قالت مصادر في مؤسسة الأزهر الشريف إن المشيخة "انتظرت من الحكومة أن تُطلعها على مواد قانون الأحوال الشخصية الذي تقوم بإعداده ليكون بديلاً عن 6 تشريعات سارية، وبخاصة مادة (توثيق الطلاق الشفوي)، لكن ذلك لم يحدث رغم حديث وزير العدل عن (موافقة الأزهر على القانون)"، وبالتالي كان لزاماً على المشيخة أن تعيد التأكيد على موقفها من القضية التي كانت مثار خلاف بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.
ورجحت مصادر نيابية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، تجدد الخلافات المتكررة بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، بسبب البيان الصادر أمس الأول الخميس، عن الأزهر، والذي تضمن تأكيداً لموقفه السابق بشأن وقوع الطلاق الشفوي، وهو ما يعارض رغبة الرئيس عبد الفتاح السيسي في استصدار قانون جديد يمنع وقوعه.
وقال مصدر قريب من هيئة كبار العلماء إنه "لم تتم استشارة الأزهر في مشروع قانون الأحوال الشخصية، رغم أنه المؤسسة الوحيدة المخولة بحسب الدستور القيام على الشؤون الإسلامية، والمعروف والمتفق عليه أن قضايا الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق، تقوم أساساً على الشريعة الإسلامية التي نص الدستور على أن مبادئها هي المصدر الرئيسي للتشريع".
وقال المصدر نفسه إن تصريحات وزير العدل، عمر مروان، أمام الرئيس السيسي، يوم الإثنين الماضي، والتي قال خلالها إنه تم أخذ موافقة الأزهر على مشروع القانون الجديد "غير دقيقة"، لأنه لم يتم عرض المشروع على الأزهر.
وقال مروان إن "العمل مستمر على قانون الأحوال الشخصية الجديد، وسوف يتم الانتهاء من الأحكام التفصيلية خلال الشهر القادم، وطرحه للحوار المجتمعي، وندعو كل فئات المجتمع للمشاركة. نطرح الأحكام الموجودة في القانون، والأساس الذي تم عليه اتخاذ هذا الإجراء، سواء علمي أو إحصائي أو رأي فقهي، ونستمع إلى وجهات نظر الجميع لإجراء التعديلات، ومن ثم نتبع الإجراء الدستوري بالعرض على مجلس الوزراء، ثم الإحالة لمجلسي النواب. توثيق الطلاق حصلنا على موافقة الأزهر والأوقاف والإفتاء عليه، والموافقات مكتوبة ومختومة، ومطمئنين من كل الأحكام في مشروع القانون".
وتعليقاً على تلك التصريحات، قال المصدر القريب من هيئة كبار العلماء إنه "من الممكن أن تكون الحكومة ممثلة في وزارة العدل قد استشارت وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، لكنها لم تستشر الأزهر، وهو الجهة الوحيدة المخولة دستورياً بالبت في المسائل الشرعية، وليس الأوقاف ولا الإفتاء. تجنباً لحدوث أي التباس عند عموم الناس، فإن الأزهر الشريف حرص على إعادة تأكيد موقفه السابق من قضية الطلاق الشفوي، من خلال البيان الذي أصدره".
وحرصاً من مشيخة الأزهر الشريف على تأكيد دعمها لضرورة توثيق الطلاق، بدأت بيانها الرسمي، بأن الأزهر "يعيد التأكيد على ما صدر عن هيئة كبار علمائه بإجماع أعضائها على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم، في بيانها الصادر يوم 5 فبراير/شباط 2017؛ أنه يجبُ على المطلق أن يبادر إلى توثيق الطلاق فور وقوعه حفاظاً على حقوق المطلقة وأبنائها، وأنه من حق ولي الأمر شرعاً أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة رادعة على من امتنع عن التوثيق، أو ماطل فيه؛ لأن في ذلك إضراراً بالمرأة وبحقوقها الشرعية".
لكن البيان قال: "يؤكد الأزهر على الرأي الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية، وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي، حتى يوم الناس هذا". وأضاف: "سبق أنْ حذرت هيئة كبار العلماء المسلمين كافة من الاستهانة بأمر الطلاق، ومن التسرع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وتعريضهم للضياع وللأمراض الجسدية والنفسية والخلقية، وأن يتذكر الزوج توجيهَ النبي أنَّ الطلاق أبغض الحلال عند الله، فإذا ما قرَّر الزوجان الطلاق، واستنفدت كل طرق الإصلاح، وتحتم الفراق، فعلى الزوج أن يلتزم بالتوثيق دون تراخٍ حفظاً للحقوق، ومنعاً للظلم الذي يقع على المطلقة والأبناء في مثل هذه الأحوال".
وقال أحد علماء الأزهر الشريف إن المشيخة قامت في 2019، بعد أن ثارت أزمة الطلاق الشفوي بإعداد مشروع متكامل لقانون الأحوال الشخصية، عكفت هيئة كبار العلماء على إعداده ومراجعته، واستعانت فيه بذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة، لكن الحكومة لم تأخذ به، وأكد المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أنه "بعد ذلك انتظرت المشيخة من الحكومة أن تستشيرها في مشروع القانون الجديد، لكن ذلك لم يحدث".
وكان الرئيس المصري قد اطّلع السبت الماضي على ملامح مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، في اجتماع مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير العدل عمر مروان، ورئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، جمال عوض، ورئيس لجنة إعداد مشروع القانون، عبد الرحمن محمد، واستمع إلى عرض بشأن أعمال اللجنة.
واستجابة من اللجنة لطلب السيسي، أورد مشروع القانون إجراءات توثيق الطلاق كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به. إلى جانب إعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق، بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان عند حالتي الزواج والطلاق.
ودعا السيسي، قبل سنوات، إلى إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، وتساءل عن إمكانية توثيق عقود الطلاق مثل عقود الزواج، وذلك بعد ارتفاع معدلات الطلاق في مصر، وهي الدعوة التي أثارت جدلاً بين علماء الأزهر بشأن وقوع الطلاق الشفهي من عدمه، وأثارت الخلاف بين المشيخة والرئيس.
وبعدها أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بيانًا أنهت فيه الجدل بشأن الأمر، وعاد السيسي ليعلق على ذلك قائلاً: "هل أنا نشفت دماغي مع المؤسسة الدينية؟ لا. أنا سيبت (تركت) الموضوع يتفاعل مع المجتمع ومع المؤسسة الدينية، احتراماً لمنطق الزمن".