تخشى النساء عادة من تقهقر قدرتهنّ على الإنجاب، إذ إنّ خصوبة المرأة تبدأ بالتراجع عند بلوغها الخامسة والثلاثين. في المقابل، لا يُلاحَظ انشغال بخصوبة الرجل، بيد أنّ دراسات حديثة تشير إلى انخفاض متوسط عدد الحيوانات المنوية بأكثر من النصف بين الرجال الغربيين في خلال العقود الأربعة الماضية، وذلك ابتداءً من سنّ الأربعين. والعقم هو العجز عن تحقيق الحمل بعد مرور 12 شهراً أو أكثر على ممارسة الجماع بانتظام ومن دون وسائل حماية.
وتشير الدراسات إلى أنّ التدخين يؤثّر سلباً على الحيوانات المنوية لدى الرجل، الأمر الذي يزيد بديهياً من مشكلات الخصوبة. كذلك يؤثّر استهلاك الكحول على خصوبة الرجل والمرأة مثل التدخين تماماً. وقد تبيّن أنّ الرجال الذين يستهلكون الكحول يشكون من انخفاض في مستويات هرمون تستوستيرون وإنتاج الحيوانات المنوية، في حين أنّ الاستهلاك المنتظم للكحول يمكن أن يتسبّب أيضاً في تغيّرات بالحمض النووي مستقبلاً. بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم زيادة الوزن في الإصابة بالعقم، خصوصاً بين النساء.
وتؤدّي مجموعة متنوّعة من العوامل إلى جانب نمط الحياة على رفع مستوى التوتّر لدى الناس. ويُعَدّ التوتّر عاملاً في زيادة العقم عند الرجال والنساء على حدّ سواء. فالإجهاد يرفع مستوى هرمون كورتيزول في الجسم، الأمر الذي قد يؤثّر على الخصوبة.
وفي تقرير حول الموضوع، نقلت صحيفة آي البريطانية، في أواخر إبريل/ نيسان المنصرم، عن البروفسور سوكس مينهاس، خبير خصوبة الرجل في جامعة "إمبريال كولدج لندن"، قوله إنّ "العقم يؤثّر على واحد من كلّ سبعة أزواج، ويعود نحو 50 في المائة من ذلك إلى عامل مرتبط بالذكر". أضاف مينهاس أنّ "العادة جرت في حال تسجيل مشكلة في الخصوبة، على إحالة النساء إلى علاجات مختلفة، من قبيل أطفال الأنابيب أو تقنيات الإنجاب بالمساعدة"، لافتاً إلى أنّ "نحو 25 إلى 30 في المائة من حالات العقم تكون عند الذكور". وتابع أنّ "واحد في المائة من الرجال لا يملكون حيوانات منوية، وقد لا تبدو النسبة مهمّة، لكنّها (...) تساوي كثيراً من الناس".
وأشار مينهاس إلى أنّه "نعلم كذلك أنّ ثمّة حالات عقم عند الرجال تعود إلى تلف الحمض النووي المرتبط بعوامل بيئية مختلفة، بما في ذلك النظام الغذائي والتدخين واستهلاك الكحول وتعاطي المخدرّات. كذلك فإنّ مزيداً من الرجال يستخدمون ستيرويدات ابتنائية أو عقاقير كمال الأجسام، الأمر الذي قد يؤثّر بدوره على الخصوبة". وتابع مينهاس أنّ "السبب قد يرتبط باضطرابات في الهرمونات أو بمشكلات وراثية أو مشكلات مناعية أو عدوى ما. وبالتأكيد يعاني من العقم الرجال الذين خضعوا إلى علاجات كيميائية أو إشعاعية".
من غير السهل أن يحكي رجل عن مشكلته مع العقم، لكنّ دانيال البالغ من العمر 33 عاماً ومن سكان لندن، يخبر "العربي الجديد": "مررت بتجربة صعبة جداً، عندما أبلغني الأطباء بأنّني مصاب بسرطان الغدد الليمفاوية، بالمرحلة الرابعة منه، أي أنّني في مستوى متقدّم من المرض"، مضيفاً أنّ "الأطباء أخبروني بضرورة خضوعي لعلاج كيميائي موضحين سلبيات هذا العلاج، ومنها إمكانية تأثّر الخصوبة لديّ وبالتالي إصابتي بالعقم".
ولا يخفي دانيال أنّ "خبر إصابتي بسرطان بمرحلة متقدّمة كان الصدمة الأولى، لا سيّما أنّني كنت أتمتّع بصحّة جيدة ولم أشكُ من أيّ علّة خطير في الماضي. فأحسست بأنّ حياتي على المحك، فيما كنت أبدأ بتكوين عائلة بعد ارتباط دام عاماً. أمّا الصدمة الثانية فهي حين أبلغني الأطباء بأنّني على الأرجح، وبنسبة كبيرة تتجاوز تسعين في المائة، لن أتمكّن من الإنجاب بعد خضوعي للعلاج الكيميائي. وقد كان يتوجّب عليّ البدء به على الفور، لتفادي تفشّي المرض".
ويكمل دانيال: "سألت الأطباء عن الخيارات المتاحة أمامي كي أتمكّن من الإنجاب، فأبلغوني أنّه في إمكاني تجميد حيوانات منوية فتُحَلّ المسألة. وقد أنجزت كلّ اللازم في هذا الإطار، في غضون أسبوعَين، مؤجّلاً العلاج الكيميائي ومهدّداً حياتي بالخطر. لكنّني كنت مطمئناً إذ إنّني، في حال عدم قدرتي على الإنجاب بشكل طبيعي، سوف أتمكّن من اللجوء إلى بنك الحيوانات المنوية".