تُسجَّل في الصين محاولات لدفع الجيل الناشئ إلى الاهتمام بكبار السنّ وشؤونهم، من خلال حصص تعليمية وتدريب في هذا السياق في مقابل حوافز.
تعمد مقاطعات صينية عدّة إلى تنفيذ برنامج حكومي لحثّ الأبناء على رعاية كبار السنّ، بغضّ النظر عن صلة القرابة أو الروابط الأسرية بينهم، وقد بدأ ذلك في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مدينة دونغ ينغ التابعة لمقاطعة شاندونغ، شرقي البلاد. وتقوم الخطة على تخصيص حصص إلزامية للتلاميذ في نهاية الدوام الدراسي في المرحلتَين الإعدادية والثانوية، لتعليمهم كيفية رعاية المسنّين والاهتمام بهم. وربطت الحكومات المحلية توظيف التلاميذ بعد تخرّجهم باجتياز عدد محدد من الساعات المخصصة لذلك، والحصول على نقاط تؤهّل حاملها الحصول على وظيفة فور التخرّج.
وفي بعض مدن المقاطعة، تُقدَّم كذلك حوافز للتلاميذ من قبيل خفض بدلات إيجار السكن، والحصول على حسومات في المتاجر ووسائل النقل عبر قسائم خاصة، وذلك في مقابل المداومة أسبوعياً لمدّة لا تقل عن خمس ساعات في أحد مراكز رعاية المسنّين.
وبحسب مديرية التربية والتعليم في مقاطعة شاندونغ، فإنّ الحملة تأتي في إطار توجيهات الحزب الشيوعي، حول تعزيز مفهوم التعليم الإلزامي الشامل الذي يهدف إلى تحسين جودة التعليم وتقويم سلوك التلاميذ، بما ينسجم مع احتياجات بناء مجتمع اشتراكي حديث. وأوضحت المديرية في بيان لها أنّ الحصص الإلزامية تعود بالنفع على التلاميذ وكبار السنّ في آن واحد. فبالنسبة إلى التلاميذ، هي تساعدهم على الحصول على وظيفة بعد التخرّج، وتعيد صياغة بعض المفاهيم الخاصة بالقيم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية التي تفككت بفعل أنماط الحياة الجديدة ذات الإيقاع السريع. أمّا بالنسبة إلى المسنّين، فهي تتيح لهم هامشاً أكبر من الرعاية، عبر توفير كوادر مدرّبة من جيل شاب يشعر بالمسؤولية تجاه الآباء والأجداد.
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أنّ للحملة علاقة بأزمة ديموغرافية تعاني منها الصين بسبب ارتفاع نسبة كبار السنّ في المجتمع، وعدم توفّر عدد كافٍ من المؤهّلين لرعايتهم، فيما يعدّها آخرون امتثالاً للتقاليد الصينية التي تحثّ على توقير الكبار والاهتمام بهم.
تلميذ برتبة معلّم
لونغ وو، من التلاميذ الذين يتابعون حصصاً إلزامية تُعلّمهم كيفية رعاية المسنّين، في إحدى المدارس الثانوية بمدينة دونغ ينغ. يخبر "العربي الجديد" بأنّه سعيد بما يقوم به، "لأنّ ذلك يعود بالنفع على آخرين في حاجة إلى الرعاية والمساندة"، لافتاً إلى أنّه "حتى لو لم تكن الحصص إلزامية، كنت سألتحق بها نظراً إلى أهميتها. كذلك فهي لا تستغرق من وقته أكثر من ساعة واحدة في اليوم".
ويوضح لونغ وو أنّه "يتوجّب على كلّ تلميذ أن يجتاز على الأقلّ 30 ساعة في الفصل الواحد، يتخلّلها تعلّم طريقة التعامل مع كبار السنّ، بالإضافة إلى دروس في التدبير المنزلي، مثل غسل الملابس وكيّها وإعداد الطعام، إلى جانب حصص أخرى تشمل تعلّم مبادئ الإسعافات الأولية". يضيف لونغ وو أنّه "بعد ذلك، يُوَزّع التلاميذ على مراكز رعاية المسنّين في المدينة، ويتوجّب على كلّ تلميذ أن يداوم هناك ما لا يقلّ عن ثلاثة أيام في الأسبوع لمدّة ساعتين في اليوم الواحد. ويتضمّن ذلك اصطحاب المسنّين إلى الحدائق العامة، وقراءة القصص لهم، وتقديم بعض الخدمات، مثل توضيب غرف المعيشة، وإعداد الشاي، وتعليم كبار السنّ على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمحادثة أقاربهم وعائلاتهم".
وعن الفوائد التي يجنيها، يقول لونغ وو إنّه حصل في مطلع الشهر الماضي على بطاقة ذكية تخوّله الشراء بحسومات تصل إلى نحو 50 في المائة، بالإضافة إلى الاستخدام المجاني للمترو والحافلات العامة. لكنّه يؤكد: "لم أكن أنتظر هذه الامتيازات وإن كانت مهمة بالنسبة إليّ. وأنا أشعر بالفخر إذ إنّ ما أقوم به يعود بالمنفعة على المجتمع، خصوصاً شريحة المسنّين التي هي في حاجة ماسة إلى المساعدة".
أزمة ديموغرافية
في سياق متصل، يقول الباحث الاجتماعي شياو خي لـ"العربي الجديد" إنّ "الحملة الإلزامية لتعليم كيفية رعاية المسنّين مهمّة لزرع مثل تلك القيم السامية في نفوس الأجيال الجديدة. لكنّها تأتي في وقت متأخّر يشهد فيه المجتمع الصيني أزمة ديموغرافية تسبّبت فيها سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها البلاد واستمرت لأكثر من ثلاثة عقود". ويشير إلى أنّ "الصين تضمّ ما لا يقلّ عن 250 مليون مسنّ، وأكثر من نصفهم لا يحصلون على رعاية بسبب عمل الأبناء في المدن والمناطق الحضرية، فضلاً عن انشغال من يُتاح له الوقت والجهد برعاية أسرته الصغيرة بعيداً عن الجدّ والجدّة".
يضيف شياو خي أنّ "برنامج الحكومة ما زال محدوداً، فهو يقتصر فقط على المدن ولم يعمّم بعد في الأرياف التي تضمّ النسبة الأكبر من المسنّين"، لافتاً إلى أنّ "من يحتاج إلى رعاية هم أولئك الذين لا يملكون تكاليف مراكز المسنّين. أمّا الذين لديهم القدرة على اللجوء إلى تلك المراكز، فثمّة من يعتني بهم". ويتابع شياو خي أنّ "خطوة التعليم الإلزامي هذه، على الرغم من أهميتها على المدى البعيد لكونها تؤسّس لجيل يشعر بالمسؤولية تجاه الأجداد، فإنّها لا تستطيع معالجة الأزمة الراهنة المتمثلة في ارتفاع أعداد المسنّين إلى حدّ ينذر بالخطر".
وبحسب تقديرات حكومية، من المتوقع أن يصل عدد الصينيين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً إلى 300 مليون بحلول عام 2025، وهو ما يمثّل نحو 20 في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد المقدّر بـ 1.4 مليار نسمة. وتتوقّع السلطات الصينية أن ترتفع نسبة المسنّين في البلاد إلى 30 في المائة في العقود الثلاثة المقبلة، الأمر الذي دفع الحكومات المحلية في وقت سابق إلى إطلاق تحذيرات تنبّه من خطورة المرحلة المقبلة، وتشدّد على ضرورة اتّخاذ الإجراءات اللازمة قبل فوات الأوان.