يحرص كثير من الأردنيين على التخرج من الجامعات، لكنّ ذلك لا يرتبط بالضرورة بالوصول إلى سوق العمل، بل بالوجاهة المجتمعية التي توفرها الشهادات
يشعر كثير من الشباب الأردنيين بالقلق من المستقبل، بسبب قرارات سابقة اتخذوها. البعض يشعر بالندم على ما يصفه بالمال والسنوات المهدرة على الدراسة الجامعية، فهناك أكثر من 400 ألف شاب ينتظرون التوظيف في سجلات ديوان الخدمة المدنية، في ظل ارتفاع غير مسبوق في عدد العاطلين من العمل. وأظهرت نسب البطالة في الأردن للربع الثالث من عام 2020، الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، ارتفاع البطالة إلى 33.6 في المائة لدى الإناث، و21.2 في المائة لدى الذكور. وقد بلغت نسبة العاطلات من العمل ممن يحملن شهادة البكالوريوس 77 في المائة، مقابل 25.2 في المائة من الذكور الذين يحملون الشهادة نفسها.
يقول حسن علي، خريج نظم المعلومات الإدارية، الذي بقي عاطلاً من العمل، طوال سبع سنوات بعد تخرجه من الجامعة، لـ"العربي الجديد" إنّه كان يعتقد أنّ الشهادة الجامعية مهمة في مستقبل الحياة العملية، لكنّه يرى اليوم أنّ الدراسة الجامعية كانت هدراً للمال والجهد. بدأ العمل قبل عام واحد في إحدى المؤسسات براتب لا يتجاوز 350 دولاراً أميركياً.
أما ربى العبادي، وهي خريجة جامعة خاصة، فتشير في حديثها مع "العربي الجديد" إلى أنّ والدها أنفق على دراستها نحو 20 ألف دولار، لكنّها عاطلة من العمل منذ عشر سنوات، مضيفة أنّ الدراسة خسارة مادية. لكنّها أبقت لديها الأمل في أنّها قد تجد، يوماً ما، عملاً يساعدها في المستقبل، كما تؤكد أنّ الشهادة الجامعية حفظت لها مكانتها المجتمعية بين صديقاتها.
من جهته، يعتبر أحمد الخوالدة، أنّ الشهادة الجامعية تشكل عبئاً على حاملها، إذ لم تعد وسيلة لرفع المستوى المعيشي، مضيفاً أنّه لو عادت به الأيام، فسيبدأ مشروعاً صغيراً بالأموال التي ذهبت إلى تحقيق "الوجاهة المجتمعية عبر الشهادة" لا أكثر، علماً أنّ أهله هم من أرادوا أن يحصل على تلك الشهادة.
ووفق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" فإنّ كلفة تدريس طالب واحد في الجامعات الرسمية الأردنية بالمعدل هي 100 دينار شهرياً (140 دولاراً) من دون احتساب المصاريف الأخرى كالمواصلات والمصروف الشخصي والقرطاسية والكتب. وإذا ما أضيفت هذه المصاريف إلى الكلفة، تصبح 200 دينار شهرياً (240 دولاراً) كحدّ أدنى، فيما متوسط الرواتب في الأردن هو 525 ديناراً (735 دولاراً) وفقاً لأرقام الضمان الاجتماعي. وهذا يعني أنّ كلفة دراسة الطالب تصل إلى 38 في المائة من دخل الأسرة، في حال كان هناك معيل واحد لها، وفي الأسرة التي لديها طالبان في الجامعة، يقتطع التعليم 76 في المائة من الدخل. ويقول منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" فاخر الدعاس لـ"العربي الجديد" إنّ المجتمع يعيش ثقافة الحصول على الشهادة الجامعية وضرورتها، فحتى عندما يرغب الشخص بالزواج يُسأل عن تحصيله العلمي وشهاداته. يضيف أنّ الأردني مستعد لأخذ قرض بآلاف الدنانير من أجل تدريس ابنه. ويشير إلى أنّ العقلية المتعلقة بالحصول على الشهادة الجامعية لم تتغير، والدليل على ذلك أعداد المتقدمين للحصول على المنح والقروض الجامعية، من صندوق دعم الطالب للعامين الدراسيين الماضي والجاري.
من جانبها، تقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، ميساء الرواشدة لـ"العربي الجديد" إنّ معظم الشباب الأردنيين يسعون للحصول على الشهادة الجامعية، مع علمهم أنّها لن تكون سبباً في الحصول على دخل مرتفع، فذلك جزء من الوجاهة المجتمعية. ويدخل العديد منهم في اختصاصات بتوقعات منخفضة بتوفر شواغر لها، لكنّ الشهادة توفر لهم احتراماً مجتمعياً، لدى الأقارب والأصدقاء، وكذلك الجنس الآخر عند الرغبة بالزواج. وتوضح أنّ كثيرين ممن يعملون على سيارات الأجرة الخاصة بالتطبيقات الذكية، والعمال البسطاء في المؤسسات، يحملون شهادات جامعية، لافتة إلى أنّ الأردنيين يعتبرون الشهادة ملجأ للأمان الاجتماعي والوظيفي، حتى إذا ما تأخر التعيين. تضيف أنّ التعليم لا يرتبط بالضرورة بسوق العمل، وليس ذلك حكراً على الأردن، ففي المجتمعات الغربية يدرس كثيرون اختصاصات جامعية من أجل المتعة فحسب. وتذكر أنّ لديها طالباً يبلغ من العمر 52 عاماً، لم يأتِ من أجل التوظيف بحسب شهادته، بقدر رغبته الشخصية بالحصول عليها. وتوضح أنّ هناك من يدرس من أجل أن تكون الشهادة مفتاحاً لأبواب الرزق، فيما آخرون يهتمون بالدور المجتمعي للشهادة، لافتة إلى أنّ كثيرين من سائقي التطبيقات الذكية، يتباهون لدى الصعود معهم، أنّهم خريجو جامعات. تتابع الرواشدة أنّ الأردني يجوع ليدرس ابنه، فيما ينظر إلى الشهادة كمرادف للوظيفة، والحصول على الأمان الاجتماعي. أما حديث الشباب عن سوء خيار الدراسة الجامعية فهو محاولة لرفض الواقع، كما تقول، واحتجاج على الأداء الحكومي في التعيين والتوظيف، فالأردن من أبرز دول العالم في أعداد الطلاب الجامعيين والخريجين، مقارنة بعدد السكان، معتبرة أنّ الكلفة المالية لم تغير كثيراً في نظرة الناس إلى التعليم.
في دوره، يقول مدير مركز بيت العمال الأردني (غير حكومي) ووكيل وزارة العمل السابق، حمادة أبو نجمة، لـ"العربي الجديد" إنّ الشباب الأردنيين يهربون من التدريب المهني ويفضلون الدراسة الجامعية، لأنّ برامجه غير مشجعة، وليست هناك آفاق له، بل هناك عدم ثقة بالحصول على عمل بعد التخرج، لأسباب أخرى متعددة، فكثير من المهن منخفضة الأجور، فيما ظروف العمل في بعضها صعبة. وحول اقتراحات البعض باستثمار أموال الدراسة الجامعية بإنشاء مشروع خاص، يقول أبو نجمة إنّ إنشاء مشروع خاص يحتاج إلى شخص متمكن من إدارة المشروع مالياً وإدارياً. ويلفت إلى أنّ الأردن من الدول الأبرز على صعيد فشل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بسبب نقص المال، أو نقص المعرفة، وغياب تسويق الإنتاج، معتبراً أنّ هناك مشكلة في تأهيل الشباب لإدارة المشاريع. كذلك، يرى أنّ من الجيد التوجه إلى الشباب لإنشاء مشاريع، لكنّ الأهم أن يتوجه الشباب إلى المكان الذي يوافق قدراتهم للنجاح، أكان مشروعاً خاصاً أو مهنة يتعلمها، من خلال استطلاع سوق العمل وحاجاته. ويعتبر أنّ الوظيفة الحكومية، عموماً، ذات راتب محدود، وإن تمكن الخريج من الوصول إليها.
هرم مقلوب
يقول خبير العمل، حمادة أبو نجمة، إنّ هناك مشكلة في نسبة الجامعيين في الأردن بالمقارنة مع الحرفيين والمهنيين، فنحو 70 في المائة من الطلاب يتجهون إلى التعليم الأكاديمي، رغم أنّ المنطق يقول إنّ هذه النسبة يجب أن تتجه إلى العمل المهني، وهو ما يسمى بالهرم المقلوب، فالأساس أنّ الغالبية مهنيون يلبون حاجة سوق العمل، عكس ما هو حاصل.