استمع إلى الملخص
- تقدر التقارير الدولية عدد الأيتام في ليبيا بأكثر من 50 ألفاً، بينما تشير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن العدد قد يصل إلى 120 ألفاً، وتعاني هذه الدور من نقص في الموارد البشرية والتمويل، مما يجعلها تعتمد على التبرعات.
- تؤكد الباحثة الاجتماعية عفاف العجيلي على سوء أوضاع دور الأيتام، مشددة على أهمية تعزيز الدعم المالي الحكومي وتشديد الرقابة لضمان حماية حقوق الأطفال وتحسين ظروفهم المعيشية.
تواجه دور الأيتام في ليبيا تجاهلاً حكومياً كبيراً، في حين تعلن جمعيات خيرية عدم قدرتها على الاستمرار في دعم هذه الدور، ما يجعل نزلاءها يواجهون المجهول بسبب فساد المسؤولين والقائمين عليها.
وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أمرت النيابة العامة بحبس أخصائي اجتماعي في دار أيتام بالعاصمة طرابلس بتهمة الاستيلاء على 243 ألف دينار (50 ألف دولار) من حساب نزيلين في الدار. وأفاد بيان لمكتب النيابة العامة بأن "نيابة مكافحة الفساد في محكمة استئناف طرابلس حصلت على أدلة عن استغلال مكلف بإدارة دار الأيتام وظيفته للحصول على منافع مادية غير شرعية عبر استغلال حسابات مصرفية سحب منها مبالغ مالية. جرى حبس المسؤول على ذمة التحقيق في القضية".
ليست هذه القضية الوحيدة الخاصة بدور الايتام، إذ أبلغت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية) مكتب المحامي العام في أكتوبر 2022، عن واقعة تعرّض طفل (13 سنة) كان في دار الأيتام بطرابلس لتعذيب جسدي ونفسي مبرح من قبل أخصائي اجتماعي، وأدى الاعتداء إلى حدوث كسر في القدم اليسرى للطفل، وإصابته بكدمات في جسده، مع ظهور آثار تعذيب وانتفاخ من جراء استخدام أنبوب بلاستيكي وأدوات خشنة في الضرب. وأصدر المحامي العام تعليمات بإجراء تحقيق في ملابسات الواقعة وملاحقة الجناة.
وفي يونيو/ حزيران 2023، استنكرت منظمات حقوقية أهلية عدة واقعة تفريق عناصر من جهاز أمني في طرابلس، بالقوة وباستخدام الاعتداء اللفظي والجسدي، تظاهرة سلمية نظمتها نزيلات لدار رعاية البنات الأيتام في طرابلس. وذكرت المنظمات حينها أن "مديرة دار الفتيات اليتيمات استدعت الجهاز الأمني لفض الاحتجاج، ما يظهر بوضوح سوء الإدارة، وعدم تنفيذ السلطات واجباتها في حماية الأيتام والحفاظ على حقوقهم".
ولا توجد أرقام محددة لعدد الأيتام في ليبيا في ظل الإهمال الرسمي، في حين تقدّر تقارير دولية عددهم بأكثر من 50 ألفاً، أما المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية) فتقدّر عددهم بنحو 120 ألفاً يتوزعون بين أسر ترعاهم ودور أيتام تحاول قدر الإمكان توفير الحدّ الأدنى من احتياجاتهم.
وتوضح المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن الإحصاء التقديري الذي أجرته قد يكون أكبر بسبب الظروف الصعبة التي شهدتها ليبيا خلال 13 عاماً من الفوضى والقتال، وما نجم عنهما من فقدان أسر كثيرة أربابها، وأيضاً من تداعيات جائحة كوفيد- 19 التي تسببت في وفاة العديد من أفراد العائلات، خاصة كبار السن الذين كانوا يرعون أحفادهم، ومن كارثة إعصار درنة في سبتمبر/ أيلول 2023، والتي خلّفت مئات الأيتام الذين فقدوا أسرهم.
وكما أن عدد الأيتام تقديري، فكذلك عدد الدور التي تحتضنهم في ليبيا، والتي لا تزيد عن عشر دور تتوزع على المدن الكبرى. وكلها تعاني من نقص في الموارد البشرية والتمويل والدعم الحكومي، علماً أن معظمها يعتمد بالكامل على التبرعات، ما يجعل توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال مثل الغذاء والتعليم تحديات كبيرة.
تؤكد الباحثة الاجتماعية عفاف العجيلي، لـ"العربي الجديد"، أن أوضاع دور الأيتام سيئة، والأنباء عن الانتهاكات التي تحصل فيها صحيحة، كما يجري التستر على حوادث أخرى تظل بعيدة عن وسائل الإعلام تمهيداً لتسويتها قبل أن تصل إلى مراحل الإبلاغ والتحقيق، فالطفل اليتيم من أكثر الشرائح الاجتماعية هشاشة بسبب فقدانه السند.
وتعتبر العجيلي أن "الانتهاكات التي سجلها القضاء تؤكد الإهمال، وهي لم تكن لتحصل لو تحمّلت وزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولياتها في إدارة دور الأيتام. حالياً ينفذ القضاء واجبه في مواجهة هذه الانتهاكات، لكن تحركاته تظل محدودة لأنه يكتفي بالاستجابة للبلاغات. حتى لو عاقب القضاء من ينتهكون ويعتدون على حقوق اليتامى فستبقى آثار التعديات كبيرة في نفوس الأطفال المحاصرين بظروف الألم والفقد".
وتلفت إلى أن "استمرار الحياة في دور الأيتام يرتبط بالدعم الأهلي الذي يقدمه المحسنون والجمعيات الخيرية، في حين يجب تعزيز الدعم المالي الحكومي، وتشديد الضبط المؤسساتي لدور الأيتام ومراقبة إداراتها".