تستأثر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عبر ذراعها الاقتصادية شركة "وتد" على كل سوق المحروقات في ريف محافظة إدلب شمال غربي سورية وباقي المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام في ريف حلب الغربي وريفي اللاذقية وحماة الشماليين. وترفع الشركة أسعار المحروقات كل أسبوع أو أسبوعين بحجة تقلّب سعر صرف الليرة التركية المستخدمة في كل مناطق الشمال السوري.
وتعتمد الهيئة في جزء كبير من تمويلها على سوق المحروقات، في وقت تنعكس الزيادات المتكررة في أسعار المحروقات سلباً على حياة سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها، إذ تؤثر على أسعار المواد الغذائية التي يحتاج إنتاجها إلى محروقات، وحركة السيارات والآليات التي تستخدم الوقود.
وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تظاهر العشرات في إدلب ضد سياسات رفع أسعار المحروقات، معبرين عن استيائهم من ارتفاع الأسعار "في شكل غير منطقي لا يراعي الوضع المعيشي"، مع المطالبة بـ"كفّ يد المفسدين ومحاسبة المستغلين من المسؤولين والتجار، وإبعادهم عن سوق العمل".
وفي مواجهة الزيادات في أسعار المحروقات، لوحظ في مدينة إدلب أخيراً انتشار الدراجات الهوائية التي بات أشخاص كثيرون يعتمدون عليها في التنقل، بسبب عدم استهلاكها الوقود ورخص ثمنها مقارنة بوسائل نقل أخرى.
يقول أحمد حسن النازح من محافظة حمص والأب لخمسة أطفال بينهم ثلاثة يرتادون المدرسة، والذي يعمل في منظمة للمجتمع المدني في إدلب، لـ"العربي الجديد": "اضطررت إلى بيع سيارتي التي كنت أتنقل بها من المنزل إلى العمل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في شكل متكرر، والذي لا يمكن أن أتحمله في ظل دفعي ثمن إيجار المنزل ونفقات الأطفال في المدرسة. ثم اشتريت دراجة هوائية لوقف دفع مزيد من الأموال للتزود بالمحروقات، وبت أوفّر نحو 150 ليرة تركية شهرياً كنت أنفقها على السيارة، وهو مبلغ يعادل أجرة عملي أسبوعاً كاملاً".
من جهته، يوضح بائع الدراجات الهوائية محمد رامز الخليل لـ"العربي الجديد" أن "موسم شراء الدراجات يبدأ عادة بعد شهر إبريل/ نيسان، لكننا شهدنا إقبالاً مبكراً هذا العام لأسباب عدة بينها الوضع الاقتصادي للسكان الذين باتوا يطلقون على الدراجة اسم خدّام ببلاش (مجاني) لأنها لا تحتاج إلى وقود أو لرسم في دائرة المواصلات، ولا تطاولها مخالفات الشرطة".
ويشير إلى أنه كان سابقاً يبيع دراجات مخصصة للأطفال، لكنه بدأ أخيراً في بيع دراجات الكبار بعدما زاد الطلب عليها بنسبة 30 في المائة، و"هو أمر لم يكن متوقعاً، خصوصاً أن أسعار الدراجات المستوردة من أوروبا ارتفعت بنسبة مائة في المائة، وتلك الصينية والتركية بين 30 إلى 40 في المائة. لكن ذلك لم يوقف حركة البيع لأن كثيرين باتوا يستخدمون الدراجات للتنقل، وهو ما نلاحظه اليوم في مدينة إدلب خصوصاً التي تتمتع بطرق مستقيمة ومعبّدة في شكل جيد".
يقول رئيس مكتب الهيئة السياسية في محافظة إدلب أحمد بكرو لـ"العربي الجديد": "يعاني غالبية السكان من الوضع الاقتصادي المتردي بتأثير فرص العمل المحدودة المتوفرة وكثافة سكان المنطقة التي تضم أكثر من أربعة ملايين شخص، وعدم تطوير المشاريع الإنتاجية وزيادتها، وضعف دخل الناس لدرجة عدم قدرتهم على سد قيمة احتياجاتهم الأولية، علماً أن الدخل اليومي لغالبية العاملين لا يتجاوز عشر ليرات تركية". ويشير إلى أن "ارتفاع أسعار الوقود وعدم استقرارها بسبب ارتباطها بقيمة الدولار والليرة التركية انعكسا على تكاليف المواصلات والإنتاج، وتسبب في غلاء بأسعار المواد الأساسية التي تخضع أيضاً لتكاليف النقل والضرائب المفروضة، والاختلافات الخاصة بالنوعية والجودة. واليوم تشهد إدلب انتشاراً واسعاً في استخدام الدراجات الهوائية والنارية كوسائل نقل أساسية، باعتبار أن الناس تملك قدرة أكبر على اقتنائها وتحمل أعباء صيانتها بدلاً من السيارات ذات التكاليف الكبيرة".
وارتفعت أسعار المحروقات والغاز المنزلي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال غربي سورية، وبلغت أرقاماً قياسية، وهو ما بررته الجهات التي تسيطر على المنطقة برفع الشركات المصدّرة للأسعار. وتؤكد شركة "وتد" للبترول التابعة لحكومة الإنقاذ أن زيادة الأسعار شملت المحروقات المستوردة من تركيا فقط، إذ بلغ سعر قارورة الغاز المنزلي 99.5 ليرة تركية (10.77 دولارات)، وسعر ليتر البنزين المستورد 7.66 ليرات تركية (82 سنتاً)، وسعر ليتر المازوت المستورد من النوع الأول 7.05 ليرات تركية (76 سنتاً).