"خطة رواندا"... مصير آلاف اللاجئين في المحكمة

19 ديسمبر 2022
يعارض كثير من البريطانيين ترحيل اللاجئين (فيكتور سيمانوفيتش/الأناضول)
+ الخط -

بعد ستة أشهر على إيقاف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان طائرة الترحيل الأولى قبل إقلاعها إلى مطار كيغالي، تصدر المحكمة العليا البريطانية قرارها حول المخطط عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً بتوقيت غرينتش، بالتزامن مع مخاوف من المنظمات الحقوقية والجمعيات الخيرية التي لا تبدو متفائلة حول ما قد يصدر عن المحكمة، خصوصاً أن جلسة الاستماع الأولى لم تمنح الحقوقيين وطالبي اللجوء أي مؤشرات إيجابية حول إمكانية أن تقف المحكمة إلى جانبهم ضد الحكومة. 
يقول مؤسس منظمة "لايف سيكرز إيد"، كنان البيرقدار، لـ"العربي الجديد"، إن القاضي كان "عنيفاً" خلال 3 جلسات استماع حضرها في شهر سبتمبر/أيلول الماضي. ويضيف: "لست متفائلاً على الإطلاق بالحكم الذي سيصدر. وزارة الداخلية غيّرت خلال الأشهر الماضية، صيغة رسائل الترحيل الموجّهة إلى طالبي اللجوء، فلم يعد الإخطار يتضمّن ترحيلهم إلى رواندا فحسب، بل أضافت الحكومة إمكانية ترحيلهم إلى بلدان أخرى لم تذكرها، أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، أو حتى إرجاعهم إلى البلد الذي كانوا فيه قبل وصولهم إلى السواحل البريطانية، فرنسا مثلاً". 
وتقول مديرة منظمة "هيومن فور رايتس"، مادي هاريس، لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي المكلّف بالبتّ في الدعوى، هو نفسه القاضي الذي سبق أن رفض في شهر يونيو/حزيران الماضي، تمرير الاستئناف ضد قرار المحكمة العليا السماح لطائرة الترحيل بالإقلاع". وعبّرت مادي عن قلقها من جلسة الحكم، مشيرة إلى أن "القاضي اللورد جستس رابيندر سينغ، وهو من أصول مهاجرة، معروف منذ أن كان محامياً بدعمه المطلق للقرارات الصادرة عن الحكومة".
وعلى الرغم مما عاشته ثلاث حكومات متعاقبة من "حزب المحافظين" خلال السنتين الماضيتين من أزمات داخلية وتحدّيات اقتصادية مأساوية، إلا أن قضية ترحيل اللاجئين لم تكن يوماً قضية خلافية بين المرشّحين لزعامة الحزب ورئاسة الوزراء. 

قضية الهجرة لم تعد أولوية بالنسبة لملايين الناخبين البريطانيين

وكانت وزيرة الداخلية من أصول مهاجرة، بريتي باتيل، أول من "هندس" خطة الترحيل بدعم مطلق من رئيس الحكومة آنذاك، بوريس جونسون، وبتشجيع من المرشحين لزعامة الحزب لاحقاً، ليز تراس وريشي سوناك. إذ كان شعار "الحدّ من الهجرة والمهاجرين" واحداً من أبرز الوعود الانتخابية في حملتي تراس وسوناك خلال الصيف الماضي، رغم أن قضية الهجرة لم تعد تحتل أولوية بالنسبة لملايين الناخبين الذين تراجعت مخاوفهم من المهاجرين خلال السنوات الماضية، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة. 
واعتبرت الرئيسة التنفيذية لمنظمة "التحرّر من التعذيب"، صونيا سكيتز، في لقاء مع "العربي الجديد"، أن "المشكلة لا تتعلّق بشخص وزير الداخلية، بل بحكومة حزب المحافظين المعادية للمهاجرين، وسياساتها المتعلّقة بهذا الملف"، مضيفة أن حكومة بلادها "تريد أن تشغل ملايين الناخبين بقضية الهجرة كي تغطّي على إخفاقاتها الموجعة في قضايا مصيرية أخرى، من بينها الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تجعل الملايين عاجزين عن تدفئة منازلهم، أو إطعام أطفالهم". 
وفي حين لا تبدي سكيتز تفاؤلاً بالقرار المقرر صدوره عن المحكمة العليا، لكنها تقول: "لانزال في البداية. والطريق إلى العدالة في هذه القضية طويل، ومحفوف بالمتاعب"، مشيرة إلى أنها لا تعتقد أن طائرات الترحيل ستقلع فوراً، أو خلال مطلع السنة الجديدة، حتى لو قضت المحكمة بشرعية هذه الرحلات، وأن المهم هو "المضي قدماً في الحملات التي تنظمها الجمعيات الحقوقية والخيرية، عسى أن تردع هذه الخطوة غير الإنسانية". 

الصورة
تكررت الاحتجاجات المناهضة لترحيل اللاجئين (نيكلاس هالين/فرانس برس)
تكررت الاحتجاجات المناهضة لترحيل اللاجئين (نيكلاس هالين/فرانس برس)

آخر الحملات التي نسقتها منظمة "التحرر من التعذيب"، كانت حملة لافتات إعلانية ملأت جدران القطارات السريعة في الخطوط الأساسية التي تربط شرق لندن بغربها، وضمت عبارات من بينها: "لا تسمحوا لهذه الحكومة بأن تفتح خط رواندا". تقول سكيتز عن الحملة: "الكثير من ردود الفعل المتعاطفة وصلتنا من ركّاب بريطانيين، وأنا على يقين من أن ملايين الناخبين يقفون ضدّ هذه الخطة غير الإنسانية والبشعة".
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، ونواب آخرون من حزب المحافظين، تأييد مشروع قانون برلماني يهدف إلى "فرض سيادة بريطانيا على سياسة الهجرة"، في ما يعتبر ردّاً متأخّراً على تدخّل المحكمة الأوروبية في اللحظات الأخيرة، ومنعها طائرة ترحيل طالبي اللجوء من التحليق إلى رواندا. 
فشل مشروع القانون في الحصول على أغلبية برلمانية، يوم الأربعاء الماضي، ولو تم التصويت لصالح المشروع في البرلمان، لكان رئيس الحكومة ريشي سوناك اليوم في موقف صعب، إذ من شأن ذلك أن يضعه وجهاً لوجه أمام التزاماته السابقة، عندما تعهّد بعدم السماح للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان "بكبح قدرتنا على السيطرة بشكل صحيح على حدودنا".  
لكن الأصوات المطالبة بتجاهل قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أو بالانسحاب منها، أو عدم الالتزام بقراراتها، هي أصوات مؤثّرة في حزب المحافظين، ما يجعلها قادرة على حشد المزيد من الدعم لموقفها خلال الأشهر القادمة.
في سياق متصل، وضع سوناك، نهاية الأسبوع الماضي، خطة جديدة "لمعالجة أزمة الهجرة"، تشمل اتفاقية مع ألبانيا بشكل خاص "لإعادة المهاجرين غير الشرعيين بسرعة قصوى".

أكثر من 3 آلاف طالب لجوء استلموا إخطارات بالترحيل إلى رواندا

ومع أن السنتين الأخيرتين شهدتا تأخيراً كبيراً في طلبات اللجوء، وتراكماً يعكس الفشل الإداري، بحسب حزب العمال المعارض، إلا أن المهاجرين الألبان تحديداً، خصّصت لهم وزارة الداخلية، وفقاً لخطة سوناك الجديدة، خطاً سريعاً لمعالجة طلباتهم بهدف إعادتهم إلى بلدهم. 
ويؤكد كنان البيرقدار لـ"العربي الجديد"، أن كرديّين عراقيين اثنين أخضعتهما وزارة الداخلية لمقابلات سريعة بعد وصولهما بأسبوعين فقط بهدف ترحيلهما. ما يعني أن "الخط السريع" ليس حكراً على الألبان كما ادّعت الخطة، مضيفاً أن إحصاءات جمعيته تشير إلى أن "أكثر من 3 آلاف طالب لجوء استلموا إخطار الترحيل إلى رواندا، أو سواها، ومعظم هؤلاء من السودان وسورية وإرتيريا وأفغانستان وإيران".
وقال سوناك، في وقت سابق، إن خطّته الجديدة ستضمن "تقييد عبور المهاجرين غير الشرعيين ممن يستغلون النظام والقوانين عبر التظاهر بأنهم ضحايا للعبودية الحديثة". 
ما دفع رئيسة الوزراء المحافظة السابقة، تيريزا ماي، لتوجيه انتقادات لتلك التصريحات، قائلة إن "العبودية الحديثة تهديد حقيقي وآني"، كما أشارت إلى أن عدداً كبيراً من طالبي اللجوء جاؤوا إلى الشواطئ البريطانية هرباً من الحروب والتعذيب والقمع في بلادهم. 
من جهته، عبّر زعيم "حزب العمّال" المعارض، كير ستارمر، عن استيائه من الخطة الجديدة، ومن خطة رواندا على حدّ سواء، متّهماً الحكومة بإهدار الأموال "على خطة غير عملية، وغير أخلاقية، لترحيل الناس إلى كيغالي"، وأشار إلى أن "نظام اللجوء متآكل، وبدلاً من معالجته لا تفعل الحكومة سوى تعطيله أكثر، وزيادة الأمور سوءا".

في انتظار قرار المحكمة العليا، يبقى أن النوايا الحسنة التي تعبّر عنها الجمعيات الحقوقية والخيرية قولاً وفعلاً لن تغيّر في وقت قريب من مواقف حكومة "المحافظين" المعادية لطالبي اللجوء، كما لم يعد في الإمكان الاعتماد كثيراً على تدخّل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ظل محاولات حثيثة من أطراف برلمانية مؤثّرة للانسحاب منها.
لكن المؤكد أن "خطة رواندا" التي ادّعت الحكومة أنها ستردع طالبي اللجوء عن القدوم إلى المملكة المتحدة، وستضع حداً لعصابات الاتجار بالبشر، لم تؤت ثمارها، إذ وصل ما يقارب 40 ألف لاجئ إلى الأراضي البريطانية خلال العام الحالي، مفضّلين ركوب "قوارب الموت"، ثم التعرّض لخطر الترحيل إلى بلد أفريقي، على البقاء في بلدانهم حيث الحروب والتعذيب والفقر.
وفي وقت سابق، عبر الصليب الأحمر البريطاني عن قلقه بشأن التعامل مع طالبي اللجوء، وطالب المتحدّث باسمه، أليكس فريزر، باتّخاذ إجراءات فورية "لتلبية الاحتياجات الأساسية لمئات الرجال والنساء والأطفال الذين وصلوا إلى الشواطئ البريطانية بعد رحلة شاقّة وأليمة"، مضيفاً: "بلدنا يمتلك تاريخاً في مساعدة الفارّين من الحروب والاضطهاد. بغضّ النظر عن طريقة وصول هؤلاء المهاجرين، فإنهم يستحقّون جميعاً معاملة رحيمة وإنسانية".

المساهمون