجراءات عاجلة لتحفيز العائلات على إنجاب ما يصل إلى ثلاثة أطفال أو أربعة". 

ويقول كروبنوف لـ"العربي الجديد": "صحيح أنّ وباء كورونا أدّى إلى زيادة معدّل الوفيات، لكنّ السبب الرئيسي لتراجع عدد السكان، تسجيل البلاد تراجعاً في أعداد الشباب والفتيات في سنّ الإنجاب بسبب قلّة المواليد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي. ونحن نعيش وضعاً مماثلاً بمعدّل مرّة كلّ ربع قرن منذ الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)". يضيف كروبنوف أنّ "معدّل الإنجاب في روسيا يبلغ حالياً طفلاً ونصف طفل لكلّ عائلة"، وهو ما يُنذر بانخفاض كبير في عدد السكّان قد يبلغ النصف في نهاية القرن إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومن أجل تحفيز العائلات على الإنجاب، تعمد السلطات الروسية إلى تقديم إعانات مختلفة لعائلات تضمّ أطفالاً، وأبرزها معونة "رأس المال الأمّ" البالغة قيمتها نحو سبعة آلاف دولار أميركي لا تُصرف نقداً ويُشترط استثمارها في تحسين ظروف السكن والتعليم وغيرها. ومنذ عام 2020، باتت هذه المعونة تُصرف للعائلة عند إنجاب الطفل الأوّل، وليس بدءاً من الطفل الثاني كما كان الأمر في السابق. لكنّ كروبنوف يقلل من فاعلية هذا الإجراء، شارحاً أنّ "العائلات تنجب في معظم الأحيان طفلها الأوّل بصرف النظر عن أوضاعها المادية، غير أنّ التركيز ضروري على تحفيز العائلات على إنجاب الطفل الثالث أو الرابع. بالتالي، إنّ قرار صرف رأس المال الأمّ عن الطفل الأول يبيّن عدم فهم الدولة لمنطق السياسة السكانية".

ولا تقتصر جهود روسيا لزيادة عدد سكانها على تحفيز الإنجاب فحسب، بل تشمل كذلك تسهيل إجراءات الهجرة والحصول على الجنسية الروسية، ولا سيّما لسكان المناطق ذات الأغلبية الناطقة باللغة الروسية في الجمهوريات السوفييتية السابقة، من قبيل منطقة دونباس الواقعة شرقي أوكرانيا التي حصل أكثر من 600 ألف من سكانها على الهوية الروسية.

الصورة
عائلة روسية مع طفلين في روسيا (سيرغي كاربوخين/ Getty)
لم يتردّدا في إنجاب طفلَين (سيرغي كاربوخين/ Getty)

وعلى الرغم من ذلك، يرى كروبنوف أنّ "الاعتماد على المهاجرين الوافدين في حدّ ذاتهم لن يكون كافياً لتعويض تراجع المواليد"، موضحاً أنّ "وتيرة حركة الهجرة أخفّ من وتيرة تراجع السكان، خصوصاً أنّ الذين أرادوا الانتقال من الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى روسيا قد انتقلوا بالفعل، فيما سيؤدّي اعتماد برامج واسعة النطاق للهجرة من البلدان خارج فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، إلى حدوث تغيير في البيئة الثقافية الاجتماعية في روسيا. لذلك، يجب التركيز على دعم العائلات متعددة الأبناء".

ويبقى الوضع الديموغرافي الشغل الشاغل للسلطات الروسية بمستوياتها كافة. من جهته، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري إلى تقديرات تفيد بأنّ عدد سكان روسيا كان سيبلغ في الوقت الحالي نصف مليار نسمة بدلاً من 144 مليوناً لولا اضطرابات القرن العشرين، مثل ثورة البلاشفة في عام 1917 وتفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991. وقال بوتين في خلال لقاء مع تلاميذ مدرسة في الشرق الأقصى الروسي بمناسبة انطلاق العام الدراسي الجديد: "لو أنّ تلك الأحداث لم تقع، لكان لدينا بلد مختلف. وبحسب بعض الخبراء، فإنّ عدد السكان كان سيقارب 500 مليون نسمة".

كوفيد-19
التحديثات الحية

كذلك وجّه بوتين الحكومة في بداية أغسطس الماضي، بتحقيق زيادة سكانية في عام 2024 الذي تنتهي فيه ولايته الحالية الرابعة. يُذكر أنّ وزارة التنمية الاقتصادية الروسية كانت قد قدّمت في إبريل/ نيسان الماضي توقّعاتها بأنّ عدد سكان روسيا سيتراجع بمقدار 550 ألف نسمة في عام 2021 ونصف مليون آخر في عام 2022، وبمقدار 1.7 مليون نسمة بحلول عام 2024 مقارنة بعام 2020.

المساهمون