ختم الأحاديث النبوية عادة أصيلة تميّز رمضان تونس
حياة مبروك
يولي التونسيون الأحاديث النبوية الشريفة عناية كبرى ويحرصون على قراءتها وتفسيرها وحفظها في جلسات خاصة بالجوامع، وذلك برئاسة علماء في الفقه وأئمّة الزيتونة الذين دأبوا على عادة ختم الأحاديث النبوية في شهر رمضان من كلّ عام.
ويعود تاريخ ختم الأحاديث النبوية إلى العهد الحفصي، أي إلى القرن السابع الهجري، عندما كان السلطان يحضر بنفسه موكب ختم الأحاديث في جامع الزيتونة. وقد استمرّت عادة رواية الأحاديث في هذا الجامع منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
على الرغم من اختلاف مذاهبهم، يحرص أئمّة تونس وشيوخها والمشرفون على وزارة الشؤون الدينية فيها على الحفاظ على عادة ختم الأحاديث النبوية الشريفة، خصوصاً في الجوامع الكبرى، من قبيل جامع الزيتونة المعمور وجامع صاحب الطابع وجامع سيدي محرز.
ويتجاوز عدد جلسات ختم الأحاديث ألف جلسة تتوزّع على جوامع عديدة، فيجتمع المصلون بعد صلاة العصر مباشرة للاستماع إلى مجالس الأحاديث، ويطنب الإمام أو الفقيه في تفسيرها بدقّة بالغة. ويقول الإمام معز بن زيد لـ"العربي الجديد"، إنّ "ختم الأحاديث في المساجد يبدأ في أوّل شهر شعبان ويُختتَم في ليلة القدر أو في آخر أيام شهر رمضان الكريم، وهي مدة كافية للغوص في مناهج رسول الله الأكرم وسيرته الطيّبة".
ولا تقتصر الجلسات الرمضانية على قراءة الأحاديث فقط، بل تتناول شتّى المواضيع الدينية والفقهية وتفسير بعض الآيات القرآنية وإلقاء دروس مطوّلة تخصّ المسائل الحياتية الدنيوية كالأمانة والصدق وحرمة المساجد وغيرها، لا سيّما أنّ الحضور يشتمل على كلّ الفئات العمرية فنجد الشيوخ والشباب وكذلك الأطفال، الأمر الذي يستوجب تفسيراً خاصاً ومفصّلاً حتى تصل المعلومة إلى الجميع.
وكانت المجالس تقتصر فقط على الجوامع الكبرى، لكنّ وزارة الشؤون الدينية التونسية ارتأت أن تعمّم عادة ختم الأحاديث النبوية على أكثر من ألف مسجد تتوزّع في كلّ المحافظات، لتصير مقترنة بالعادات الدينية الرسمية في الشهر الفضيل مثل صلاة التراويح وختم القرآن.
وتختلف الكتب المعتمدة في عادة ختم الأحاديث بحسب الجامع والإمام والتوقيت والمناسبة الدينية. ويشرح بن زيد أنّ "أربعة كتب تُقرأ، وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وشفاء القاضي عياض وموطّأ الإمام مالك".
وتُقرأ الأحاديث النبوية بصوت جهوري يجيد الترتيل بحسب قواعد يَألفها شيوخ الزيتونة ويتوارثها الأئمّة في تونس منذ قرون، فلا تمرّ بالقرب من الجوامع الكبرى في البلاد من دون أن تسمع أصوات التجويد والترتيل التي تميّز الطابع الإسلامي الزيتوني.
إلى جانب ختم القرآن، تحوّلت عادة ختم كتب الأحاديث النبوية من عادة جماعية إلى أخرى فردية أيضاً يمارسها التونسيون في البيوت والجوامع في شهرَي رجب وشعبان وخصوصاً في شهر رمضان، ويختارون إنهاء الختم في ليلة القدر.