أصدرت منظمة اللاجئين الدولية، ومقرها الرئيسي الولايات المتحدة، الخميس، تقريرا مفصلا حول الحاجة إلى تغيير نموذج تقديم المساعدات الإنسانية في لبنان من الدولة المانحة والمجتمع الدولي.
ويقف التقرير عند عدد من العوامل التي أدى اجتماعها وتفاقمها لدفع مئات الآلاف من الناس في لبنان إلى مزيد من البؤس والفقر. ويشير تحديداً في هذا السياق إلى الانهيار الاقتصادي نهاية عام 2019، وجائحة كورونا وتبعاتها، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب الماضي. ويضع التقرير الفساد المستشري في لبنان وإخفاقات الطبقة السياسية والنظام الطائفي في صلب تلك الأزمة.
ويُقدّم التقرير عددا من التوصيات في ما يخص نهج المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة والبنك الدولي كما الدول المانحة، من أجل تقديم نموذج مساعدات مختلف يضع البلاد على المسار الصحيح ويحمي الفئات الأضعف، من بين اللبنانيين واللاجئين، من العواقب الوخيمة للانهيار.
تقديم نموذج مساعدات مختلف يضع البلاد على المسار الصحيح ويحمي الفئات الأضعف
وتشير سحر الأطرش، الباحثة في المنظمة ومؤلفة التقرير، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" في نيويورك بمناسبة صدوره، إلى أن "توالي الأزمات خلال فترة السنة والنصف الأخيرة خلق وضعا غير مسبوق في بلد كان يعاني أصلا من أوضاع خانقة. وعرّت هذه الأزمات مشاكل البلد بعمق. كما تفاقم وضع الفساد أكثر من قبل ووصل إلى مراحل بحيث لم يعد هناك موارد أكبر لنهبها". وتلفت الانتباه إلى "توجه لدى العديد من الدول المانحة ولا سيما الغربية منها يتلخص في محاولة احتواء أي أزمة يمكن أن ينهار البلد على أثرها، وخاصة بعد موجات من لجوء السوريين إلى لبنان هربا من ويلات الحرب في بلادهم، بهاجس الحفاظ على استقرار لبنان كي لا يصل هؤلاء اللاجئون إلى أوروبا أو يؤثر ذلك على المنطقة برمتها وغيرها من الأسباب. لكن هذه الطريقة أثبتت محدوديتها حيث ازداد الوضع سوءا، وتفاقم الفساد وسوء الإدارة، ولم يتحسن الوضع الإنساني".
وتؤكد الأطرش، أنّ المنظمات الإنسانية الدولية التي تعمل في لبنان تواجه تحديات مؤسساتية وقانونية كبيرة ولوجستية عموما، وأنه من الضروري أخذ ذلك بعين الاعتبار عند تقييم عملها. وتقول في الوقت نفسه: "على الرغم من ذلك، فإن تلك المؤسسات، كالأمم المتحدة والبنك الدولي، تعجز عن تقديم حلول تحوّل تلك المساعدات من مساعدات طارئة وسلال أغذية ومساعدات نقدية إلى سياسة إنسانية تكون مستدامة على مستوى واسع وتجعل من الحاصلين عليها فاعلين ومشاركين لا متلقين فحسب". وتلفت الأطرش الانتباه إلى أمر آخر متعلق بكون الأمم المتحدة والبنك الدولي من المنظمات الدولية الضخمة، التي لديها نمط عمل وبيروقراطية يجعلانها أحيانا بطيئة في التأقلم أو الاستعداد للتغيير. وتضيف: "تحت شعار لا يمكننا تخطي الدول التي نعمل بها، فإن تلك المنظمات تعرقل عملها وتكرر أخطاءها". وتقرّ الأطرش بوجود الفساد على نطاق واسع في لبنان وتقول في هذا السياق: "لكن أحد الحلول التي نطرحها هو الاعتماد على المجتمع المدني والسلطات المحلية، والتي يجب أن يكون العمل معها موضعياً وتراكمياً مع المراقبة للتأكد كذلك من عدم فسادها".
وتلفت الأطرش الانتباه إلى أمر آخر قائلة، "إن جزءا من هذه المنظمات الدولية يعمل أحيانا بشكل تنافسي بدلا من أن ينسق عمله بشكل أكبر، مما يزيد من تفاقم الأوضاع". وتشير في التقرير إلى أن الاستجابة الإنسانية وعدم التنسيق فاقما في بعض الأحيان من التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة وقوّضا جهود الجهات المحلية الفاعلة.
وترى الأطرش أن جزءا من التغيير الحقيقي على الأرض في سياق العمل الإنساني يمكن أن يحدث عن طريق منظمات المجتمع المدني المحلية، بحيث يكون لها دور حقيقي وتكون صاحبة قرار في برامجها لا منفذة أو مشاركة فقط. وتؤكد في الوقت ذاته ضرورة أن يتم توخي الحذر عند اختيار هذه المنظمات، لأن بعضها مرتبط بسياسيين فاسدين.
ويرصد التقرير "أن بعض الفاعلين الدوليين استمروا في الشراكة مع كيانات لبنانية مرتبطة بالفساد، أو منظمات غير حكومية أسسها سياسيون (كُثر منهم مشتبه بهم بالفساد)، أو مؤسسات ومسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. على سبيل المثال، في يناير/كانون الثاني 2021، أعلن البنك الدولي عن قرض بأكثر من 200 مليون دولار إلى لبنان بسعر تفضيلي لدعم الأسر الأكثر حرمانا، من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية ومصرف لبنان. على الرغم من أن هناك عدة تقارير وثقت مزاعم بالفساد ضد الوزارة والمصرف، والذي يخضع حاكمه حاليًا لتحقيق سويسري".
وعن الدروس التي يمكن تعلمها في السياق اللبناني من أزمة اللاجئين، تقول الأطرش: "بعض المنظمات تُدرك أن هذه الوزارة أو تلك فاسدة وتريد القيام بتغيير، لكنها تستمر بالسياسة نفسها بسبب الأريحية أو البيروقراطية لأن التغيير داخل منظومتها أصعب... وبسبب القيود التي تفرضها الحكومة وغيرها الكثير. ولاحظنا ذلك في السنوات العشر الأخيرة، في ما يخص مساعدات اللاجئين مثلا".
ويلفت التقرير الانتباه في هذا السياق إلى أن المساعدات للاجئين السوريين في لبنان من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بقيت طوال السنوات العشر الأخيرة محصورة غالبا في مراحل المساعدات الفورية ومراحل الطوارئ. ويقرّ بأن القيود الحكومية اللبنانية المفروضة على اللاجئين تضع هذه المنظمات في موقف صعب وتشكل تحديات هائلة للمانحين والجهات الفاعلة مما يمنع حدوث تحول جذري. ويرى التقرير في هذا السياق أن الدول المانحة والمؤسسات الدولية تستسلم لضغوطات الحكومة اللبنانية في الوقت الذي تستمر فيه بتوفير الأموال لها، مما يزيد من تقاعس السياسيين عن وضع خطة مستدامة تلبي احتياجات اللاجئين والمجتمعات المحلية وتجني من الأزمة لمصلحتها الخاصة.
وقامت الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي بوضع خطة تتعلق بتقديم المساعدات وإعادة الإعمار في لبنان، تتكون من ثلاث مراحل. وهي، تقديم المساعدات الإنسانية الفورية وبرامج التعافي وإعادة الإعمار ومن ثم التعافي طويل الأمد. تقول الأطرش "إن هناك نوعاً من الافتراض بأن الإصلاح في لبنان سوف يحدث وبذلك يتجاهلون الواقع وخاصة عند مؤسسات الدولة وصعوبة ذلك. وما معنى الإصلاح في بلد كلبنان؟ هناك تجاهل أو جهل لصعوبة ذلك وكيف يتقاطع عدد من الأمور من بينها الإقليمية والانقسامات المحلية والفساد وانقسامات الحرب وغيرها الكثير. ومقولة "سنعطي مساعدات إذا كانت هناك إصلاحات" فيها تجاهل للواقع. لذلك، يجب أن يكون الحل جذرياً وأن يكون هناك تغيير كلي لطريقة العمل في هذا المجال". وتؤكد الأطرش أن هناك تجارب في لبنان لبعض منظمات المجتمع المدني أظهرت استدامة وتغييرات إيجابية، خلال فترات قصيرة نسبيا من خلال مشاريع مختلفة تضمن حلولاً مستدامة.