رحيل أم عزيز الأيقونة الفلسطينية بمخيمات لبنان: 40 عاماً في انتظار عودة أبنائها المختطفين

02 نوفمبر 2022
لم تفارق صور أبناء أم عزيز الأربعة يديها (فيسبوك)
+ الخط -

أسدلت الأيقونة الفلسطينيّة آمنة حسن بنات والمعروفة بـ"أم عزيز الديراوي"، الستار وفارقت الحياة، أمس الثلاثاء، بعد أربعين عاماً من الدموع والآلام على اختطاف أولادها الأربعة، خلال مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982.

أم عزيز اللاجئة الفلسطينية التي تمسّكت بالأمل وأبت الاستسلام، لم تتوانَ رغم كبر سنّها ورغم اتّكائها على العصا عن النزول إلى الساحات للمطالبة بكشف مصير أبنائها ومصير جميع المخطوفين والمفقودين قسراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

لم تفارق صور أبناء أم عزيز الأربعة يديها، ولم تغادر قلبها غصّة الفراق وضياع المصير ووجع اللّجوء، لم تعرف الطمأنينة منذ عام 1982، وهي تتخبّط بين صور عزيز وإبراهيم ومنصور وأحمد، والتي زرعتها على جدران منزلها في مخيم برج البراجنة، جنوب العاصمة اللبنانية.

وفي أحد أحاديثها المصوّرة، استعادت الحاجة الصابرة أعمار أبنائها، إذ كان أكبرهم بعمر الثلاثين حينها، والثاني ابن الـ25 عاماً لم يمضِ على زواجه ثلاث سنوات آنذاك، أمّا الثالث فكان ما لبث أن تزوّج منذ عام ونصف العام، وتصرخ بحسرةٍ على ولدها الرابع، ابن الـ13 عاماً الذي كان بعمر الدراسة. وتسرد كيف أمضت عمرها في البحث عن أبنائها، وكانت على استعداد لعيش عمرٍ آخر لملاقاتهم، أو لمعرفة وجهتهم، في أيّ بلد، شهداء كانوا أم أحياء، حتى تنتقل وتسكن بجوارهم.

أم عزيز.. أيقونة الصبر والقوة

وفي حديثها لـ"العربي الجديد"، تختزل رفيقة دربها في المعاناة مريم سعيدي وصف أم عزيز بـ"الأيقونة ورمز الصبر والقوّة. لقد كنّا نقوى بها، ولم نعرف الضعف يوماً بفضلها. صمتها وصبرها ووجهها، تروي الكثير. اتّكاؤها وانحناء رأسها على صورة أولادها وحزنها العميق كانت أدقّ تعبيرٍ عن آلامها وأوجاعها. وهي ككلّ أمّهات المفقودين كان قلبها محروقاً على أبنائها، لكنّ معاناتها كانت أصعب، فهي أمّ لأربعة مفقودين".

أم عزيز وملف المخطوفين

مريم، التي اختفى ابنها ماهر قصير عام 1982 من داخل الجامعة اللبنانية في الحدث (قضاء بعبدا)، وهو بعمر 15 عاماً ونصف العام، ولم تعرف عنه شيئاً لغاية تاريخه، تضيف: "بدأنا كأهالي المخطوفين التحرك عام 1982، متجاوزين كلّ الاعتبارات الطائفية والمناطقية والانتماءات السياسية. أمضينا الأيام وليالي الأعياد في الطرقات وعند خطوط التماس. لم نأبه للقنص والقصف والأمطار ولا لغيرها من الظروف، ولا أذكر أنّنا كنّا نشعر بالجوع أو البرد أو الخوف. فحالنا لا تشبه أيّ حال".

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

وتتابع: "لم أقطع حبل الوصال بيني وبين ابني روحيّاً على الإطلاق. فنحن نعيش مع المفقود في كلّ لحظة، نستحضره في كلّ خطوة وكلّ لقمة وكلّ عيد وكلّ يوم. حتّى إنّ فرحتنا ترافقها الغصّة والجراح على الدوام". مشيرة إلى أنّها كانت أصغر أمّ بين أمّهات المفقودين، وأنّ أغلبهنّ فارقن الحياة، ورأت أنّ "لقاءنا مع أولادنا أصبح في السماء"، آملةً أن "تلتقي أم عزيز بأبنائها هناك".

من جهتها، أنجاد عبد الهادي المعلم تروي معرفتها بـ"الحاجة أم عزيز منذ الصغر. كنتُ أراها على التلفاز، حاملةً صور أبنائها الأربعة، فلذات كبدها. للأسف، توفّيت ولم تعرف عنهم خبراً يطمئنها. كنتُ أراها في التظاهرات جالسةً على الرصيف برفقة الصور، ولاحقاً اجتمعنا في خيمة أهالي المخطوفين والمفقودين قسراً في بيروت، حيث تعرّفتُ إليها".

وقالت المعلم، التي فقدت والدها منذ 38 عاماً، أثناء خدمته العسكرية: "جرحنا ما زال ينزف ومعاناتنا لا تتوقّف، فكيف بأم عزيز التي كانت تبكي على فقدان أربعة أحبّاء"، كاشفةً أنّهم سيواصلون المسيرة "من أجل معرفة مصير أولاد أم عزيز ومصير والدي وكلّ المفقودين، كما حرصاً على تحقيق العدالة وتطبيق القانون 105/2018، وبالتالي دعم الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين".

وكان والد أنجاد قد اختطف من داخل الثكنة التي كان يخدم فيها، وهي كانت بعمر خمس سنوات ونصف السنة عندما ودّعته قبل ذهابه إلى خدمته.

المساهمون