من المقرر أن يناقش مجلس الدوما (النواب) الروسي مشروع قانون يمنع مواطني الدول "غير الصديقة" التي انضمت إلى العقوبات المفروضة على البلاد على خلفية حربها على أوكرانيا، من تبني الأيتام الروس وكفالتهم.
وأعد مشروع القانون نواب من كل الأحزاب الممثلة في مجلس الدوما، باستثناء حزب "روسيا الموحدة" الحاكم. وأشاروا في بيان أصدروه مطلع أغسطس/ آب الجاري لتوضيح حيثيات القانون المعروض للنقاش إلى أن عدد الأيتام الروس الذين تبناهم أجانب عام 2021 بلغ نحو 17.500، مقابل نحو 456.000 تبناهم الروس.
ويرى النواب الروس أن تجربة رد موسكو السابق على "قانون ماغنيتسكي" الأميركي الذي فرض عقوبات على شخصيات روسية اتهمها بالضلوع في انتهاكات حقوقية، والذي تمثل في إصدار "قانون ديما ياكوفليف" عام 2012، وقضى بمنع الأميركيين من تبني الأطفال الروس، "كان قراراً صائباً".
وديما ياكوفليف هو طفل روسي ترعرع في الولايات المتحدة بعدما تركه والده الأميركي بالتبني في سيارة مغلقة تحت أشعة الشمس، فأطلق اسمه على قانون "إجراءات التأثير على الأشخاص المتورطين في انتهاك حقوق وحريات الإنسان الأساسية لمواطني روسيا الاتحادية"، والذي يمنع المواطنين الأميركيين من تبني الأطفال الروس.
ويبدو أن حظر تبني الأيتام الروس في الخارج يلاقي قبولاً لدى شريحة عريضة من المجتمع الروسي، إذ أظهر استطلاع أجراه مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام ونشرت نتائجه في 17 أغسطس/ آب الجاري، أن 60 في المائة من المستطلعة آراءهم يعارضون تبني الأيتام على أيدي الأجانب مقابل 32 في المائة فقط يدعمون ذلك. وأرجع أنصار الحظر موقفهم إلى "المخاوف على سلامة الأطفال الروس في الخارج، وإعطاء الأولوية للمتبنين الروس، والقلق من تسليم الأيتام لعائلات مثليي الجنس أو من سيربيهم على كراهية روسيا"، وغيرها من العوامل.
وتعلّق مديرة مجموعة العمل "الأسرة الأمومة الطفولة" في المجلس التنسيقي للمنظمات غير الربحية الروسية، فيكتوريا دانيلتشينكو، على عزم موسكو توسيع مفعول الحظر على مواطني كل الدول "غير الصديقة"، بالقول لـ"العربي الجديد": "المخاوف على مصير الأيتام الروس في الخارج مبررة بسبب صعوبة متابعة أوضاعهم بعد مغادرتهم الأراضي الروسية، وواقع وجودهم بالتالي خارج مجال الاختصاص القانوني الروسي".
تضيف فيكتوريا التي ترأس أيضاً مكتب "هيئة فيكتوريا دانيلتشينكو للمحامين": "تشمل السنوات الثلاث الأولى التي تلي تبني الطفل مراجعات منتظمة لحالته وظروف سكنه ومقدار الوفاء بالمتطلبات والأحكام المتعلقة بالتبني، لأن الطفل يحافظ على الجنسية الروسية. وحتى في حال قام الكفيل الأجنبي بتجنيس الطفل، يتعين على القنصليات الروسية متابعة أوضاعه. لكن ما يحصل فعلياً أن الطفل يسقط بعد مغادرته الأراضي الروسية، من مجال الاختصاص القانوني لبلدنا، ولا نستطيع حمايته".
وتضرب أمثلة على الصعوبات المتعلقة بمتابعة أوضاع الأطفال الروس في الخارج، وتقول: "لدى وصول الطفل إلى دولة أجنبية، يجب أن يسجل في القنصلية الروسية خلال فترة ثلاثة أشهر، لكن انعدام ضمانات الوفاء بهذا الإجراء، وعدم إخضاعه لضوابط مثل عقوبات أو آليات لإرغام المتبنين، يجعل الالتزام طوعياً. والقنصليات لا تتحمل أيضاً المسؤولية المباشرة عن رصد الانتهاكات في حق الأطفال الروس المتبنين في دوائرها".
وتلفت فيكتوريا إلى أن "مسؤولية متابعة أوضاع الأيتام الروس تقع على عاتق وكالات التبني التي تملك فروعاً في روسيا، لكن ذلك لا ينطبق على حالات التبني المستقل التي تحصل من دون اللجوء إلى المؤسسات المعتمدة".
من جهتها، تشدّد النائبة عن حزب "روسيا العادلة" يانا لانتراتوفا التي شاركت في إعداد مشروع القانون المقدم إلى مجلس "الدوما"، في حديثها لـ"العربي الجديد"، على أنه "لا يجب تسليم الأطفال إلا في حال توفر أسس ووسائل لمراقبتهم ومتابعة مصيرهم. فبعد عبور الطفل حدود روسيا يصبح خارج اختصاصنا القانوني ولا نستطيع مساعدته وحمايته إذا تطلب الأمر ذلك، خاصة في الدول المصنّفة بأنها غير صديقة".
لكن اللافت أن النواب لم يقترحوا تعديل قانون "إجراءات التأثير على الأعمال غير الودية للولايات المتحدة وغيرها من الدول الأجنبية"، بل قرروا فقط تعديل المادتين 127 و146 من قانون الأسرة الروسي.
وتحدد المادة 127 الأشخاص الذين لا يحق لهم تبني أطفال روس، وهم من حرموا من حقوق الوالدين، ويواجهون إدانات ويعتبرون من فاقدي الأهلية وغيرهم. أما المادة 146 فتضع قائمة مماثلة للأشخاص الذين يشملهم الحظر بسبب إجراءات تتعلق بموضوع كفالات الرعاية. ويقترح أن تضاف إلى هذه القائمة عبارة أن "مواطني الدول غير الصديقة لا يحق لهم تبني الأطفال الروس وكفالتهم".
ورغم أن موسكو صادقت عام 1990 على الاتفاق الدولي لحقوق الطفل الذي يسمح للأجانب بتبني الأطفال، لكنها لم تلتزم تدابير السماح بتوفير هذه الإمكانية في كل هذه الحالات، بحسب ما يوضح المحامي في "مركز الحماية الموحد" كيريل ريزنيك الذي نقلت صحيفة "فيدوموستي" الروسية عنه قوله: "يحدد الاتفاق الأسس المبدئية للتبني دولياً، لكنه لا يشير إلى قائمة الدول التي يمكن إدراجها ضمن الإجراء".
وفي مايو/ أيار 2021، صادقت الحكومة الروسية على قائمة الدول الأجنبية التي "تقوم بأعمال غير ودية" في حق روسيا ومواطنيها وشركاتها، وشملت الولايات المتحدة وجمهورية التشيك فقط.
وفي مارس/ آذار الماضي، جرى توسيع هذه القائمة للمرة الأولى على خلفية الأعمال القتالية في أوكرانيا، وباتت تضم 49 بلداً".