مع تواصل عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يسعى كثيرون من سكان القطاع إلى طمأنة أقاربهم وأصدقائهم خارجه أنهم ما زالوا على قيد الحياة، فضلا عن مواصلة نقل صورة ما يجري، رغم انقطاع خطين رئيسين من ثلاثة خطوط للاتصالات.
وتعكس الرسائل التي يبعث بها سكان غزة الى أقاربهم وأصدقائهم، وتلك المنشورة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حال المعاناة.
"أسجّل هذه الرسالة التي قد تكون الأخيرة، على رغم أنني آمل ألا تكون كذلك"، كلمات قالها محمود شلبي المسؤول في جمعية "العون الطبي للفلسطينيين" البريطانية في رسالة لزملائه، يخبرهم خلالها من مدينة بيت لاهيا، في شمال القطاع، يومياته على إيقاع "القصف الذي يطاول الجميع"، مشددا على أنه "لن أترك منزلي... سأموت واقفا، مجرد وجودي على هذه الأرض هو فعل مقاومة".
الفضائيات للإطمئنان على الأهل
يروى وليد، وهو غزّي يقيم في باريس، أنه دائما ما يعمد إلى مقاطعة محدثيه عندما يبدأون بقول عبارة "إذا حصل لنا أي مكروه، اعتنِ بنفسك". إذ لا يتمكن الشاب، الذي طلب عدم كشف اسمه الكامل، من التواصل مع ذويه بشكل يومي نظرا لضعف شبكات الاتصال، موضحا "أتصل أحيانا عشر مرات على التوالي من دون رد، وأحيانا تصل إلي رسالة من اليوم السابق، وأحيانا ينقطع الاتصال بعد 30 ثانية فقط".
باتت شاشات التلفزة وسيلة لمحاولة الاطمئنان لدى وليد، فبعد ساعات من دون أنباء من أقاربه، يعمد إلى "مشاهدة وجوه ضحايا القصف عبر شاشة الجزيرة... هذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأخبار بشكل مباشر، على رغم أن ذلك ليس دائما".
أدى القصف الإسرائيلي إلى قطع اثنين من الخطوط الثلاثة الرئيسية للاتصالات النقالة وشبكة الانترنت في قطاع غزة
وفي ظل شبه استحالة الاتصال عبر شبكة الهاتف النقال، يعتمد سكان القطاع وأقاربهم على الخطوط الهاتفية الثابتة وهي قليلة، أو الاتصال عبر الإنترنت، وهو ما بات نادرا بسبب انقطاع التيار الكهربائي. ولجأ البعض إلى استخدام مولّدات تحتاج إلى وقود بات شحيحا أو حتى بطاريات السيارات.
وتوضح هبة جمّال، الغزّيّة المقيمة في مدينة ماينهايم الألمانية: "عائلتي باتت تعتمد على الزيوت النباتية لتشغيل المولدات لإعادة شحن الهواتف".
ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أدى القصف الإسرائيلي إلى قطع اثنين من الخطوط الثلاثة الرئيسية للاتصالات النقالة وشبكة الإنترنت في قطاع غزة.
وتتحدث عن حوار كالآتي: "قصفوا اليوم منطقتكم في خان يونس، هل الجميع بخير؟"، أتى الجواب: "لم يُقصف منزلنا، الحمد الله، ما زلنا على قيد الحياة".
ومن منطقة هوت سافوا الفرنسية، يحاول وفا عليوه الاتصال بوالديه الستينيين في قطاع غزة على مدار الوقت، أملا في أن ينجح الاتصال مرة واحدة على الأقل، مشيرا إلى أنه يخشى سؤالهما عما يأكلانه في ظل شحّ المواد الغذائية، مشددا على أن" الناس يعانون الصدمة".
نقل الصورة مسؤولية مهمة
ويواجه الصحافيون المحليون الصعوبات نفسها التي يواجهها سكان القطاع. ويتعذّر على أي صحافي أجنبي حاليا دخول القطاع، حيث نزحت الصحافية والكاتبة جميلة توفيق (26 عاما) وعائلتها إلى خان يونس.
تقول: "نحن منفصلون تماما"، موضحة أن ذويها يسألون شقيقها المقيم خارج غزة عن ردود فعل الدول العربية حيال الحرب أو عدد القتلى في القطاع، مؤكدة أن تلقي "أي معلومات بشأن الآخرين" في قطاع غزة بات يحصل "من طريق الصدفة" فقط.
ومن مركز الإيواء الموقت حيث باتت تقيم مع أفراد عائلتها، تضطر توفيق للمشي أكثر من عشر دقائق لبلوغ مكان يتوفر فيه اتصال بالهاتف النقال، وعلى رغم مشقة ذلك وخطر التعرض للقصف، إلا أنها تعتبر نقل صورة ما يحصل يعنيها مباشرة و"هو مسؤولية مهمة".
ولليوم الخامس عشر، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف قطاع غزة بغارات جوية مكثفة دمّرت أحياء بكاملها وأسقطت 4385 فلسطينيا، بينهم 1756 طفلا و976 امرأة، فضلا عن 13561 مصابا.
وفجر 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية "طوفان الأقصى" ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".
في المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي حربا على القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني، يعانون من أوضاع معيشية متدهورة جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ عام 2006.
(فرانس برس، الأناضول، العربي الجديد)