مع بداية العام الدراسي الجديد في روسيا في الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل، ستعتمد المدارس الثانوية كتاباً جديداً لمادة التاريخ، سيشمل لأول مرة قسماً خاصاً بالحرب الروسية في أوكرانيا وسياقها التاريخي.
من بين الخطوط العريضة لقسم "العملية العسكرية الخاصة" في كتاب التاريخ، أن روسيا كانت تنطلق في بداية القرن الـ21 من أن "الحرب الباردة باتت في الماضي"، وأن المستقبل لتطوير "علاقات حسن الجوار مع الولايات المتحدة والغرب". إلا أن زيادة قوة روسيا في بداية الألفية الجديدة لم يكن يناسب الولايات المتحدة، وفق معدي الكتاب.
ويؤكد الكتاب الجديد أنه "سيطرت على الغرب فكرة زعزعة استقرار الأوضاع داخل روسيا، وعلى امتداد حدودها أولا"، وذلك عبر تمويل رهاب روسيا في الجمهوريات السوفييتية السابقة وتوريط روسيا في سلسلة من النزاعات و"الثورات الملونة" وزعزعة استقرار اقتصادها واستبدال السلطة الحالية بأخرى راضخة.
ويعرف الكتاب "النيونازية الأوكرانية" بأنها "عنف قومي ولغوي وثقافي من قبل أقلية عدوانية بحق الأغلبية"، بينما يتم تعريف أهداف الحرب الروسية بأنها "حماية دونباس والضمان الاستباقي لأمن روسيا".
ويبرز بين معدي الكتاب اسم معاون الرئيس الروسي وزير الثقافة السابق فلاديمير ميدينسكي، المعروف بتوجهاته الداعمة للأيديولوجية التوسعية "العالم الروسي"، والذي قد انتشر اسمه في الصحافة العالمية في الأيام الأولى من الحرب المفتوحة في أوكرانيا على خلفية ترؤسه الوفد الروسي في المفاوضات مع أوكرانيا.
ويعتبر مدير نقابة "تحالف المعلمين" في سانت بطرسبورغ، دانييل كين، أن اسم ميدينسكي على غلاف الكتاب التعليمي الجديد وحده يكشف جوهره، مرجعاً إدراج النزاع في أوكرانيا ضمن المنهاج التعليمي إلى سعي السلطة الروسية للسيطرة على عقول الشباب. ويقول لـ"العربي الجديد": "كل ما يخص هذا الكتاب واضح من غلافه ومن كون ميدينسكي معداً له، إذ إنه ليس عالماً ومؤرخاً بالمفهوم المعتاد للكلمتين، وإنما يعمل منذ سنوات على الترويج لأكاذيب تاريخية، وأصبح قسم من الكتاب الجديد أشبه بإعادة سرد محتوى برامج (التوك الشو) في التلفزيون الروسي أكثر منه مادة علمية".
ويضيف كين: "هناك تغييرات هامة طرأت على كتاب مادة التاريخ للصف التاسع أيضاً، وأدرج فيه قسم خاص بالتاريخ المعاصر يتناول الفترة الزمنية من عهد زعيم ثورة البلاشفة في عام 1917، فلاديمير لينين، وحتى ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ويعكس تدريس الأيديولوجيا لتلاميذ المرحلة الإعدادية سعي السلطات للسيطرة على عقولهم منذ سن مبكرة لا يتمتعون فيها بفكر نقدي".
ويوضح أن أولياء الأمور لا تزال لديهم الفرصة لمنع حضور أبنائهم دروس مادة التاريخ بمنهجها الجديد: "يمكن لأولياء الأمور تحويل أبنائهم إلى الدراسة المنزلية في جميع المواد أو جزء منها، ولكن ذلك لن يعفي أبناءهم من اجتياز امتحان مادة التاريخ في نهاية الأمر".
وهذه ليست أول محاولة من السلطات الروسية لتناول الحرب في أوكرانيا بالمدارس، إذ اعتمدت المدارس الروسية منذ العام الدراسي الماضي، دروساً في التربية الوطنية تحت عنوان "الأحاديث المهمة" تتناول أيضاً الأحداث في أوكرانيا، ولكنها لم تدرج ضمن المناهج الرسمية لمادة التاريخ أو الامتحانات.
ولا يرى كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، موانع أمام تدريس الأحداث في أوكرانيا بالمدارس والجامعات، قائلاً لـ "العربي الجديد": "يجب إطلاع الطلاب والتلاميذ على المعلومات عن التاريخ، بما في ذلك الأحداث الأخيرة، ولكن يجب تناولها بحذر واختصار حتى صدور تقديرات دقيقة للأحداث".
ويلفت إلى أن تدريس "العملية العسكرية الخاصة" لن يقتصر على المدارس الثانوية، بل ستدرج أيضا ضمن مادة "أساسيات الدولة الروسية" المستحدثة في الجامعات اعتباراً من سبتمبر/ أيلول المقبل.
وفي وقت سابق من أغسطس/آب الجاري، جرى في موسكو تقديم الكتاب التعليمي المحدث في مادة التاريخ لتلاميذ المدارس الثانوية، وقال ميدينسكي خلال الفعالية: "في جوهر الأمر، هذا أول كتاب من نوعه منذ تفكك الاتحاد السوفييتي".
وإلى جانب تناول الحرب في أوكرانيا، أعيدت في الكتاب الجديد الكتابة بشكل كامل للقسم المكرس لسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الـ 21، في مقابل تقليص القسم الخاص بالتاريخ العام. ولأول مرة، يتضمن الكتاب رموز الاستجابة السريعة (كيو أر كود)، والتي تتيح للتلاميذ الاطلاع بواسطة هواتفهم الذكية على الأرشيف والمكتبات الإلكترونية ومشاهدة كلاسيكيات السينما السوفييتية.