"دعاء السفر" وأحلام محطمة في مطار بورتسودان السوداني

11 مايو 2023
تحت أشعة الشمس في مطار بورتسودان (محمد علي حريصي/ فرانس برس)
+ الخط -

يقف عشرات المدنيين السودانيين المرهَقين في صفّ طويل بالقرب من إحدى بوابات الصعود في مطار بورتسودان الواقع شمال شرقي البلاد، فيما تظهر أمامهم لافتة كبيرة عُلّقت على جدار وطُبع عليها "دعاء السفر".

بعد أيام قضوها على الطريق هرباً من المعارك القائمة ما بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، يتلو كثيرون منهم الدعاء بهدوء أملاً بمغادرة بلادهم الغارقة في الحرب. ويسعى مدنيون، بعد نحو شهر من اندلاع النزاع، إلى الفرار على متن طائرات وسفن حاملين أمتعة محدودة وتاركين وراءهم منازل وأقرباء وأحلاما قضت عليها المعارك.

بالنسبة إلى أولئك الذين اصطفّوا في قاعات مطار بورتسودان الصغير، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر من الخرطوم على بعد نحو 850 كيلومتراً بالسيارة أو الحافلة، بدا الخروج قريباً في نهاية المطاف. لكن بعد ساعات من الانتظار، شوهد عدد قليل منهم فقط يسيرون ببطء تحت أشعة الشمس في اتّجاه طائرتَين على مدرج المطار، وقد حمل بعض منهم أطفالاً وأمتعة صغيرة.

سعيد نور الدائن سعيد واحد من عشرات الأشخاص المحظوظين الذين أُجلوا على متن طائرة إماراتية متوجّهة إلى أبو ظبي. أخبر سعيد الذي كان يستعدّ لملاقاة والدَيه في الإمارات، وكالة فرانس برس: "أمضيت يومَين على الطريق". أضاف من على متن الطائرة: "استيقظت على صوت إطلاق النار يوم اندلعت الحرب... ومنذ ذلك الحين رأيت أشياء مروّعة".

على الرغم من الاضطرابات السياسية في البلاد، اتّخذ سعيد وهو طبيب أسنان يبلغ من العمر 25 عاماً، قرار البقاء في السودان بعد تخرّجه من الجامعة في الخرطوم قبل عامَين، وكان يأمل بفتح عيادة كبيرة ذات يوم. وقال الشاب بابتسامة حزينة: "لا أفهم حقاً ما حدث. تركت كلّ شيء ورائي. لقد انكسر الحلم".

يُذكر أنّ أكثر من 750 شخصاً قُتلوا منذ اندلاع المعارك في السودان في 15 إبريل/ نيسان الماضي. وبحسب بيانات وكالات الأمم المتحدة، فقد فرّ نحو 177 ألف شخص من هذا البلد الفقير، في حين نزح أكثر من 736 ألف شخص داخلياً.

قضايا وناس
التحديثات الحية

على متن الطائرة ذاتها، روى عبد الرحمن إبراهيم عبد الخالق كيف قرّر مع والدته وشقيقته الفرار من منزلهم في الخرطوم، عندما اقترب القتال الدائر منهم. وقال لوكالة فرانس برس إنّهم استقلّوا حافلة إلى بورتسودان أمضوا على متنها يوماً ونصف يوم قبل أن يتمكّنوا أخيراً من الصعود إلى الطائرة. وقد بدأت الوالدة بتلاوة الأدعية مع إقلاع الطائرة.

بالنسبة إلى الفتى السوداني البالغ من العمر 16 عاماً والذي أراد دراسة الهندسة الكهربائية وكانت لديه خطط للالتحاق بالجامعة في العام المقبل: "لم يعد في السودان أمان. هي فوضى. وكثر من أصدقائي غادروا بالفعل". أضاف: "أظنّ أنّ هذا (دراسة الهندسة) انتهى الآن. كنت آمل في الواقع أن أرى البلاد تتطوّر، لكنّ السودان الآن سوف يحتاج، بحسب ما أعتقد، إلى عشر سنوات على الأقلّ لاستعادة الاستقرار".

تجدر الإشارة إلى أنّ سكان السودان الذين لم يتمكّنوا من الفرار يعانون من نقص في الغذاء والضروريات الأخرى، ويعيشون بفضل شبكة تضامن ومساعدات بين الأصدقاء والجيران. وتقدّم دول الجوار مساعدات وتعمل على إجلاء مئات الأشخاص من جنسيات مختلفة، وذلك منذ بداية القتال.

وفي قاعة المطار الرئيسية، اقترب الركاب القلقون من عناصر الأمن ليستفسروا عن كيفية مغادرة البلاد، وقد حمل بعض منهم أكياساً بلاستيكية تحوي أطعمة. وجلس محمد، موظف المطار البالغ من العمر 70 عاماً، على مقعد في وسط القاعة ينتظر تلقّي راتبه المتأخّر وقد وضع على رأسه عمامة بيضاء تقليدية. وقال لوكالة فرانس برس بالإنكليزية: "لم يعد لديّ مال"، قبل أن يضيف "إن شاء الله تتحسّن الأمور".

(فرانس برس)

المساهمون