رحيل تجمع القبّون البدوي.. خطة إسرائيلية لإفراغ السفوح الشرقية للضفة الغربية

12 اغسطس 2023
75% من البؤر الاستيطانية الرعوية تتركز في السفوح الشرقية للضفة الغربية (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد سلسلة اعتداءات من المستوطنين تكثفت خلال الأشهر الماضية، اضطر الفلسطيني علي أبو الكباش (60 عاماً) إلى الرحيل من التجمع البدوي في منطقة القبَّون شرق قرية المغير شمال شرقي رام الله وسط الضفة الغربية، بعد قرابة 25 عاماً من السكن هناك، ليبدأ من جديد مسيرة ترحال ثالثة بسبب إجراءات الاحتلال الإسرائيلي.

واجه أبو الكباش وعشر عائلات أخرى، رحلت تدريجياً على مدار الأسبوع الماضي، صعوبات عدة، أبرزها إيصال الماء والأعلاف، فقد أصبح طريق الخروج من القبَّون خطراً بعد إغلاق أحد المداخل نحو التجمع البدوي، واعتراض المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي المركبات التي تمر من المدخل الآخر.

الصورة
تجمع القبّون البدوي في الضفة الغربية (العربي الجديد)


يقول أبو الكباش لـ"العربي الجديد":" التجمع قائم في أرض القبّون منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حيث أقام فيه عدد من أهالي المغير المضارب، ثم لحق بهم بدو من عائلة الرشيدات من عرب الكعابنة، وثم عائلة أبو الكباش التي تعود أصولها إلى بلدة سعير في الخليل، وكان قد رحل عدد من أفرادها مع الماشية من الخليل إلى غرب رام الله بحثاً عن المياه، ثم هجرت قبل 25 عاما من هناك بسبب إجراءات الاحتلال، وهذا هو الرحيل الثالث له مع عائلته".

ويضيف: "ناضلنا وجاهدنا لآخر نفس، لكن المستوطنين اعتدوا على البيوت والأغنام، وأغلقوا علينا المدخل الشمالي، وضيقوا المدخل الجنوبي على مراحل، كنا نضطر للخروج فجراً إلى منطقة عين سامية المجاورة لجلب المياه، لأن المستوطنين أصبحوا يعترضون المركبات، فصرنا نضطر لجلب المياه في ساعات الفجر المبكرة، وحتى الأعلاف أصبحت نضطر لتأمين المركبات حتى لا يتعرض المستوطون لأصحاب الشاحنات التي تنقلها".

ويؤكد أبو الكباش أن الفترة الأخيرة كانت حاسمة بالنسبة للمستوطنين، وبشكل خاص بعد تشكيل حكومة الاحتلال الإسرائيلية بمكوناتها المتطرفة.

الصورة
تجمع القبّون البدوي في الضفة الغربية (العربي الجديد)

على أطراف قرية المغير وفي أرض قريبة من منازلها، نقل راجح أبو عليا وأشقاؤه مضاربهم ومساكنهم، وأعدوا حظيرة أغنام، توفر القليل من الظل لبعض الأغنام بينما يعاني البعض الآخر من لهيب الشمس، ملقيا باللوم أيضا على المؤسسات والجمعيات الفلسطينية التي تركتهم وحيدين، في ظل منعهم من الرعي واعتداءات المستوطنين المتكررة ضدهم.

ويقول أبو عليا لـ"العربي الجديد"، إن "المستوطنين ومنذ أربعة أشهر كثفوا اعتداءاتهم على المنازل، في الليل أو النهار، كانوا يركزون على تخريب خزانات المياه، وإفراغها، فهي أهم ما نحتاجه وتحتاجه مواشينا، كانوا يلاحقوننا ليلا ونهارا، لكن لم يستمع إلينا أحد، تواصلنا مع الجهات الرسمية والجمعيات، ووعدونا بأنهم سيعملون على توفير حماية لنا، لكن لم يحصل شيء من ذلك، فاضطررنا للرحيل، لأننا كنا ننتظر في أي لحظة وصول أحد المستوطنين وإطلاق النار على بيوتنا، ونحن لا نملك أي شيء يحمينا".

ينتهج المستوطنون، بحسب راجح أبو عليا، عدة أساليب، منها الاعتداء الجسدي، ومنها إرسال فتية لمضايقة رعاة الأغنام والسكان، ليترصدوا أية ردة فعل من الأهالي، لاستدعاء جيش الاحتلال، فضلا عن أسلوب وضع المستوطنين أغنامهم في المراعي التي يرتادها الفلسطينيون، وحتى قرب مساكنهم، ومنع الرعاة الفلسطينيين من رعي أغنامهم في تلك الأراضي، لتنحسر تدريجيا مناطق الرعي، والتي كانت في الفترة الأخيرة لا تتجاوز المناطق القريبة من المساكن.

الصورة
تجمع القبّون البدوي في الضفة الغربية (العربي الجديد)

وتشير الأرقام التي قدمتها مديرية النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية لـ"العربي الجديد" إلى رحيل قرابة 200 عائلة من العام الماضي، من المنطقة الشرقية لرام الله، وتحديدا التجمعات البدوية، في كل من تجمع راس التين، وعين سامية، والبقيعة، وأخيرا القبّون.

ويقول المدير العام للنشر والتوثيق في الهيئة، أمير داود، لـ"العربي الجديد": "إن هذا الرحيل نتيجة مباشرة للبيئة القهرية الطاردة التي تفرضها دولة الاحتلال من خلال نشر البؤر الاستيطانية الرعوية، في ظل توقفها على الأقل في الوقت الراهن عن الترحيل القسري على شكل جلب شاحنات تنقل التجمعات البدوية قسراً، لأسباب عديدة أهمها الضغط الإعلامي، والاتهامات التي تواجهها دولة الاحتلال بتنفيذ جرائم حرب".

الصورة
تجمع القبّون البدوي في الضفة الغربية (العربي الجديد)

ويشدد داود على أن الاحتلال يحاول التنصل من اتهامات جرائم الحرب بخلق بيئة قهرية طاردة للفلسطينين، والتي ترتقي كذلك في القانون الدولي إلى جريمة حرب، حيث يعمل مستوطنو هذه البؤر الاستيطانية، على حرمان التجمعات الفلسطينية من مساحات الرعي، والماء، والمضايقات الليلية، ويضاف إلى ذلك منع سلطات الاحتلال للبناء.
ويؤكد داود أنه قبل أسبوعين فقط من رحيل تجمع القبون، كان المستوطنون قد اعتدوا على أحد المنازل وعلى إحدى نساء التجمع وخلع حجابها، وكانت الصدمة بادية على الأهالي.

وتتلخص الخطة الإسرائيلية بعدم السماح لوجود أي تجمع فلسطيني شرق ما يسمى بشارع ألون الالتفافي الاستيطاني، أي إفراغ السفوح الشرقية للضفة الغربية من التجمعات الفلسطينية، من مسافر يطا جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية إلى الأغوار الشمالية شمال الضفة، وهي بمعظمها تجمعات بدوية، ما عدا قرية دوما جنوب نابلس التي تتعرض لسياسة إخطارات هدم واعتداءات المستوطنين.

يؤكد داود أن 75% من البؤر الاستيطانية الرعوية تتركز في السفوح الشرقية للضفة الغربية، من أصل 89 بؤرة تسيطر على 310 آلاف دونم، وهي بمعظمها أراضي خاصة، حاولت حكومة الاحتلال شرعنة السيطرة عليها من خلال مشروع قانون تسوية البؤر الاستيطانية والذي أقرت محكمة الاحتلال العليا بإلغائه، لكنه قد يعود للواجهة بعد تقليص صلاحيات المحكمة من خلال التشريعات القضائية الجديدة.

ويروج الاحتلال، بحسب داود، بأن البدو يرحلون طواعية، لكن خلف ذلك الرحيل توجد أسباب لا يبرزها الاحتلال، منها تلك البيئة الطاردة المتمثلة في اعتداءات المستوطنين والسيطرة على المصادر الطبيعية وتحديدا الماء في المناطق التي لا يستطيع الاحتلال السيطرة عليها من خلال الإجراءات الرسمية كأوامر المصادرة.

المساهمون